لم يعرف بعد على وجه التحديد الجهة التي نفذت اعتداءات مدريد: فهل هي منظمة إيتا الإسبانية؟ أم عناصر تنتمي إلى القاعدة؟ أم الإثنان معاً؟ يوم الخميس الموافق 11 مارس 2004 لم يكن يوماً عاديا في مدريد إن لم يكن في اسبانيا والذي استقبل فيه الأسبان يومهم الجديد بمئات القتلى وآلاف من الجرحى خلفتها التفجيرات التي استهدفت مجموعة من القطارات في مواقع عديدة من مدريد حيث تستحق منا هذه الأحداث المأساوية الوقوف طويلاً باعتبار الإرهاب لم يعد سياسة تستهدف أشخاصاً بعينهم أو أماكن محدودة تعرف أغراضه وأهدافه، ولكن بات الإرهاب سياسة تتنافس وتتسابق في تحقيق أرقام قياسية حول حصد أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى الأمر الذي جعل من تلك الفئة المجرمة أن تستهدف الأماكن العامة جواً وبراً وكذلك بحراً وتتضح مع ذلك نواياهم الخبيثة والتي جعلت من قتل الأبرياء معبراً لأهدافهم العفنة هذا كله سيعود بالعالم إلى عصور الظلام والفوضى والخوف وهنا مكمن الخطر. العمليات الإرهابية لا تبرر بأي حال من الأحوال وهي أعمال ضد الإنسانية ناهيك انها لا تقرها الشرائع السماوية وهي بالتالي تهدم لا تبني وتفسد لا تصلح وتفرق لا تجمع؛ لتبتلع كل تقدم وازدهار وأمن وتفتت تلاحم الشعب والوحدة الوطنية بنشر ما تعتنقه من أفكار هدامة ومبادىء ضالة منحرفة. والعودة إلى تفجيرات مدريد والتي نتج عنه أكثر من 200 قتيل ونحو 1500 جريح وساهمت في إطاحة حكومة رئيس الوزراء الإسباني (خوسيه ماريا) في الانتخابات حيث جاءت بالحزب الاشتراكي إلى سدة الحكم على حساب الحزب الشعبي ليقول الشعب كلمته ويحسم الانتخابات تفادياً لمزيد من الخسائر والاضرار وإدراك الشعوب لمصلحتها الوطنية. خسارة (خوسيه ماريا) في الانتخابات تؤكد أن الديمقراطية الحقيقية التي لا يشوبها التضليل والاكاذيب تصنع المعجزات عندما تقول الشعوب كلمتها وتدرك مصالحها المتعددة ليأتي إعلان رئيس الحزب الاشتراكي الفائز (خوسيه لويس ثاباتيرو) حيال سحب القوات الاسبانية في العراق في يونيو المقبل مؤشراً إلى إعادة النظر في السياسة الخارجية وتعاطيها مع الأحداث في العراق بطريقة مختلفة عن الحكومة السابقة ولاشك أن الترتيب الجديد للسياسة الإسبانية سوف يخلق حالة جديدة من القلق والتوتر لدى واشنطن بالإضافة انه قد يعطي تشجيعا لدول أخرى في الإنسحاب من العراق. وفي حديث آخر لثاباتيرو لإذاعة تبروا الاسبانية يقول فيه : إن احتلال العراق عملية فاشلة وأن قوات الاحتلال لم تتصرف على نحو يقود تولي الأممالمتحدة الوضع في العراق وأضاف إلى أن مكافحة الإرهاب بالقنابل والصواريخ ليست وسيلة تحقق الانتصار وانما تسبب مزيداً من التطرف وأن الإرهاب يكافح بدولة القانون والقانون الدولي وبواسطة أجهزة الاستخبارات وأكد ان جميع القرارات التي اتخذتها الحكومة الاسبانية السابقة بشأن العراق كانت أحادية ولم تأخذ في اعتبارها إرادة المواطنين الاسبان ولم تحترم رأيهم. في المقابل نجد بوش الابن يشدد خلال اجتماعه مع بان بيتريكا لكنندة رئيس وزراء هولندا عن ضرورة بقاء قوات التحالف جنباً إلى جنب مع الشعب العراقي وقال: إن تنظيم القاعدة يريد أن يخرج القوات من العراق لتستخدمه كمثال على هزيمة الحرية والديمقراطية. ماذا تعني الحرية عند واشنطن؟ هل هي التدخل في شؤون الغير؟ وما هي حدود الحرية لدى مجموعة الشر في الإدارة الأمريكية؟ لنرى كل يوم تصريحاً جديداً مرة بواسطة المتحدث عن البيت الأبيض وآخر عن طريق مستشارة الامن القومي (كوندليزا رايس): أفعلوا كذا وتجنبوا كذا وما هي هذه الديمقراطية التي تريدها واشنطن لنا؟ هل هي تضليل الشعوب والكذب عليهم؟ أما أنها ديمقراطية (أن لم تكن معي فأنت ضدي). وماذا عن حقوق الإنسان التي تعزف عليها واشنطن بين حين وآخر؟ وأين هي في غوانتناموا والعراق وفلسطين..؟ والقائمة هنا تطول وتطول. الصحيح أننا لا نرى ديمقراطية ولكن ما نراه عصا غليظة كنا نظن أنها ذهبت بلا عودة. ولكن في ظل أجواء الإرهاب التي وقعت ابتداء بإحداث 11 سبتمبرمرورا بتفجيرات الرياض والدار البيضاء واسطنبول وحتى تفجيرات مدريد ومارافق ذلك من تسجيلات صوتية وأحاديث ولقاءات بثت بواسطة قنوات فضائية مع بعض الارهابيين تبين أن القاعدة أشبه بفكر أو أعتقاد أكثر منه تنظيم يسهل محاصرته وتدميره وهنا لابد إدراك هذا الأمر من قبل الإدارة الامريكية التي اصبحت تتعامل في حربها مع الارهاب بسياسة رد الفعل العشوائي غير المتزن. واقع الحال يبين أن ما يقوم به مجموعة الشر في الإدارة الأمريكية من حملات عدائية تستهدف العرب والمسلمين ومن مبادرات ظاهرها لا يعكس باطنها أو كما يقال (كلمة حق يريد بها باطل) ودعم ظالم عنصري لا محدود لدولة إسرائيل النازية مع وجود فكر إرهابي خطير في المنطقة هذا كله يخلق حالة من التوتر وقد يصل أحياناً إلى حد العنف في الشارع العربي والإسلامي ولكن تظل الجبهة الداخلية المتماسكة والوحدة الوطنية القوية تقطع على هؤلاء الحاقدين تحقيق ما يبتغوه الأمر الذي تستطيع من خلاله الدول العربية والإسلامية تجاوز هذه المحن وكذلك أن نتجنب طرح الينبغيات (ما ينبغي) في أوضاع كهذه التي تستدعي من الجميع الاستشعار بالمسؤولية الوطنية وضبط النفس فيما يطرح ضمن حوار العقل الهادف والبناء حيث الظروف التي تمر بها المنطقة لا تقبل المزيد. أخيراً يعد تراجع الحزب الشعبي أمام الحزب الاشتراكي في الانتخابات الإسبانية الأخيرة مؤشراً إلى التفاؤل في سقوط محور الشر في واشنطن وكذلك في بريطانيا ويفيد ما مضمونه أن الاكاذيب والاقاويل المزيفة لا تدم طويلاً مهما أتقنت أجهزة الاستخبارات والجهات الأمنية في حبكها وصياغتها ويبقى مصيرها السقوط لذا على واشنطنوبريطانيا أن تستفيد من هذا الدرس الأسباني المجاني وتعيد النظر في السياسة التي اتخذتها ضد الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر وما تلى ذلك من إجراءات قامت بها. noohfhd@yahoo*