هذه مداخلة عن خصوصية المرأة السعودية، وهي في الأصل مداخلة مع برنامج (حدث وحوار) الذي عرض في القناة الأولى من التلفزيون السعودي مساء الثلاثاء 26-4-1425ه وكان ضيفا الحلقة د. علي بادحدح، والكاتب الأستاذ يوسف مكي، بإدارة المذيع الدكتور محمد العوين. فالأستاذ يوسف مكي يرى أن لا خصوصية للمرأة إلا باعتبارها مسلمة وهي بهذا تتساوى مع المسلمة في الصين أو المغرب أو لبنان أو غيرها، وهذا صحيح في أوله فإن الإسلام لم ينزله الله شرعاً للسعوديات دون غيرهن، بل أنزله الله سبحانه وتعالى شرعاً لجميع أهل الأرض، وإنما يتفاضل الناس بالعمل الصالح كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمٌْ} فلا الحسب ولا النسب ولا غيرهما وإنما هو دين الله مَنْ تمسك به أفلح ونجا سواء أكان أعجمياً في أقصى الشرق أو رومياً في اقصى الغرب.. لكن ليس هذا هو التفسير المقصود به عندما نقول (خصوصية المرأة السعودية). فإن الأستاذ يوسف فسرها أو هكذا أفهم من كلامه أننا نضفي قدسية خاصة على المرأة السعودية وذلك بالنظر إلى أنها سعودية فقط، أي أن الخصوصية المقصودة هنا خصوصية ذات. وهذا الفهم لم يذهب إليه أحد فيما سمعت وقرأت! إن الخصوصية التي نقصدها هي خصوصية سببية، خصوصية علاقة وارتباط، ولعلي في الأسطر التالية أجلي هذه الخصوصية التي نقصدها: - إن وجود المرأة السعودية في مهبط الوحي هذه خصوصية. - ووجودها في الأراضي المقدسة هذه خصوصية. - ووجودها في دولة تحكم الشريعة هذه خصوصية. ولو فصلناها لقلنا إن خصوصية المرأة السعودية تحيطها زماناً ومكاناً ودولةً! فأما الزمان: فإن الإسلام أول ما ظهر على هذه الأرض المباركة، وهنا عاش ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت عليه جميع شرائع الإسلام وبهذا تكون المرأة السعودية أقرب من غيرها إلى المنبع الصافي، وكلما بعد الإنسان عن المبنع تكدر عليه الشرب وكثرت الشوائب، فمن أراد صفواً فعليه أن يرد المنبع، إنه ارتباط زماني يضفي روحانية خاصة يجعل صاحبه أكثر تميزاً وإشراقاً في أنه صاحب رسالة! وأما المكان: فإن وجود الكعبة المشرفة وهي قبلة المسلمين جميعاً والمشاعر المقدسة في مكة وكذا المسجد النبوي في المدينةالمنورة كل هذا يجعل لأهل هذا البلد رجالاً ونساءً خصوصية باعتبار ما عندهم، وباعتبار نظرة الناس لهم، وباعتبار ما يتشرفون بخدمته، ولذا فالكل يقول: (هؤلاء من بلد الرسول! (إذاً فهم الأولى بالتطبيق للشرع وهم الأجدر أن يكونوا قدوة لغيرهم وليس غيرهم قدوة لهم، ودائماً في غير هذه البلاد إذا ذكر السعودي أو السعودية (البلد) قفز لأذهان الناس صورة الحرمين،فيكبر ويقدر السعودي باعتبار قدسية مكانه. وأما خصوصية الدولة: فإنه لا يوجد على وجه الأرض من الدول والأمم المعروفة اليوم دولة تطبق شرع الله وتقيمه كما تقيمه هذه الدولة المباركة، وقد ساعد هذا أن تتمتع المرأة هنا بخصوصيتها الإسلامية بحكم ما يوفره لها نظام الدولة، وهي الخصوصية التي سلبت المرأة المسلمة في غير هذه البلاد منها!! ولعل المقام يسمح بذكر بعض الأمثلة والشواهد التي توضح خصوصية الدولة فيما تكفله للمرأة أو للناس عموماً ليسعدوا بخصوصيتهم الإسلامية: 1- الأصل أن اختلاط الرجال بالنساء لا يجوز شرعاً! فقل لي مَنْ غير هذه الدولة تعطي الفرصة للمرأة المسلمة أن تتمتع بهذه الخصوصية التي كفلها لها