إن عداوة الشيطان للإنسان قديمة منذ عهد أبيه آدم عليه السلام فهو ما زال يكيد لهذا الإنسان لإهلاكه كما قال لربه: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً}، ومن أعظم ما يكيد به الشيطان للإنسان كشف العورات لما يجر إليه من الوقوع في الفاحشة وفساد الأخلاق وضياع الحياء والحشمة، فكاد لآدم وزوجه بالأكل من الشجرة التي نهيا عن الأكل منها: {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا}، فحصلت من آدم عليه السلام الخطيئة ولما عاتبه الله في ذلك تاب إلى الله فتاب الله عليه وقطع خط الرجعة على الشيطان لكن بقيت آثار المعصية بإخراجه من الجنة فزاد ذلك من توبة آدم إلى ربه واجتهاده في طاعته {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}، ففات على الشيطان غرضه وحصل لآدم من الإكرام وحسن العاقبة ما لم يتوقعه الشيطان وصار كما قيل: (رب ضارة نافعة) ثم إن الله سبحانه وجَّه النداء لبني آدم محذِّراً لهم من كيد هذا العدو الذي فعل مع أبيهم ما فعل أن لا يفتنهم ويوقعهم في الهلاك عن طريق التساهل في كشف العورات وامتن عليهم بلباسين يستران عوراتهم: اللباس الذي يواري سوءاتهم ويجمِّل هيئاتهم وهو اللباس المحسوس الذي يلبسونه على أبدانهم، واللباس الذي يواري سيئاتهم ويجملهم ظاهراً وباطناً وهو لباس التقوى الذي تتحلَّى به قلوبهم قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ}، {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا}، وما حذَّر الله عباده هذا التحذير إلا لأن الشيطان سيعيد عليهم الكرة فيأمرهم بالعري وخلع الستر ولباس الحشمة لما له في ذلك من المآرب الخبيثة والمطامع الدنيئة وقد عمل هذه المكيدة مع أهل الجاهلية فأمرهم أن يطوفوا بالبيت عراة رجالاً ونساءً وقال لهم: لا تطوفوا في أثواب قد عصيتم الله فيها فأطاعوه محتجين على ذلك أنهم وجدوا عليه آباءهم (وأن الله أمرهم بهذا) وهكذا احتجوا بالتقليد الأعمى وبالكذب على الله، وهما حجتان داحضتان ولكن صاحب الباطل يتعلَّق بخيط العنكبوت. ولما بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أنكر هذا العمل ومنعه لما فتح الله له مكة وجعل له السلطة على أهلها فقال: (لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان) وبعد هذا دبَّ الشيطان وأعوانه من شياطين الجن والإنس في هذا الزمان إلى المسلمين مطالبين بكشف العورات وخلع لباس الحشمة، طالبوا بإخراج المرأة عن الآداب الشرعية إلى الآداب الكافرة الافرنجية وطالبوها بخلع الحجاب وإظهار الزينة وطالبوها بالخروج من البيت ومشاركة الرجال في أعمالهم التي لا تليق بالمرأة، طالبوا باختلاطها مع الرجال في مجالات العمل وفي مجالات اللهو واللعب في المسارح والمراقص ودور اللهو، طالبوها بأن تداوم في الوظيفة كدوام الرجال رغم ما يعتريها من حمل وولادة وحيض ونفاس، طالبوا أن تتولَّى المرأة أعمالاً لا يتحقق لها القيام بها إلا بالتنازل عن حيائها وحشمتها، بل طالبوا أن تقوم بأعمال لا تطيق القيام بها خلقة وطبيعة أن تكون وزيرة وسفيرة ومديرة ورئيسة أعمال متناسين أنها أنثى خُلقت لأعمال النساء لا لأعمال الرجال {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى}، إن الكفار حينما ينادون بذلك يريدون أن يسلبوا المرأة كرامتها ومكانتها اللائقة بها حتى ما تمتع به المرأة المسلمة من عزة وكرامة ومكانة عالية، ومن ينعق بأفكارهم ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا في الصحف والمجلات والمؤلفات إنما ينعقون بما لم يدركوا عواقبه الوخيمة أو يدركوا ذلك ولكن يريدون أن يرضوا أسيادهم أو يريدون أن تكون المرأة ألعوبة بأيديهم يستمتعون بما يتمكنون من الاستمتاع به منها، والعجيب أن بعض النساء المخدوعات ينعقن بهذه الأفكار دون أن يدركن ما يحاك ضدهن فهن كما قال الشاعر: فكانت كعنز السوء قامت بظلفها إلى مدية تحت التراب تثيرها إننا نريد من أمتنا رجالاً ونساءً حكومةً وشعباً أن يقفوا ضد هذه الحملة الشرسة المركَّزة على المرأة المسلمة التي إن نجحت (ونعوذ بالله) نكبت المجتمع في أعز ما لديه لأن المرأة قاعدة الأسرة قال الشاعر: والأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق وإذا انهارت الأسر انهار المجتمع، لأن الأسر هن لبناته فاتقوا الله يا من تنادون بتمرد النساء وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة خيراً وحذَّر من خطرها فقال: (واتقوا النساء فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). لما علم شياطين الإنس والجن ما للمرأة من مكانة في المجتمع ركَّزوا عليها وزعموا أنها مظلومة ومهضومة الحقوق وفي الحقيقة هم الذين يريدون سلب حقوقها وإخراجها عن طورها وخصائصها، يريدونها أن تكون كادة كادحة مضيعة لمسئوليتها فهي ربة بيت وراعية أسرة ومربية أجيال وسكن زوج، فأعمال الرجال للرجال وأعمال النساء للنساء هكذا فطر الله الناس وخلقهم {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.