في الطائرة في الطائرة - وليس في سلّمها - التي غادرت مدينة ألماتي عاصمة جمهورية كازاخستان، إلى مدينة أورومشي في شرقي الصين منطقة شنجيان (تركستان الشرقية)، الطائرة تابعة لشركة طيران شرقي الصين، وفيها وزع العصير، ثم وجبة في (كرتون) يحوي قليلا من الأكل (نعمة)، ثم وزعت البطاقات التي يملؤها الراكب بالمعلومات، وقد أعطتني المضيفة بطاقة.. في جهة منها اللغة الصينية وفي الأخرى اللغة الروسية، وكلاهما معلوماتي فيهما أقل من صفر على الشمال، فطلبت منها بطاقة تكون باللغة الانجليزية، فأومأت رأسها (الأصلع)، فخفت أن لا تكون لديهم بطاقات بلغة بوش وبلير وأضرابهما، ولكن المضيف جاء فوجدته يعرف شيئا من الإنجليزية، فطلبت منه البطاقة (المجلترة)، فغاب ثم أحضرها فتنفست الصعداء كما يقولون، ولما كنت وجدت في غطاء (كرتون) الأكل كلمتين حروفهما عربية لم أستطع قراءتهما فقد سألته عنهما فقال شيئا لم أفهمه لأن لغته الإنجليزية ضعيفة (مثلي). في مطار أورومشي هبطت الطائرة في مطار أورومشي ليلا بعد ساعة ونصف طيران فوجدت الزحام على أشده كما وجدت الأخت الفوضى وقد ضربت جميع أطنابها هنا، فلا نظام ولا دور ولا (سرا) (كيو)، والمكان ضيق والمطار قديم، وبعد فترة دب النظام (دبيبا)، ونظم الناس، وذهبوا للجوازات ثم الجمرك، وكنت حجزت في فندق رمادا بواسطة صديق للصديق سامي، وإذا أردت تذكر اسم الفندق تذكرت الرماد، (النار ماترّث إلا رماد) واسمه باللغة اليوغورسية (التركستانية) (تونخابنقوان)، ويكرم شهر رمضان وإلا لقلت نزيد نونا (فيصبح رمضان). وفوجئت في الصباح بوجود حروف عربية في كلمات غير عربية على لوحات المحلات والشركات بجانب اللغة الصينية، لم أستطع فهم ما تعنيه تلك الكلمات، وتبين أنها اللغة اليوغورية، لغة تركستان الشرقية التي احتلها الصينيون أي ابتلعها التنين الأصفر منذ أكثر من 50 عاما واستنجدوا آنذاك بمن ينقذهم، فلم يجدوا. اللغة اليوغورية تكتب بحروف عربية مثل ما تكتب الفارسية في إيران، والأردية في باكستان، والتركية (العثمانية) في تركيا قبل مصطفى كامل. وفيها كلمات عربية كثيرة، وتقرب من التركية والكازاخية وغيرهما، مثل كلمة رحمت وتعني شكراً ومدرسة وكتاب وقلم وصابون وشوربة وزمان وغير ذلك. ولا بد من وجود اللغة اليوغورية بجانب اللغة الصينية ولكن بحروف أصغر، لأن الصينية عبارة عن لوحات فيها رسوم تشبه رسوم التشكيليين و(شخابيطهم)، ويضيف اليوغوريون الياء في كثير من كلمات لغتهم مثل شركتي، بنكي ونحوهما، وقد رأيت اللغة الصينية لوحدها دون اليوغورية في أماكن كثيرة، في بحيرة (تانجي) وغيرها، وأخشى أن يأتي يوم تختفي فيه اللغة اليوغورية، كما اختفت تركستان الشرقية. عادات هذه المنطقة اليوغورية (تركستان الشرقية) لما احتلها الصينيون أسموها سنكيانج أو شنجيان، وعاصمتها (أورومشي) URUMQI ويكتبونها باليوغورية (ئورومجي) كما رأيتها في مبنى محطة القطار، ومن عاداتهم تقديم الشاي الأخضر مع الأكل بل قبله، ولهم في تقديمه طريقتان إما وضعه في ماء