ما أعظم نِعَمِ الله التي وهبها سبحانه وما أكثرها.. نِعَم تراها الأعين في جنبات الأرض، وتستجليها الحواس وتتدبرها القلوب وترى فيها بدائع صنع الله.. إننا إذا تصفحنا كتاب الكون فإن سطوره تنطق بنعم الله التي لا تحصى، وإن صفحاته الضخمة الفسيحة سوف تتوالى بألوان هذه النعم على مد البصر، السماوات والأرض والشمس والقمر.. الليل والنهار.. الماء النازل من السماء والثمار النابتة من الأرض.. البحر تجري فيه الفلك والأنهار تجري بالأرزاق.. إنها نعم تستجيش الحمد والثناء كلما عُرضت هذه الصفحات الكونية على الأنظار.. والحمد لله هو الشعور الذي يفيض به قلب المؤمن بمجرد ذكر هذه النعم. وكيف لا ووجود الإنسان ذاته ليس إلا فيضاً من فيوضات النعمة الإلهية.. وفي كل لمحة وفي كل لحظة وفي كل خطوة تتوالى آلاء الله وتتواكب وتتجمع وتغمر خلائقه كلها وبخاصة الإنسان {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}. ولعل من أجلِّ نعم الله علينا نعمة الماء؛ فهو الحياة الرئيسية للأحياء في الأرض جميعا، فمنه تنشأ الحياة بكل أشكالها ودرجاتها {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} سواء أنبت الزرع مباشرة حين يختلط بالأرض أو كون الأنهار والبحيرات العذبة أو انساح في طبقات الأرض فتألفت منه المياه الجوفية التي تتفجر عيوناً أو تُحفر آبار وتُجذب بالآلات إلى السطح مرة أخرى.. وقد شاء الله أن يكون الماء عذباً فكان {لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} أي مالحاً لا يستساغ ولا يُنشئ حياة.. فهلا نشكر فضل الله الذي أجرى مشيئته بما كان.. فالماء العذب الذي تنشأ به الحياة كلها معلق بقدر الله ينزله من السحائب ولو شاء لجعله ملحاً أجاجاً لا يُنبت حياة ولا يصلح لحياة. ونحن في مملكتنا الحبيبة -ولله الحمد- بفيض من رحمة الله، حيث إن موارد المياه محدودة.. إلا أن الله سبحانه يتعهدها بفضله وعونه ويتداركنا برحمته وإحسانه فالحمد له أولاً وآخراً {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ}. وقد ظهرت على السطح مشكلة نقص المياه في الآونة الأخيرة في أماكن كثيرة من العالم، ولذلك وجب علينا أن نحافظ على هذه الثروة في بلادنا لتكون عوناً في الحياة لنا وللأجيال القادمة بإذن الله. لقد حان الوقت الآن بعد فترة الشعور بالمشكلة للتفكير المتعمق الذي يتيح دونما إبطاء القيام بوضع هيكلية عامة للاستفادة القصوى من المياه مستقبلا. لقد أحسنت حكومتنا الرشيدة بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله- ببذلها أقصى جهودها في سبيل إيجاد الحلول المثلى لهذه المشكلة. وقد أولى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز -ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني- وفقه الله- عناية خاصة لحل هذه المشكلة وجعلها في مقدمة اهتماماته المتعددة وتوجيهاته السديدة، ودعا الجميع إلى التكاتف من أجل التغلب على عملية إهدار هذه النعمة. ومع التخطيط لمشروعات مصادر المياه المستقبلية يجب علينا أن نرشد من استهلاك المياه ونتجنب الاستخدام غير الأمثل لمصادر المياه الجوفية في الزراعة وغيرها، مع استحداث وتحسين الطرق المستخدمة حالياً لتعويض النقص في المياه. إنه يحتم على الجميع أن يتبينوا أهمية ترشيد استهلاك المياه في هذه المرحلة وأن يُدْركوا أبعاد مشكلة نقص المياه. هناك البعض من الناس للأسف لا يزالون يهدرون هذه النعمة العظيمة بإسرافهم في استخدام المياه، حتى إن العين أحياناً لا تكاد تملك مدامعها سحاً وتذرافاً كلما أبصرت البعض وهم يقومون بعملية اغتيال للماء.. فيجب علينا جميعا أن نحس بحجم المشكلة حتى لا تستفحل، فننهض ونجد لنتمتع بثمرات أعمالنا لاسيما أن ديننا الحنيف يدعونا إلى عدم الإسراف في كل شيء حتى في استخدام المياه ولو كانت أنهاراً متدفقة. إننا بعد أخذنا بالأسباب نتوجه بالدعاء إلى الله أن يغيثنا من عنده، فالإنسان مهما طال حوله وكثر طوله واتسعت مذاهب قوته فليس ببالغ ما يريد لولا أن هناك حولاً أكبر من حوله وطولاً أعظم من طوله وإلهاً قادراً يقرب إليه ما ضاق به ذرعه وعيت عنه قوته. إن الله تعالى قد ألمح لنا بعذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة وذلك بالحرمان من سبب الحياة الأول وهو الماء {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} والماء الغور هو الماء الغائر الذاهب في الأرض لا نقدر عليه، والمعين هو الماء الفائض المتدفق. وكلمة أخيرة ونحن بصدد الحديث عن نِعَمِ الله التي لا تُعد ولا تُحصى وهي أننا حتى نصون هذه النعم ونحافظ عليها فلابد من الابتعاد عن الذنوب والمعاصي.. فإن الذنوب تُهلك أصحابها {فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ} والله سبحانه هو الذي يُهلك المذنبين بذنوبهم، وهذه سُنَّةٌ ماضيةٌ ولو لم يرها فرد في عمره القصير أو جيل في أجله المحدود.. فكل شيء يقع بمشيئة الله ليبلونا فيه. اللهم يسر أمرنا، وسهل عسرنا، واجعلنا أسعد حالاً وأروح بالاً وأهنأ عيشاً وأسدَّ خطوات في سبيل الحياة.. إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.