ضياء الدين الصابوني ذكرى أول زيارة لي إلى دمشق، وكنت في الصف الأول الإعدادي, وكان عمري ستة عشر عاما. أنا لست أهوى غير (جلق) إنها في حسنها لهي الجنان الثاني أشجارها منضودة ببراعة أثمارها تهفو إليك رواني والروض يزهو معجباً بجماله ويتيه فيها تيهة النشوان والجدول الوسنان يرقص حالماً بين الصخور مروع الجريان كالحية الرقطاء تسحب ذيلها وتلوذ بالأشجار والكثبان والحور حف به على جنباته كما تحف الهدب بالأجفان وإذا يداعبها النسيم تراقصت وتمايلت كتمايل النشوان أهوى طبيعتها وأهوى جوها فجمالها يزهو على البلدان ولقد ذوى جسمي وذاب من الأسى والدمع قرح بعدكم أجفاني من بعد بعدكم وما ودعتكم إني لفرط الشوق كالظمآن فإذا ذكرتكم أبيت مسهداً ويفيض دمعي كالندى الهتان وإذا سلوتكم فأمسي شارداً والقلب يرقص دائب الخفقان ووددت أني ما هجرت ربوعها لكنه قدر من الرحمن بصبا (دمشق) شفيت نفسي عندما روضتها في ربوة وكوان غنى الحمام فصفقت طرباً له أغصانها في أعذب الألحان وسرى النسيم مداعباً أزهارها بوداعة وبرقة وحنان بجمال (جلق) يا أهيل مودتي يحيا الفؤاد بها من الأشجان أنتم بقلبي مع تنائي جسمنا وهواكم ديني وكل أماني حلبا يحن من وجده قلبي فأسكته فليس يهدأ إلا عاد مضطربا كزورق والرياح الهوج تضربه والموج يقذفه أيان ما ذهبا يغفى ويهدأ يأسا من صبابته تراه يصحو إذا ذكرته حلبا يصحو وينهض من أعماق سكرته يحن للوطن الغالي إذا اغتربا البعد يقلقله والذكر يسكره فإن ذكرت له أحبابه طربا ولي فؤاد كأن الله صوره ذوب الشعور يظل الدهر ملتهبا فلا يقر على حال وأين له؟ كأنه الطفل إن أنبته شغبا هذا هو الشعر إحساس وعاطفة لا ما يقال إذا أنشدته كذبا