حار في كوب له غطاء متحرك، وإذا أردت الشرب منه تميل الغطاء (تجعفه) لئلا يخرج إليك الورق، وكلما نقص زادوه ماء، أو يضعون الشاي في إبريق، ويسكبون (أي يصبون) لك منه، وكلما نقص كوبك زادوه من الإبريق حتى تبسبس أي تقول بس (بالإشارة طبعا)، وإذا لم تقل (بس) فالله يعينك على شرب الإبريق كله، تدردبه أي تقعبه حتى ينتفخ بطنك. وأحياناً يقدمون مع الأكل ماء حارا (فاتراً) للشرب، لأنهم لا يشربون البارد مع الأكل إلا النادر، ويأكلون بالأعواد (العصي)، ولهم عادات في السلام والكلام. وفي أورومشي مساجد كثيرة معظمها تحتها أسواق، ويكون المسجد فوق السوق، وسمعت عن مدينة كاشقر (كاشغر) وآثارها ومسجدها القديم، وهي قرب حدود كازاخستان، وقابلت الأخ عبدالغني، أعطاني هاتفه مكتب الشيخ محمد العبودي في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة هاتفيا، وقد درس في الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة، وبذل جهده لمساعدتي ومرافقتي لبعض الأماكن والأسواق، فلذا استغنيت عن المترجم الذي يتكلم الإنجليزية. الخلفاء الراشدون كما سعدت بمعرفة الأخ أبو بكر الذي يدرس الآن في الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة، وجاء هنا في العطلة، وأخيه علي الذي لا يتكلم العربية، وأخبرني أبوبكر أن أباه عبدالمجيد سمى أولاده الأربعة بأسماء الخلفاء الراشدين، أبو بكر وهو هذا ثم عمر ثم عثمان (لم أرهما) ثم علي. أورومشي ومدينة أورومشي جميلة لا بأس بها، تحيط بها جبال، أحدها في وسطها وهو الجبل الأحمر، جعلوه متنزها، والثاني غربا منها (قبلة) به طرق وأشجار وفندق، بحثنا(أنا والإخوة) عن مطعم فيه مطل على المدينة فلم نجد، وهناك جبال أخرى جنوبا هي التي فيها البحيرة (التي سيرد ذكرها)، ورأيت عندهم باذنجانا مدورا يسميه الروس (بكلجان)، كما رأيت شماماً (جراوة) مدورا ومفلطحا كأنه عجلة دراجة أطفال، قال الأخ عبدالغني إنه يراه لأول مرة. وهنا شيء من الفوضى في القيادة، وبواري مزعجة، وعدم احترام للمشاة، وسير للسيارات على الأرصفة. بحيرة تانجي هذا اسمها باللغة الصينية، أما باللغة اليوغورية (التركستانية) فهو (بوغدا كولي)، وتبعد عن أورومشي حوالي مائة كيل، وبها عربات معلقة (كيبل كار) (تليفريك)، تأخذ الناس من موقف السيارات التي أحضرتهم الى هنا الى البحيرة بل إلى قرب البحيرة، وهناك سيارات صغيرة تنقل الناس الى البحيرة نفسها، وبعضهم يسير على قدميه (الاثنتين)، وإلى جانب العربات المعلقة توجد حافلات منتظمة تنقل الناس من هنا إلى هناك لمن لا يريد العربات أو لا يستطيع ركوبها لمرض أو خوف أو نحوهما. طول مسافة العربات أكثر من ألف متر، وعدد العربات المعلقة 178، وارتفاع البحيرة عن سطح البحر 1919 متراً، وعمقها أكثر من 100 متر، وطولها سبعة أكيال، ويخرج الماء من أحد جوانبها مكونا شلالا جميلا، يقصده السياح والمتنزهون. ولما كان ذهابي الى البحيرة بصحبة المترجم مع مجموعة من الزوار في حافلة صغيرة يوم الأحد فقد كان الزحام شديدا