تحقيقاً لدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} فرض الله الحج كركن من أركان الإسلام وجعله مرة على الأقل لمن استطاع إليه سبيلا. وزاد الخالق ببيته تكريماً وتعظيماً فشرع العمرة والزيارة دون قيد أو شرط. ومع تكاثر أعداد المسلمين، وتحسن أحوالهم المادية، وسهولة التنقل والسفر بين مكةالمكرمة وأرجاء المعمورة أخذت أعداد الحجاج تتزايد من عام إلى آخر، وإلى الحد الذي أصبحت المشاعر غير قادرة على استيعابهم. وهنا لجأت المملكة ومنظمة الدول الإسلامية إلى تقنين أعداد الحجاج من كل دولة وحدد ذلك بعشرة في المائة من السكان. كل ذلك على الرغم من التوسع الكبير والمستمر الذي تقوم به حكومة خادم الحرمين الشريفين للمشاعرالمقدسة. ولا زالت الدولة -وفقها الله- تتخذ من الإجراءات ما يمكن الحجاج من أداء نسكهم بيسر وسهولة. كما زادت أعداد المعتمرين في مختلف شهور السنة وخاصة في شهر رمضان الكريم. وللاستفادة من البنية التحتية التي هيأتها حكومة خادم الحرمين الشريفين والتي كلفت مليارات الريالات، ولتمكن من لا تصله قرعة الحج من زيارة الأماكن المقدسة صدرت توجيهات صاحب السمو الملكي ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني -حفظه الله- بزيادة أعداد المعتمرين والتسهيل لهم. وفي نظري أن هذا التوجيه الكريم كان له أهداف سامية منها:- 1- تمكين من لا تقع عليه قرعة الحج من زيارة الأماكن المقدسة معتمراً وفي ذلك أجر عظيم وراحة نفسية كبيرة. 2- الاستفادة القصوى من الخدمات التي هيأتها الدولة في المشاعر المقدسة من توسعة الحرمين الشريفين وعمل مطاف ومسعى ثانٍ. 3- إتاحة التواصل والتلاقي بين المسلمين من كل أنحاء المعمورة في الأرض الطاهرة مكة والمدينة. وفي ذلك خير للإسلام والمسلمين. 4- انتعاش الحركة الاقتصادية والتجارية في المملكة. وفي هذا الانتعاش تقوية للاقتصاد الوطني وتقوية أيضاً للمملكة مالياً وسياسياً واقتصادياً. 5- قدوم هؤلاء المعتمرين يجب أن يكون لفترة محدودة وألا يتداخل مع فترة الحج. هذه ولاشك أهداف سامية، تنطلق من منطلقات إسلامية واقتصادية وسياسية سليمة. فهل يا ترى تحققت هذه الأهداف في فتح باب العمرة والتوسع في أعداد من يقدم إلى المملكة لهذا الغرض؟ أعتقد ومن واقع المشاهدات التي رأيتها خلال العام الماضي والعام الحالي أن الأهداف السامية المبتغاة لم تتحقق وذلك للأسباب التالية:- 1- إن غالبية الزيادة في المعتمرين من الفئة الضعيفة التي تقيم وتنام في الحرم وفي الساحات المحيطة به، يستدل على ذلك من وجود حقائبهم وأغراضهم الشخصية في الممرات المحيطة بالحرم. ومما نشرته الصحف مؤخراً عن تلك الفئة أنها تأكل وتشرب من داخل الحرم من فاعلي الخير. 2- إن غالبية هؤلاء المعتمرين لا يغادرون في نهاية موسم العمرة وإنما يتخلفون إلى ما بعد موسم الحج أو على الأقل عدد لا بأس به منهم. 3- إن فئة من هؤلاء تمارس التسول ومضايقة المعتمرين داخل الحرم وخارحه، وبعضهم يمارس مهنة السرقة. 4- إن غالبية هؤلاء المعتمرين لا يسكنون فنادقاً ولا شقق مفروشة. وإذا ما سكنوا فيسكن كل واحد منهم في غرفة بها خمسة أشخاص كل واحد يدفع من 10 إلى 20 ريالاً لليلة الواحدة. لهذه الأسباب فمن يا ترى المستفيد من هؤلاء؟ بطبيعة الحال المستفيد الوحيد من هؤلاء هو من أحضرهم من الأرياف والقرى وتقاضى من كل واحد منهم ثمانمائة ريال أو أكثر أو أقل دفع منها مائتي ريال للمواصلات بالسيارات والبواخر، ووضع في جيبه باقي المبلغ وتركهم كما ذكرنا في الساحات وفي الحرم. لو فرضنا أن المتعهد أعطي ألفي تأشيرة معتمر فسيكون المبلغ الذي حصل عليه هو مبلغ مليون ومئتي ألف ريال على أقل تقدير. على الطرف الآخر، من هو المتضرر من وجود هؤلاء. المتضرر الأول هو الوطن الذي أسيء استخدام بنيته التحتية وما أعده من وسائل لراحة الحجاج والمعتمرين من طرق وساحات وفرش وغير ذلك، لطخت سمعته بتواجد هؤلاء بهذا الشكل يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، أو يحولون الحرم الشريف من مكان للصلاة والقراءة إلى مكان للنوم والروائح الكريهة، تُساء سمعة الوطن بانه لم يقدم لهؤلاء ما يجب أن يقدم لهم، وبأنه لم يضع الأنظمة التي تكفل لهؤلاء ما يحتاجون إليه من خدمات. المتضرر الأول الوطن الذي أراد أن يستفيد من هؤلاء بتشغيل مواطنيه وفنادقه ومطاعمه وتجارته وإذا به يدفع لهؤلاء ويخسر عليهم دون أن يستفيد منهم شيئاً. المتضرر الأول الوطن فيما تبذله إدارة الحرمين الشريفين من جهد عظيم لمراقبة هؤلاء وتنظيف الأماكن التي يستعملونها أو يسيئون استعمالها. وفيما تبذله الأجهزة المعنية من منحهم تأشيرات دخول وخروج وسفر وتنقل وخلافه. كل فرد من هؤلاء من اللحظة التي تحط فيها قدمه على هذه الأرض والدولة والوطن تخسر عليه. وقد تكون الخسارة عينية وقد تكون معنوية. ولكنها تمثل تكلفة للوطن والمواطن كان يمكن أن يستردها أو بعضاً منها ولكن مع هؤلاء يصدق المثل (فاقد الشيء لا يعطيه). المتضرر الثاني هو المستثمر في مكةالمكرمة الذي خسر مئات الملايين في إعداد وتجهيز منشآته سواء فندقاً أو شققاً مفروشة أو غيرها ثم تضيق الأرض والحرم بمن يتسول وينشل ويسرق ويقتات من أيدي الناس.المتضرر الثالث المعتمر الذي يقدم من أقاصي المعمورة لكي يقضي ليالي مشهودة في رحاب الحرم، قضى سنوات من عمره وهو يحلم ويعد العدة لهذه المناسبة التي قد لا تجود بها الأيام مرة أخرى، وإذا به يزاحم في الساحات وفي الحرم، يجد صعوبة في الدخول إلى الحرم والخروج منه. يجد صعوبة في وجود مكان يصلي فيه. إذا ما أراد أن يستمر بعد الصلاة في الفراءة فسوف يجد من يتمدد أمامه وخلفه وعن يمينه ويساره، يجد شخصاً ينام ويرسل من الشخير منكره ومن الهواء أفسده. إذا ما فكر في الحضور للحرم قبل الأذان فلن يجد مكاناً لأن مداد الصلاة قد تحولت إلى أسرة يشغلها هؤلاء بأجسامهم وثيابهم المتسخة. وقد يستمر غاليتهم إلى ما بعد موسم الحج فتسري آثارهم السيئة على الحجاج أيضاً. وبين العمرة والحج قد يتسرب هؤلاء أو بعضهم داخل الوطن في المدن والقرى المختلفة وفي ذلك من المحاذير والخسائر والبلاوي على الوطن والمواطن الشيء الكبير. لقد كان التوجيه السامي الكريم بزيادة أعداد المعتمرين ذو أهداف سامية. أهداف تخدم المسلم في المقام الأول وتحقق له أداء مناسك الحج والعمرة بيسر وسهلة. مع الاستفادة من البنية التحتية والتوسعات الكبيرة للحرمين والخدمات العظيمة المتوفرة فيه. لكن سوء تطبيق واختيار فئة ضعيفة تدفع قليلاً ولا تأخذ شيئاً من المتعهد قد فوت تحقيق هذه الأهداف.