الشرع الحنيف؟! لقد مارست المرأة السعودية وما زالت - والحمد لله - جميع مناشطها التعليمية والوظيفية وأدت دورها الريادي والوطني كاملاً دون أن تختلط بالرجال. * ففي التعليم من الأول ابتدائي وحتى درجة الأستاذية ولا اختلاط والحمد لله. * وفي الوظيفة مكاتب خاصة بالنساء والحمد لله. * وفي المستشفى عيادات خاصة بالنساء ولا اختلاط والحمد لله. وأينما ذهبت تجد احتراماً لهذه الخصوصية من قبل الدولة وفقها الله، واغتباطاً من الناس وبالذات من النساء لهذا الاحترام والحفاظ على الخصوصية، وتحسراً من مسلمين ومسلمات في غير هذه البلاد يتمنون أن لو عندهم ما عندنا!! بل وجد من المنصفين من غير المسلمين من أشاد بهذا! حدثني أخ مصري يعمل هنا يقول وهو يغبطنا: أنا من ثمانية أشهر يعني منذ وصلت هنا لم أشاهد وجه امرأة!! إن الدولة - وفقها الله - قدمت للعالم كله والعالم الإسلامي بصفة خاصة نموذجاً حياً لاحترام خصوصية المرأة والمرأة المسلمة خصوصاً وفق تعاليم الشرع، وأوضحت بصورة جلية أن المرأة تتقدم أحسن وتشرف أكثر مع عدم الاختلاط. وإننا بهذا التميز وبهذه الخصوصية التي ترعاها الدولة مغبوطون من المسلمين وغير المسلمين وفي الوقت نفسه محسودون من أعداء لا يريدون لنا هذا الخير الذي نعيشه ولا السعادة التي تعيشها المرأة. فأجلبوا بخيلهم ورجلهم رافعين شعار حرية المرأة وهم كما قال أحد الكتاب: يريدون حرية الوصول إلى المرأة!! وإلا فمن أي شيء تتحرر؟؟ فالأمر إما شريعة وإما عادة فأما الشريعة فقد فصل الأمر فيها ومردها إلى الله ورسوله، ومن أراد التحرر من شريعة الله فقد خسر خسراناً مبيناً، وتحرره مردود عليه. وأما العادات والتقاليد فمنها حسن يشجع عليه ومنها غير ذلك يزول مع التعليم والتوعية وإذ لا حاجة لافتعال قضية تشغل المرأة المسلمة بها نفسها وتشغلها عن واجباتها الأساسية وتشغل بها غيرها. 2- مثال آخر وهو عام: اذهبْ إلى أي بلد إسلامي تجد أن الخمور تباع علناً لمن أراد أن يذهب عقله ويعصي ربه! إنها خصوصية لا توجد إلا هنا ان الدولة تحفظ على عقول الناس وتحميهم ان يذهبوها. صحيح ان الشرع قد حرم هذا لكن الشرع يحتاج الى من يحكمه ويقوم على تنفيذه وهذا لا يتم إلا بحكومة ومن غير هذه الحكومة بعد الله تحمي عقولنا وانسانيتنا من المسكرات والمخدرات! 3- في البلاد الإسلامية توجد محكمتان قانونية (وضعية)، وشرعية وقد لا توجد إلا القانونية، والشرعية لا يحال إليها إلا القليل والناس مجبرون على الذهاب الى المحكمة الوضعية فليس لهم خيار عن ذلك! وفي هذا البلد نقدم نموذجاً للعالم أجمع ان شريعة الاسلامي صالحة لكل زمان ومكان يوم أن جعلنا تحاكمنا الى شريعة الله فتصلح أمورنا - والحمد لله - وتسوء أحوال الآخرين. لأنك بعقلية بسيطة وبحسبة بديهة وبالمقارنة بين شريعة الإسلام التي أنزلها الله وبين القوانين التي شرعها البشر فإن الذي شرع الإسلام هو الله سبحانه الكامل في صفاته الحكيم في شرعه ولذا كان شرعه كاملاً صالحاً على مر العصور والى ان يرث الله الأرض ومن عليها قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} وكان شرع غيره ناقصاً بحسب صفة واضعه الذي يعتريه الجهل والنقص، وغيرهما مما ركب طبع الإنسان عليه من صفات النقص والقصور. 