جدا، وبقينا حوالي ساعة في (الطابور) قبل أن نصل الى محطة العربات المعلقة، ولكننا في العودة عدنا في الحافلات بسهولة من البحيرة الى مكان حافلتنا الصغيرة التي عادت بنا الى أورومشي. حرصت على زيارة مدينة كاشقر (كاشغر)، كما حرصت على لقاء الشيخ محمد صالح الذي ترجم القرآن الكريم الى اللغة اليوغورية (التركستانية)، ولكن الوقت (داهمني) كما داهم من قبل المذيعين والصحفيين في مقابلاتهم. معهد لتعليم اللغة العربية بعد صلاة الجمعة في المسجد الجديد الذي أقيم في منطقة تجارية، وبعد الغداء في (مطعم زمزم) برفقة الأخوين عبدالغني و(أبو بكر) قابلت الأخ (حبيب الله أمين) الذي أسس معهدا لتعليم اللغة العربية، أسماه معهد الصبا (ألا يا صبا نجد)، فطلب مني زيارة المعهد للقاء الطلاب والتحدث إليهم، وهذا ما فعلته، فقد زرت المعهد والتقيت الطلاب، وتحدثت إليهم وسألتهم وسألوني، وهذا في الصف الثالث، أما الرابع فيأتي غداً، ولم أتمكن من لقاء طلابه، ورأيت الصف الأول وهم صغار مبتدئون. وأخبرني الأخ حبيب الله أن بالمعهد 180 طالبا وطالبة، لتعلم اللغة العربية، و30 لتعلم اللغة الإنجليزية و15 لتعلم الكمبيوتر (الحاسوب)، أما هو فقد درس اللغة العربية في قطر وفي اليمن. ومن طرائف المقابلة أنهم سألوني عن عمري فقلت تحت المائة فضحكوا جميعا، ثم سألوني عن عدد زوجاتي فأجبتهم بأنهن 25 ما عدا (خلا) (سوى) (باستثناء) 24 فضحكوا أيضا. من طرائف اللهجات والأسماء في كازاخستان بحيرة اسمها كابشيقاي طولها 180 كيلا وليس مترا، وقلت في مقال سابق لي عن كازاخستان إنها على لهجة المصريين (خروفي قادم)، وعلى فكرة هناك بحيرة أخرى طولها 600 كيل. - في اللغة اليوغورية (التركستانية) (أهلا) تقابلها: خوش كابيس (خوش كبسة)، وخوش كلمة فارسية، ويقولون خوش أمديد: شي ممتاز. - قلت في أول هذا المقال (أو الذي قبله) إن (عفوا) في اللغة الروسية (باجا لوصطا)، والمصريون يقولون (ماجا الا سطا)، والفرق قليل في النطق، وهناك الخبز في جازان، واخوي والسن في اللغة الكازاخية، وغير ذلك كثير في المشرق و(المغرب). - البطاطس (بعدم تشديد السين) في اللغة الروسية قريبة من خرطوش، خرطوش الكبليتر (الكلب الأيسر)، والخرطوش في الشام هو البندقية. أماكن أثرية كما سمعت عن مدينة كاشقر، سمعت عن منطقة (تربان) 200 كيل عن (أورومشي) وبها آثار قديمة كما قال لي أحد أبنائها أبوبكر، وتشتهر بزراعة العنب، فهو ينبت ويثمر في كل مكان هناك حتى في البيوت، ورأيت زبيبا (بفتح الزاي) في أورومشي، قال لي الأخوان عبدالغني وأبوبكر إنه أفضل زبيب (بفتحها أيضا) في العالم، نسيت أن آخذ منه هدايا لقراء الجزيرة. العملة الصينية والعملة الصينية هي (إيوان) (إيوان كسرى وأخوه شروان)، وإن مائة قاحوش من أوراق الشيخ بوش تساوي ثمانمائة إيوان (وشويّ)، نسيت أن أقول لكم إن العملة الروسية (الروبل) 29 للدولار الواحد، أما الكازاخية فالدولار يساوي مائة وستة وثلاثين تنكة (صفيحة) تقريبا، أي انها تنقص أو تزيد قليلا حسب السوق.