إن السبب في هذه الخسائر والتشويه هو عدم وجود عقوبات رادعة لمن يتلاعب بتأشيرات العمرة. لقد نشرت جريدة عكاظ في عددها رقم 1231 الصادر بتاريخ 16-9-1425ه الموافق 30-10-2004م بأن وزارة الحج أحالت أربع مؤسسات عمرة وطنية إلى اللجنة الثلاثية المشكلة من إمارة منطقة مكةالمكرمة ووزارة الحج ووزارة التجارة للتحقيق لإخلالها ببنود اتفاقية تقديم الخدمات اللازمة للمعتمرين. وذكر الخبر أن هذه المؤسسات القت بعدد غير قليل من المعتمرين إلى ساحات الحرم المكي الشريف دونما تأمين السكن الملائم لهم مما حدا بهم إلى التقدم بشكاوي للوزارة في هذا الشأن. وأن الوزارة نقلت أكثر من ثلاثة آلاف معتمر من ساحات الحرم إلى المساكن المعدة لهم التي أمنتها الوزارة. وفي خبر آخر زاد العدد إلى ثمانية آلاف. وإن الوزارة استمعت إلى شكاوي هؤلاء وراجعت العقود المبرمة معهم. وذكر الخبر أن الوزارة تتصل بالمؤسسة وإذا لم تقم بالإجراء اللازم خلال ساعة واحدة يتم تحويل المعتمرين إلى مؤسسة تقدم الخدمات المطلوبة ويرجع بالتكاليف على المتعهد الأول. وتوقع مندوب عكاظ أن يتم حرمان مثل هؤلاء المؤسسات من العمل في موسم العمرة القادم. هذا الخبر يؤكد ما ذهبت إليه في بداية المقال. وما تقوم به اللجنة من إسكان المعتمرين فوراً أمر جيد. ولكنني أرى أن العقوبات التي تفرض غير كافية وغير رادعة ويجب إتخاذ الخطوات التالية:- 1- تكليف اللجنة الثلاثية المشكلة من إمارة منطقة مكةالمكرمة ووزارة الحج ووزارة التجارة بمراقبة الحرمين الشريفين والساحات المحيطة بهما على مدار الأربع والعشرين ساعة. 2- أي معتمر يضع حقائبه في تلك المناطق أو يحاول النوم في تلك المناطق يمنع منعاً باتاً ويحقق معه فوراً في أسباب عدم وجود مسكن له، فإن كان السبب المتعهد تم الاتصال به، وإذا لم يتجاوب خلال ساعة واحدة يتم إسكانه وإعاشته من قبل متعهد آخر على حساب الأول، وتخصم من الضمانات المقدمة منه للوزارة مع فرض عقوبة مالية عليه تعادل ثلاثة أضعاف المبالغ التي حصلها من المعتمر. وإن كان المعتمر قادم بنفسه أو متخلفاً أو قادماً من الداخل أخذ عليه التعهد اللازم بتدبير مسكن له أو أودع سجن المتخلفين والمخالفين ورحل عن المشاعر فوراً. 3- تمنع اللجنة منعاً باتاً النوم في الحرمين الشريفين وكل من يحاول أن ينام يجري إخراجه من الحرم. وذلك حفاظاً على نظافة الحرمين وتوفيراً للراحة والطمأنينة لمرتادي الحرمين الشريفين. إن تعذر ذلك لسبب ديني فأرى أن تنظم حملة بعد الحج القادم لإشعار كل قادم حاجا أو معتمرا بأنه لن يسمح بالنوم أو الراحة في داخل الحرم أو ساحاته وإن كل من يوجد بدون سكن مؤثث سوف يرحل فوراً. 4- لا يكفي أن يحرم المتعهد المخالف من موسم عمرة قادم. ذلك أن ما تقاضاه خلال موسم يعد مكسباً مربحاً له وبإمكانه تقديم اسم أخيه أو والده أو ابنه أو قريبه إذا ما كان من ذوي الحظوة من الجهة التي تصدر التصاريح. ولكن الواجب أن يقدم للمعتمر الخدمة التي فقدها على حساب المتعهد. وفرض غرامة مالية تعادل ضعف المبلغ الذي حصله المتعهد المخالف من المعتمر لتكون هذه الغرامة رادعة لهذا المخالف وأمثاله. هذه الغرامة المضاعفة حق للدولة لما تسبب من هذا المخالف من إساءة للبلد واستغلال لإمكانياته وقدراته. 5- يلاحظ استغلال الحرم في العشر الأواخر للسكن بحجة الاعتكاف وفي ذلك مضايقة لعشرات الآلاف من المعتمرين ومن قاصدي الحرم للعبادة. وأرى أن تحدد أماكن معينة في الحرم لمن يرغب الاعتكاف بحيث لا تؤثر على الآخرين في أداء عباداتهم كغرف في قبو الحرم تخصص فقط لنوم المعتكفين. 6- لابد من معالجة موضوع حجز مداد ومقاعد في الحرم بسجادات وبوسائل مختلفة ومن ثم بيعها على من يدفع. وقد بدأت هذه الظاهرة، ظاهرة التجارة بمقاعد في الحرم تأخذ طابع قضية تحتاج إلى بحث ومعالجة من إدارة الحرمين الشريفين.أنني أدعو إلى الصرامة والجدية مع هؤلاء حتى نصون مقدساتنا ووطننا من التلاعب بها. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.