طرح الأستاذ راجي بن عليان الأيداء في جريدة الجزيرة الغراء، وعبر صفحة الرأي يوم السبت 28-6- 1425ه، موضوعا جديرا بالقراءة والتأمل حيث الفائدة التي تفيض منه، وظهرت في تضاعيفه واختار له عنوانا مميزا، ألا وهو (تقويم الفرد) ولقد قضيت مع سطوره وقتا جميلا ودقائق ممتعة إذ نقلنا بأسلوبه الجميل وكلماته الطيبة إلى حيث الرعيل الأول وجعلنا نعيش مع مواقف مؤثرة وتربوية للرسول- صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام.. من قرأها بعين العقل والبصيرة لا يتمالك نفسه إلا وتذرف عيناه دموعا غزيرة ويتمنى لو كان قد عاش في هذا القرن المفضل، ومع أولئك الرجال الأبطال الأشداء على الكفار الرحماء بينهم، الأقوياء بالإيمان والعقيدة.. بل وسيستصغر نفسه ويتقازم ذاته أمام هذه القمم الشماء بمواقفهم العظيمة وأخلاقهم الكبيرة وبطولاتهم الرائعة ولا غرو، فهم خير القرون وهم القدوة والمثل، وما أحسن المسلم عندما يتصفح سيرهم، ويقرأ عن بطولاتهم ليرتقي خلقا ودينا، ويبني شخصية مميزة له، تاركا عنه القصص المثخنة بأشجان الحب، ومشاعر الغرام و المتلبدة بغيوم الرذيلة والانحراف والمتشبعة بالخيال والدمار والشر مما تسمى المغامرات. ولكن دعني أخي القارئ آخذك معي لأقف بك مع ما شدني وأعجبني في مقال الأخ الكريم راجي وأحسبه سيعجبك أنت أيضا ألا وهو قول عامر بن ربيعة في شأن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- عندما كان مشركا (والله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب) وعلق عليه كاتبنا القدير بكلام جميل جميل قال فيه: لا يكاد يوجد إنسان مهما يكن شريرا إلا ويوجد فيه قدر من الخير، وقد يكون هذا القدر من الخير مغطى بطبقة من الانجراف بالفساد بحيث إن الإنسان الذي يقابله أول وهلة يتصور أنه مجموعة من الرذائل تمشي على الأرض، وأنه لا خير فيه أبداً، ولكن لو وفق هذا الإنسان إلى يد حانية تعمل على إزالة الغبار والانحراف الموجود على الفطرة لتكشفت له خصائص جيدة محمودة عند هذا الإنسان) انتهى كلامه. وقد صدق كاتبنا في كلامه حيث قرأ واقعا حقيقيا ومشاهدا، حيث إن من إخواننا ممن وقعوا في شرك الشيطان، وولغوا في المعاصي ممن يحملون قلوبا غضة حية ضربت بها الفطرة خيمة سامقة، ولكن في زاوية قصية من هذا القلب فطرة ربانية وإيمان يجعل منه معترفا بخطئه راغبا في إصلاحه، ولكن متى؟ إذا وجد يدا حانية ولسانا عذبا وتعاملا راقيا وأسلوبا بديعا جميلا ونظرة مشفقة ولمس حرصا ومحبة ممن يقابله ساعيا في خدمته ونفعه.. نعم إنه من أبناء الفطرة لماذا اليأس منه والقنوط من هدايته.. حدثني أحد الشباب ممن يظهر منهم التقصير والتفريط في جنب الله قائلا وبكل صدق وأمانة، كنا مجموعة من الشباب المقصرين في طاعة الله المتلطخين بأوحال المعاصي والآثام نجلس أمام القنوات الفضائية، ونتابع الأخبار، وكان ذلك في فترة الغزو الظالم والعدوان النصراني الغاشم على أفغانستان، حيث كنا نشاهد المناظر المفجعة والمشاهد المحزنة من تدمير وقتل وتشريد وإهلاك للحرث والنسل، فلا نتمالك أنفسنا إلا ونبكي حسرة وحزنا، وتمتلئ قلوبنا أسى وحرقة واضعين رؤوسنا بين أرجلنا، ونتمنى لو كان لنا من الأمر شيء فنساعد إخواننا، ونقف مؤازرين لهم، ولكن سنظل ندعو لهم وندعو حتى تنفرج همومهم.. وقد كان يحدثني والحزن والتأثر باد على وجهه، فأكبرت فيه هذا الشعور، وهذا الحس الإيماني المبارك.. والمواقف أمثاله كثيرة.. ولكن هي دعوة لأهل الاستقامة ممن منّ الله عليهم بالصلاح والهداية، وللآباء لا تيأسوا من انحراف من ضل الطريق، وتنكب السبيل، فهو والله قريب.. إليكم هذه القصة حدث أحد الدعاة فقال: رجل رأى شاباً مفتول العضلات جالسا في سيارته أمام مشغل خياطة نسائي يعاكس الفتيات فهابه الرجل في بدء الأمر ولكن هذا الناصح استجمع قوة، وامتطى صهوة الجرأة حرصا على هذا الشاب ومحبة في الخير له فكلمه بكلمات خرجت من القلب واعظا مذكرا، وهذا الشاب مطرق الرأس لم ينبس ببنت شفة، فما أن انتهى هذا الناصح من كلامه إلا ورأى الشاب، وقد اغرورقت عيناه بالدموع تأثرا بما سمع، فقد حرك هذا الموفق الإيمان في قلبه، ولامس الفطرة فيه، فشكر الشاب ناصحه وعاهده على عدم الرجوع إلى هذه المعصية، بل وتاب توبة صادقة، واستقام استقامة عظيمة حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد أيام قلائل من هذه التوبة.. نعم والله إنه الخير المستكن في القلوب الذي هو بمثابة الماء الراكد الذي ينتظر من يحركه بكلمة طيبة امتثالا لقول الباري سبحانه {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فإن رأيت - أخي المستقيم - أحدا ممن ضلوا الطريق، فكن هاشا باشا في وجهه، ورحب به وقدره وعامله بالأخلاق الراقية، واحمد الله أن منّ عليك بالهداية، واسع بما تستطيع في صلاحه واستقامته، وحذار أن تشمت به، ولا تغتر باستقامتك فقلوب العباد بين اصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. ختاما: أشكر الأستاذ القدير راجي الأيداء على هذا الطرح الموفق والموضوع الجيد، فقد أبحر بنا في موانئ الرفعة والعلو ورسا بنا في شواطئ العزة والأخلاق، ودفعني لأن أمسك القلم وأسطر هذه الكلمات التي أرجو أن تكون نافعة مفيدة.. كما أن الشكر موصول لهذه الجريدة الغالية وخاصة صفحة العزيزة الأثيرة التي أتاحت لنا الفرصة في تبادل الآراء والأطروحات وتقبلوا فائق التحية. عبدالله بن سعد الغانم تمير abdullah_alghanem_1390@h otmail.com