وأعتذر عن خطئي في اختيار العنوان.. فلقد اضطررت إليه. ولعل السطور التالية تحمل السبب، ولك أن توافقني أو العكس!. * لن تجده في منزله إلا بحجز موعد مسبق، وتلك خصلة يشاركه فيها غيره. * وقته مشغول جداً!! فهو يعمل في اليقظة والنوم!! ويعمل في الحضر وفي السَّفر، ويعمل في الرخاء والشدة، وهذه قد يشاركه فيها غيره كسابقتها. * ترى فيه حينما تقابله شيئاً من حب الذات، وشيئاً من الشعور بالتميُّز، وشيئاً كثيراً من الغرور واحتقار الآخرين.. وهذه قد نجدها عند بعض التجار والوجهاء!! * وترى في خطابه نبرات الحدَّة، والصَّلف، وتكلف الفصاحة بالعربية أو بغيرها!! وهذا شيء قد نجده عن نفر من الناس الذين وصلوا إلى مناصب ليسوا كفؤاً لها. * ولكن التي تقصم ظهر الجمل - في نظري - هي أن يصل الأمر الى تعمد طرد الضيف حينما يقدم إلى منزله، أو قطع مكالمة هاتفية بشكل سخيف، أو التظاهر بالانشغال - في كل حين - عن إجابة سائل أو تلبية دعوة أو زيارة مريض أو نجدة محتاج.. * تلك الحال مما لا يقره عقل ولا تقبله فطرة مستقيمة، ولا ترضاه شيمٌ ومكارم، وإن صدر ممن يحمل عشر شهادات دكتوراه!!. أمَّا أن تقول لي: هل يحصل ذلك؟ أقول: لعلك ممن أكرمهم الله بعدم التعامل مع هذا الصنف ممن يحملون الدكتوراه. أمَّا أنا فقد (ابتليت) بمعرفة عدد منهم؛ حملوا شهادات الدكتوراه - في غير مجال الطب - فوضعتهم شهاداتهم، وتعبوا في سبيل الحصول عليها فأشقتهم، وطلبوا الغنى بحملها فأفقرتهم.. فلم يكن من علاج لتلك الحال إلا نظرة استعلاء ينظرون بها لمن لا يحمل (الدال) علَّ ذلك يخفف من آلامهم، ويدخل الطمأنينة على نفوسهم وأنَّى لهم ذلك!!. ولقد كتبت في هذا مقالاً نشر قبل سنين، ولكن المجلة التي نشر فيها كانت محدودة التوزيع.. ثم إني وجدت الأمر كما كان أو أشدّ تَبَعاً لكثرة الحاصلين على الدكتوراه وقلة الفرص القيادية التي يحلم بها كثير منهم. فكتبت هذه السطور رسالة حب قد تؤلم من لا يحب الصراحة، وقد يرُدُّها شديدُ غضبٍ وسريعُ انفعال من ذلك الصنف من الناس.. ولكني آمل من ذلك الأخ أن يتمهل؛ فقد قلت ولا أزال: بأنَّ ممن يحملون (الدكتوراه) نفرٌ يكرهون أن يقال لأحدهم دكتور، وتجد ذلك المهندس أو القاضي أو المدير أو المدرس متواضعاً غاية التواضع. تجد الواحد من هؤلاء لا يردُّ سائلاً ولا يحتقر داعياً، ولا يستعلي على جاهل أو فقير، لطيف المعشر مع أهله وجيرانه وطلابه والمتخاصمين عنده.. ومع الناس كلهم. فلم يكن لذلك من نتيجة إلا حبُّ الناس له ودعاؤهم له وتفانيهم في خدمته. تواضع فرفعه الله، وخَفَّ شغفه بالدنيا فأغناه الله، وأدخل السعادة في نفوس الناس فأسعده الله. ومن هؤلاء وهم أساتذتنا وبعض إخواننا وأحبابنا من لا يصدق أحدٌ أنه يحمل شهادة (الدكتوراه) التي شقي بها غيره.. فلست ترى فيه خصلة واحدة في تعامله تشير إلى أنه (دكتور).. لأن العلم وسعته ليس دليل شهادة، والنجاح في المنصب ليس مرتبطاً بالشهادة، والغنى والثروة لا علاقة له بالشهادة.. فأي دليل بعد ذلك نعرف به أنّ هذا الكريم الجواد المتواضع (دكتور). * ألا قاتل الله المظاهر الكاذبة، وتحيةٌ من أعماق القلب لمن زاده علمه تواضعاً، وأوصله فقهه إلى نبل الخصالوكان عاملاً بما يعرف قبل أن يدعو إليه الناس، تحية حب وتقدير لمن يحمل صفات الأب المشفق والأخ الناصح والصديق الودود والطبيب الحاذق والأديب الذي ترى الأدب في نبرات صوته وحركات يده وأسارير وجهه وأسلوب حديثه.. قبل ان ترى (أدبه) في كتب بَرّاقة وصفحات شفّافة وأغلفة جوفاء. * وأخيراً هل علمت لماذا اضطررت إلى اختيار عنوان هذا المقال، فأنا لا أوثر على ألفاظ اللغة العربية غيرها إلا حينما لا أجد البديل أو يبلغ السَّيل الزُّبى. (والزُّبى) بزاء ثم باء ثم ألف مقصورة جمع (زبية) وهي: حفرة في موضع عالٍ تغطي فوهتها فإذا وطئها الأسد وقع فيها.