إن هذا الدين الذي جاء به نبينا من عند الله هو دين الرحمة والخير والسعادة للبشرية فلم يطرق العالم دينا أكمل ولا أشمل ولا أسهل من هذا الدين الحنيف. الدين الذي أوصانا الله بأن نتمسك به حتى الممات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } آل عمران (102). فالإسلام بمعناه العام يتناول كل شريعة بعث الله بها نبياً ولفظ (المسلمين) يتناول كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء قبل بعثة خاتم النبيين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فببعثته توحدت الديانة السماوية وشملت رسالته كل العالمين الجن والإنس وامتدت إلى آخر الدنيا لا تبدل ولا تنسخ إلى يوم القيامة وأوجب الله على جميع الخلق اتباعه وطاعته {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} آل عمران (85). ورفع الله به الآصار والأغلال عمن آمن به واتبعه، فشرائع الإسلام كلها يسر {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقرة (185). {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج (78). {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} البقرة (286). {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} التغابن (16). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ويقول صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) وقد راعى الله سبحانه في هذا الدين العظيم أحوال عباده رحمة بهم وتخفيفاً عليهم فشرع لكل حالة ما يناسبها فرخص للمسافر بالإفطار في نهار رمضان والقضاء من أيام أخر يكون صيامها أسهل عليه، ورخص له بقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين وأباح له الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما. إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة لسماحة الإسلام، ولأجل ذلك حرم الله الغلو في الدين لأنه يتنافى مع سماحة الإسلام ويسره فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن أن يشق الإنسان على نفسه في العبادة، وحث على الاقتصاد فيها. فروى الإمام مسلم بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هلك المتنطعون) أي المتشددون، وروى البخاري رحمه الله: أن ثلاثة رهط جاءوا إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال الآخر: أنا أصوم النهار ولا أفطر. وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) وهكذا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسط بين الإفراط والتفريط، لا غلو ولا تساهل، بل مداومة على فعل الخير من غير تحامل على النفس بما يشق عليها. وما حدث في بلادنا من أحداث مؤسفة منذ فترة قريبة من قيام بعض من ضلت عقولهم وفسدت أفكارهم بقتل وترويع الآمنين من مسلمين وذميين وتفجير أماكن سكنهم ونومهم عليهم هو من الغلو المذموم بسبب نقص علمهم وعدم اتباع منهج السلف الصحيح الذي تسير عليه هذه البلاد المباركة حماها الله من كل سوء وإلا فمن ذا الذي أباح لهم قتل هؤلاء المسلمين والذميين ومن ذا الذي أباح لهم تفجير أنفسهم وانتحارهم وأنفسهم ليست ملكا لهم وإنما هي ملك لله تعالى وحده فقتل أنفسهم داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة) أخرجه أبوعوانة في مستخرجه من حديث ثابت بن الضحاك وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً). وهو في صحيح البخاري بنحوه. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من خرج على أمتي يقتل برها وفاجرها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه) رواه مسلم. (*) إمام وخطيب جامع الفيصلية بمحافظة الأفلاج