عرفت الرياض منذ أربعين عاماً، خبرت أحياءها، وشوارعها, وأرصفتها ومؤسساتها المدنية، وحدائقها, ومكتباتها، وملاعب الكرة في مساحاتها الخالية عندما كانت أبواب الحراس من الخشب، والغبار يعلو أجواء اللعب فيها.. كانت الرياض تكتنف جمالاً ودفئاً إنسانياً في أحيائها وشوارعها، وحدائقها ذلك أن الأحياء صغيرة، والناس يعرف بعضهم بعضاً، والأرصفة مملوءة بالمارة وتزداد حرارة الدفء عندما يسلم البعض على البعض الآخر، ويحمل معه أمتعته إذا كانت كثيرة، وعندما يتنادى البعض بشرب الشاي والقهوة بين مساكنها الطينية، ودكاكينها المتواضعة. هكذا عرفت الرياض طفلاً ومراهقاً.. وعندما جاءت (الطفرة) نقلت سكان الرياض إلى الفلل في الثمانينيات الميلادية، وأصبح هناك شوارع جديدة وأسوار مرتفعة، واتسعت البيوت فانشغل الناس بما في داخلها مع وسائل الترفيه (الفيديو) آنذاك، والحدائق والمسابح، واختفى الناس في بيوتهم.. وذهب الدفء القديم في الشوارع والأرصفة والحدائق وتباعد الناس اجتماعاً ولم يعد من السهل على الأطفال أن يدخلوا بيوت جيرانهم كما كان الوضع قبل الطفرة، واضطر الآباء لاطفال الأمس (شباب اليوم) أن يكملوا هذا الجانب بالألعاب، والمقتنيات المعاصرة التي نراها اليوم في البيوت، وبالسفر في الصيف إلى دول الدنيا عربية وأجنبية. وبقيت الرياض تعاني من نقص الدفء الإنساني ولا سيما في الأفراح والمواسم كالأعياد واجازة الربيع وغيرها من المناسبات الوطنية.. وصار الناس يهربون من الرياض كلما جاءت اجازة واختفى الناس في الشوارع والأرصفة. ومنذ أن جاء أمين مدينة الرياض صاحب السمو الأمير د. عبدالعزيز بن عياف آل مقرن إلى أمانتها, وهو يسعى إلى اعادة الدفء إلى المدينة (العاصمة) فتارة يوجه باقامة الحفلات في الأعياد والمناسبات الوطنية ويستنفر الأدباء والشعراء والمثقفين والفنانين لاحياء الفرح، واشعال الدفء داخل جنبات المدينة وأسرها وشبابها وأطفالها.. وتارة أخرى يوجه بحملات التأهيل لأوديتها (وادي حنيفة) واستثمار مزارعها بالمشاريع الحيوية السياحية، وتأسيس حدائق ومتنزهات كبرى مثل (متنزه سلام) وغيره، وتارة بتسهيل مهمات ومبادرات القطاع الخاص في بناء متنزهات ترفيهية للعوائل تحتضن الكبار والنساء والأطفال. ولقد سنحت لي الفرصة مع ابنتي التي طلبت مني السير معها مرة في شارع التحلية، وأخرى في شارع المشاة (الأمير عبدالله) أن أرى الجهد المبذول من الأمانة في اعطاء سكان الرياض الشباب وغير الشباب المجال للاستمتاع بتلك الأرصفة واحياء الجانب الإنساني والاجتماعي بها حيث ممارسة الرياضة في شارع الأمير عبدالله، والمقاهي الممتدة على الأرصفة في التحلية والخدمات المقدمة بها.. كما نمى إلى علمي أن الأمانة تعتزم بالاضافة إلى المهرجانات الكثيرة التي تقيمها في منطقة قصر الحكم - أن تجعل الرياض فرحاً ودفئاً في نهاية كل أسبوع كما هو الحال في الأعياد والمناسبات ومواسم الفرح. وكأني بالأمير يريد أن يعود بالرياض إلى سابق عهدها أيام شارع الخزان والعطايف والشميسي الجديد، والبديعة وأحياء القردتين وأم سليم والعسيلة وغيرها, عندما كان الجانب الإنساني عامراً بها. في عرف الادارة المحلية في كل دول العالم. أمين المدينة (المايور) mayor هو المسؤول عن نجاح مدينة ادارياً واقتصادياً وثقافياً وانسانياً أتمنى أن يهتم الأمير الأمين بالجانب التوعوي التثقيفي لسكان المدينة من خلال المكتبات في الاحياء.. ذلك أنها تزيد الجانب الإنساني أيضاً وانطلاقاً من ذلك كله لم أستغرب حصول الأمير على الجائزة ذائعة الصيت في الادارة (ادارة المدن) العربية فهو جدير بها.. ولا أعتقد أن يغيب عن المسؤولين ان أمانة المدينة تحتاج إلى دعم مادي ومعنوي (لا مركزي) لكي يمارس الأمين دوره الحقيقي المتمثل ليس في نظافة وصيانة المدينة وتجميلها وانما في صياغة مستقبلها الذي يتواكب مع معطياتها سواء أكانت سياحية، ساحلية، جبلية، صحراوية وغيرها. والرياض لا زالت تنادي وتطالب بالكثير لاحياء الجوانب الإنسانية داخل اعطافها ومفاصلها الجميلة، شبابنا بحاجة إلى من يحتضنهم داخلها وبين أناسها لئلا يفروا إلى المقاهي، والاستراحات (المختفية عن الأبصار) و(الكهوف) وغيرها من المواقع التي تنأى بهم عنا. أمين المدينة جزء مهم ومفصل أساسي من بناء المسؤولية بها, ورعاية وضعها الاجتماعي والثقافي والانساني أيضاً.