من كان ليصدق أن يعود الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى البيت الأبيض لفترة رئاسية جديدة وبهذا الحماس الشعبي داخل الولاياتالمتحدة؟ قليلون هم من كانوا يصدقون ذلك. الإعلام الأمريكي نفسه وجد نفسه ينحاز في آخر لحظة إلى التعادل أثناء المواجهة، ولكن التعادل لم يحدث، وفاز جورج بوش وحقق ما كان يقول عنها الورقة الرابحة والتي نسميها نحن (المفاجأة المريعة)! مرة أخرى يؤكد الواقع أن الحسابات لا تضبط، وأن التوقعات تظل مجرد احتمالات لا أساس لها من الصحة داخل حتمية التغيير حين يلجأ شعب كبير كالشعب الأمريكي إلى التخلي عن الحذر والانحياز الصريح نحو الخطاب السياسي للجمهوريين الذين يريدون تعليم العالم أصول الديمقراطية الحقيقية على شاكلة ما يجري في العراق وفي أفغانستان وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة. وحتى لو نسينا ما يجري في العراق فمن الصعب نسيان التواطؤ الرهيب الحاصل فيه، والحاصل أيضاً في الشرق الأوسط الكبير ككل والذي يثير الاعتقاد أن الانفجارات آتية لا محالة.من الذي انتخب جورج بوش لمرة أخرى؟ الرغبة في تغيير العالم أم الرغبة في تحدي العالم؟ أم الخوف من الخوف الذي صنعته الرسالة المفاجئة التي وجهها تنظيم القاعدة على لسان أسامة بن لادن إلى الشعب الأمريكي؟ كثيرة هي الأسئلة حتى صار يخيّل إلينا أن أسامة بن لادن هو الذي أعاد جورج بوش إلى البيت الأبيض برسالته الأخيرة التي تثير الكثير من التساؤل والغموض. لقد صار جورج بوش رئيساً على الأمريكيين للمرة الثانية على التوالي، وصار لديه الكثير من الأعمال التي يجب عليه الانتهاء منها كما قال، ولعل أهم تلك الأعمال هو تحقيق الأمن في العراق وهي المهمة التي بدأت بالفعل عبر رغبة البنتاجون في إنهاء كل مقاومة في العراق، ولعل سقوط مدينة الفلوجة سيكون بالنسبة للأمريكيين سقوط أهم قلعة للمقاومة العراقية، وهو الشيء الذي يراهن عليه جورج بوش لإعادة مصداقيته الحربية ولتأكيد عزيمته للأمريكيين الذين انتخبوه بقوة هذه المرة.ما يثير الدهشة فعلاً، ليس الرهان العراقي فقط، بل والرهان الذي سوف يلعبه بوش في منطقة الشرق الأوسط التي ربما ستعيش تغييراً جذرياً، فالزعيم الفلسطيني ياسر عرفات على سرير الموت، والساحة الفلسطينية مرشحة لكل الاحتمالات التي سوف تستغلها إسرائيل لإثارة الفوضى والفتنة لأجل تصفية الحسابات القديمة التي تتيح للدولة العبرية الوقت لتنظم نفسها وهذا بحد ذاته رهان يريده الأمريكيون أيضاً، كي لا يكونوا ملزمين بأي شيء يمكن ان يشكل إحراجاً لإسرائيل في هذا الوقت بالذات.هذه هي اللعبة التي سيلعبها الجميع بانتظار فتح جبهة حرب جديدة لأن الضحية القادمة لا تبدو غامضة، باعتبار أن الولاياتالمتحدة تتكلم اليوم عن ظهرها العاري في العراق، لتقصد به إيران، ولتقصد أن أخطاء الماضي لن تتكرر وأن الحرب القادمة لن تسمح فيها بنشوب حرب شوارع كالتي وقعت في العراق باعتبار أن الإغراء الأمريكي سيكون المتاجرة بمصائر وبدم الشعوب باسم الحرية التي سوف تبيح لجورج بوش بحرق العالم كله.