كان من ثمرة تجوالي في معرض الكتاب الدولي العاشر الذي أقيم في رحاب جامعة الملك سعود في الفترة من 7-17 من شهر شعبان لهذا العام وقوفي على كتاب (في تحقيق النص، أنظار تطبيقية نقدية في مناهج تحقيق المخطوطات العربية)، لمؤلفه الباحث العراقي المعروف الدكتور بشار عواد معروف. فراقني عنوان الكتاب، لاسيما وهو لمؤلف مشهور، أمضى ردحا من الزمن في خدمة كتب التراث التاريخية والحديثية، وله خبرته الواسعة في إخراج كتب السير والتراجم. وكان من آخرها كتاب (تاريخ الإسلام) للحافظ الذهبي، وكتاب (تاريخ مدينة السلام) للحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي. وكتاب (في تحقيق النص..) يبحث في أصول تحقيق النصوص العربية بصورة تطبيقية عملية، ويقدم المؤلف خبرته الطويلة في هذا المجال. قدم الباحث نقدا علميا موثقا لما طُبع من كتاب (تاريخ الإسلام) للذهبي في طبعته الصادرة عن دار الكتاب العربي في بروت في الفترة من 1987- 2000م. وقد قسم الباحث كتابه إلى مقدمة وأربعة فصول: ففي المقدمة استعرض المؤلف غايته من الدراسة المذكورة، وبين الخطوط العامة لها، وتتبع ما طبع من (تاريخ الإسلام) للذهبي مستعرضا الطبعات التي سبقت الطبعة التي قام بإخراجها بدءا بالقطعة التي نشرها حسام الدين القدسي رحمه الله سنة 1367ه. أما الفصل الأول فهو في انتحال جهد المحققين مشتملا على ثلاثة أنواع من الانتحالات، وهي: 1- انتحال الطبعات. 2- انتحال المصادر. 3- انتحال التعليقات. وفي كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة يضرب أمثلة حية مشيرا إلى المُنْتَحِلِ وما انتحله من طبعات لكتاب ما، أو مصادر ومراجع لم يطَّلع عليها مُدللا على هذا. أما الفصل الثاني: فقد خصصه للكلام على جمع النُّسَخ الخطية ودراستها. وفي التوطئة لهذا الفصل يشيد المؤلف بجهود الباحثين في سبيل حصر المخطوطات وأماكن وجودها في العالم، كجهود الأستاذ فؤاد سزكين في كتابه القيِّم (تاريخ التراث العربي)، وكارل بروكلمان في كتابه النافع (تأريخ الأدب العربي). ولا ينسى المؤلف أن يشيد بجهود المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في عمان (الأردن) في إصداره الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط. والذي صدر منه العديد من الأجزاء. ثم يشيد المؤلف بجهود بعض الأعلام في مجال الاعتناء بالمخطوطات كصلاح الدين المنجد، ومحمد رشاد عبدالمطلب، ومحمود الطناحي، وعصام الشنطي، وغيرهم. وفي ثنايا هذا الفصل يطالع القارئ الكريم قائمة بعدد التراجم الساقطة من كل طبقة في كتاب (تاريخ الإسلام) للذهبي طبعة دار الكتاب العربي ولا يملك القارئ الكريم إلا أن يقف عند هذه القائمة متعجبا!! كيف يفوت هذا الكم الهائل على (لجنة من الدكاترة والأساتذة المتخصصين)!! فالطبعة السابعة والعشرين بلغ عدد التراجم الساقطة (387) ترجمة والطبقة الثانية والخمسون (260) ترجمة. والطبقة الثالثة والخمسون (224) ترجمة، وهلُمَّ جرا. ثم يورد قائمة حصرية بعدد التراجم الساقطة من هذه الطبعة فتبلغ في مجملها ألفا ومائة وأربعين ترجمة ساقطة بتمامها. وأقول: أبعد كل هذا يصح الاعتماد على هذه الطبعة؟؟ أما الفصل الثالث: فكان مجال حديث المؤلف فيه عن ضبط النص والتعليق عليه. وفيه أبان المؤلف عن الفرق بين (التحقيق) و(التعليق)، ثم ذكر أصول تحقيق النصوص المتفق عليها عند أهل هذا الفن. وفي كل ما تقدم يضرب المؤلف أمثلة من التجاوزات والأخطاء التي حصلت في طبعة دار الكتاب العربي ل(تأريخ الإسلام). أما الفصل الرابع: فقد اختار المؤلف له عنوانا طريفا: (الطريف من التصحيف والتحريف). مبينا الفرق بين التصحيف والتحريف، وأبرز الكتب المؤلَّفة فيهما، واستشراء هذه الظاهرة في كتب التراث المطبوعة ونماذج من ذلك في طبعة دار الكتاب العربي للكتاب المذكور. وختاما أقول: إن روح البحث العلمي الجاد ظهرت في هذا الكتاب ولم تنقص المؤلف الصراحة في كل سطر سطره. ولا شك أن هدف المؤلِّف -كذا نحسبه- هو المحافظة على هذا التراث العظيم من عبث العابثين وتحريف المحرفين وانتحال المنتحلين. ولا يخفى على القارئ المطلع أنه قد سبق المؤلف إلى هذا علماء كبار وأئمة أعلام، نحسبهم من أولي الغيرة على تراث الأمة، والله من وراء القصد. كتبه: راشد بن عامر الغفيلي