4- ثم هل رأيت أو هل يوجد في أي بلد في العالم لوحة تحمل اسم (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) تسند من ولاة الأمر - حفظهم اله - شخصياً ولها صفتها الاعتبارية، ولها هيبتها، ولها احترامها وتقديرها عند الناس! 5- وهل رأيت في بلادنا صنماً يعبد، أو قبراً يطاف عليه، او ولياً يتبرك به، أو أي مظهر شركي ظاهر، ثم انظر كيف دب الشرك في بلاد المسلمين وكيف يطاف حول القبور ويسأل الأموات كشف الكربات، ثم اسأل أي طالب عندنا في الصف الأول ابتدائي ما هو التوحيد؟ ولماذا خلقنا الله؟ إنها خصوصية المجتمع الموحد، ودولة التوحيد! 6- وبالتأكيد أنك مغتبط كمسلمي هذه البلاد أنه إذا نادى المنادي للصلاة تُغلقُ جميع المحلات ويتوقف العمل في الدوائر الحكومية وتنخفض حركة السير بصفة ملحوظة وكل ذلك استجابة لأمر الله. وأنت مغتبط أيضاً عندما يدخل شهر رمضان حيث لا ترى أحداً ممن يجب عليه الصوم يأكل أمامك فأينما ذهبت تجد احتراماً والتزاماً بأمر الله، بل إن وزارة الداخلية تعلن لغير المسلمين في هذه البلاد ان يحترموا مشاعر المسلمين فلا يتناولوا مفطراً أمامهم! لقد كتب أحد الاخوان معجباً في أن الكوريين يتوقفون يومياً احتراماً للعلم وها نحن في هذه البلاد المباركة نتوقف استجابة لأمر الله. 7- وخصوصية أخرى لا توجد إلا هنا وهي أنك أينما ذهبت تجد مسجداً او مصلى تُؤدَى فيه الصلاة جماعة. ففي السوق مسجد، وفي الوزارة او المؤسسة مسجد وفي المستشفى مسجد بل مصليات في جميع الأدوار وفي المدرسة مسجد او مصلى، بل حتى في النادي الرياضي وفي المطار وأزيد من ذلك حتى في الطائرة انها خصوصية المجتمع المسلم والدولة المسلمة! هل أَستمرُ أو أكتفي بهذا؟! أما الشواهد فهي كثيرة على خصوصية الدولة التي أتاحت للمسلم في هذه البلاد المباركة أن يمارس خصوصيته الإسلامية بكل طمأنينة وارتياح، مما أنتج مجتمعاً أصبح على مر الأيام يحمل هويته الإسلامية المتميزة عن باقي أمم الأرض! وإلا فالقرآن والسنة ليستا للسعوديين دون غيرهم لكنها حفظت هناك في الكتب وفي الصدور وكانت هنا حية تسعى، ومارسها بعض المسلمين بشكل فردي وتمارس هنا على مستوى الدولة. وهذا ما أغاظ الأعداء من الكفار والمنافقين فبدؤوا يكيدون لأهل هذه البلاد (حكومةً وشعباً) ويكيلون لهم التهم ويلصقون فيهم ما ليس فيهم لكنهم - إن شاء الله - سينقلبون خاسئين والله متم نوره ولو كره الكافرون. المهم أن نتذكر أن خصوصيتنا خصوصية تشريف وتكليف وليست خصوصية استعلاء أو أن الله اصطفانا دون خلقه، وأن هذه الخصوصية تدعو إلى العمل ونشر الخير وتحفز على رسم النموذج الحسن والسلوك الإسلامي القويم في أي مكان تواجد الفرد السعودي فيه. وانه إذا سمح بخطأ الآخرين فإن أهل هذه البلاد محاطون ومراقبون من قبل المسلمين وغيرهم أينما حلوا لأنهم لا يتوقعون إلا أن يكونوا قدوة لهم، وعليه فإن أخطاءهم تكون كبيرة ولذا تجحظ العيون عندما تخطئ أهؤلاء من بلد الرسول؟ أهؤلاء من السعودية بلد الحرمين؟ وإنني بهذه المناسبة أدعو كل مواطن أو مواطنة من أهل هذه البلاد المباركة في داخل البلاد وخارجها أن يكونوا صورة صادقة للمسلم المتمسك بدينه المعتز بقيمه وأن يكون داعية للخير سمحاً مبشراً رفيقاً في دعوته ليناً في تعامله متمثلاً قول الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}. كتبت هذا، والله أسأل أن يجنبنا الزلل، وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.