شيعت بريدة خطيبها وزوجته وابنته يوم السبت 3-4-1425ه الشيخ محمد بن علي السعوي وكم كان الحشد هائلاً والجمع غفيراً حتى غصت الشوارع بالمشيعين وامتلأت الحارات بالسيارات. ولقد عرفت الشيخ منذ عشرين عاما عندما عين إماماً وخطيباً للجامع الكبير في بريدة (جامع خادم الحرمين الشريفين) ثم انتقل إلى جامع الذياب شمال البلد ثم استقرت خطبه في جامع الراشد.وعرف زاهداً ورعاً, صاحب سمت وصمت, تظهر على محياه الخشية والخشوع ويبدو في تعامله اللين والتواضع..يلحظ من سمع عباراته الرقة والشفقة والحب والرأفة.فهو بحق ،ولانزكي على الله أحداً، من الصالحين المصلحين المخلصين. ولعل المقربين منه يعرفون أكثر ودوري هنا إيضاح منهج الشيخ في اعداد والقاء وانتقاء الخطب المنبرية ولقد طبع منها مجلدان باسم: (استئناس الخطيب والواعظ بالخطب والمواعظ) للاشادة بها والاستفادة منها.. 1- تتميز خطبه بالشمول والتماس معاناة الناس وقضاياهم, فالقضايا الاجتماعية لها نصيب والزهديات وترقيق القلوب لها مجال ومآسي المسلمين لاينساها والحث على الخيرات في مواسم العبادات وكذا التحذير من المنكرات العامة المنتشرة.. وهكذا دواليك. 2- تصحب خطبه عاطفة جياشة بعبارات مؤثرة أخّاذة ومع ذلك لايميل للاثارة والتشهير فهو يقود العاطفة ولا تقوده مهما كان حماسه وتأثره مع الخطبة, فلم يكن في يوم من الأيام همه فقط القاء الخطبة دون دراسة جدواها ومدى نتائجها على المستمعين ومراعاة أحوالهم، فخطبته لمن يستمع لها لا لمن يسمع بها. 3- لم تكن خطبه يوما تعيش في جبل شاهق فتطل على الناس من شرفة مرقب سامق فهي تلامس الواقع فتميل للاعتدال مهما تغيرت الأحوال, مسترشداً بقوله عز وجل: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (185) سورة البقرة. ومنطلقا من قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا) رواه البخاري. يقول في إحدى خطبه 2-44 من المطبوع: (فدين الله تعالى بين الغالي فيه والجافي عنه وخير الناس الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين، ولم يلحقوا بغلو المعتدين وقد جعل الله هذه الأمة وسطا وهي الخيار العدل لتوسطها الطرفين المذمومين, والآفات إنما تتطرق إلى الأطراف والأوساط محمية بأطرافها). 4- كان -رحمه الله- مبتعداً عن التعبير والتشهير حذرا من التعمق والتكلف في البحث عن مقاصد الآخرين وخفايا أقوالهم وخلفيات مقاصدهم, أخذاً بمنهج (لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس) يقول في إحدى خطبه المطبوعة عن موضوع الفضيحة والنصيحة: (ففرق بين من قصده النصيحة وبين من قصده الفضيحة ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلا على من هو ليس من ذوي العقول الصحيحة, وعقوبة من أشاع السوء على أخيه المؤمن وتتبع عيوبه وكشف عورته أن يتبع الله عورته ويفضحه ولو بعد حين إلا أن يتوب. -من مظاهر التعيير والتشهير: إظهار العيب وإشاعته في قالب النصح, زاعماً أن ما يحمله على ذلك هو التحذير من أقواله وأفعاله, والله يعلم أن قصده التحقير والأذى، مثال ذلك: أن تذم رجلاً وتنتقصه وتظهر عيبه لتنفر الناس عنه رغبة منك في إيذائه لعداوتك إياه أو مخافتك من مزاحمته إياك على مال أو رئاسة أو غير ذلك من الأسباب المذمومة, فلا تتوصل بذلك إلا بإظهار الطعن فيه بسبب من الأسباب الدينية أو الدنيوية, فمن فعل ذلك فإنه يدل على مرض في قلبه, وإن كان من الذين يحلفون إنهم لم يريدوا إلا الحسنى, والله يشهد أنهم لكاذبون). 5- وكان خطيباً مفوهاً وواعظاً مؤثراً وناصحاً مشفقاً، همه النفع لا الانتفاع بعيداً عن حب الاشتهار والارتفاع، تسبق عبراته عباراته, كثيراً ما يخشع قلبه قبل أن تبتل مدامعه فكم ذرفت عيناه, وأجهش بالبكاء، وكم لذلك من أثر على المصلين. ولذا يكثر من ربط المستمعين بالقرآن حتى عددت له في إحدى خطبه المطبوعة أربعاً وعشرين آية في خطبة واحدة، فما أجمل بهاؤها وبهجتها ولذا ذاع صيته وعُدّ من خطباء المنطقة.ويعطّر الخطبة بأقوال السلف العطرة, وكان يقول: أمكث مع الخطبة أياماً حتى تكتمل، ويا ليت أحد الفضلاء يقوم بتنقيح خطبه التي لم تطبع وهي تربو على الألف إذا أضيفت خطب العيدين والاستسقاء وهذا من أجمل الجميل للشيخ السعوي، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.