المواقف الضاحكة في حياة كبار الادباء والنجوم لا تمر مرور الكرام وكذلك تعليقاتهم الساخرة فهي تحمل أبعاداً فلسفية واجتماعية اضافة إلى كونها قفشة ونكته يضحك منها وعليها الجميع فتوفيق الحكيم وطه حسين وشوقي ضيف ولويس عوض ونجيب محفوظ وكامل الشناوي ومحمد عبدالوهاب ويوسف وهبى وإسماعيل يس من ابرز الاسماء الذين جمعتهم النكتة والمواقف الضاحكة مع الكاتب أنيس منصور الذي عكف على جمع هذه النكات والمواقف في كتابه الجديد الذي صدر مؤخراً بعنوان (الكبار يضحكون أيضا) حيث يضم الكتاب ضحكات لمئات الشخصيات ممتزجة مع ذكريات ومذكرات أنيس منصور مع هذه الشخصيات. ***** يحكي أنيس منصور عن موقف جمعه بطه حسين أثناء كان أنيس طالباً يقول: كنا ونحن طلبة نقلد أساتذتنا في المحاضرات وكنت أقلد صوت أستاذنا طه حسين وقد طلب مني طه حسين أن أردد ما كنت أفعله فيما مضى وخجلت ولكنه أصر فقلدته وكان طه حسين يكرر الكلمات والمعاني في الجملة الواحدة وكان صوته غنائيا. قلت: إذا كنت راكباً حماراً فأنا راكب والحمار مركوب ولما كان المركوب هو ما نلبسه في القدم، فلا أنا راكب ولا الحمار مركوب! وضحك طه حسين فأشرق وجهه وتراجع إلى الوراء في لطف وحنان وطلب أن أعيد ذلك فأعدت وزدت على ذلك كثيراً وطويلاً ولم أنس حلاوة ابتسامة طه حسين. وتحت عنوان (البخلاء) يكتب أنيس سأل توفيق الحكيم أنيس منصور: هل تغديت عند العقاد؟ قال: لا قال الحكيم: ولا اتعشيت؟ فقال: لا ولا عند طه حسين؟ فرد أنيس: لا. قال الحكيم: (الله امال ما حدش قال عنهم إنهم بخلاء ليه. طيب إيه رأيك في أن فيه ناس كثيراتغدوا عندي: أنور أحمد وكامل الشناوي ومحمد عبدالوهاب) وسأل أنيس الثلاثة. فقالوا: إن الحكيم وعدهم ولكن لم يحدث. وعاد إلى الحكيم ليقول له: إنك وعدتهم بالغداء ولكن أحداً لم يدخل بيتك؟ فأجاب: (طب هل وعدك العقاد) فقلت: لا. قال: (وهل عدك طه حسين؟) قلت: لا. وقال: أنا وعدت وهذه مرحلة. والمرحلة القادمة سيكون الغداء. ولم تأت بعد هذه المرحلة! ويقول أنيس: وعندما كنا نعمل في جريدة الأهرام في الخمسينات دعانا كامل الشناوي إلى عشاء في مكتبه على حساب توفيق الحكيم (سمان وبسبوسة وأرز وسلطات). وجاء الحكيم وتلقى الشكر وحاولنا أن نعرف الأسباب التي ورطت الحكيم في هذه الوليمة الفخمة. وكان يقول ضاحكاً: قلة عقل ولن أعود إليها أبداً مهما كانت تشنيعات الشناوي. وشكرنا الحكيم على هذه المأدبة. ثم عرفنا بعد ذلك أن الفاعل الحقيقي هو الأستاذ محمد التابعي نيابة عن توفيق الحكيم!وعندما قلت لتوفيق الحكيم انصحني، قال: أن تكون بخيلاً أفضل من أن تمد يدك إلى البخلاء! قلت له: آخر نصيحة يا أستاذ؟ قال: (شوف النوم أرخص حاجة في الدنيا. وأنت نائم لا تأكل ولا تشرب ولا تعزم أحداً على الأكل ولا يعزمك أحد!) ويذكر أنيس أن رقيبا جديدا عينوه في أخبار اليوم. وكان مضحكا فاتصل به أنيس تليفونيا وقال له: التعليمات الجديدة: منع نشر اسم أنيس منصور! فقال بسرعة: (كويس يا أفندم. ده إنسان مشاكس.. أيوه يا أفندم).. وبعد ساعة تذكر أنيس أنه قد داعب الرقيب فنزل إلى المطبعة يراجع ما كتبه في باب (أخبار الأدب) فوجد الرقيب قد حذف اسمه من إشرافه على الباب. وحذف اسمه في نهاية المقال. ولم يفلح في أن يقول له إن الذي يداعبه هو أنيس منصور نفسه.. الذي قام بحذف اسمه! مشكلة كل شهر! ويقول أنيس: كانت عندي مشكلة كل شهر. فكنت إذا ذهبت لكي أقبض مرتبي من الأستاذ ثلجي في العمارة الثانية فالأهرام عمارتان واحدة للتحرير والثانية للإدارة والإعلانات. ولا أكاد أقف امام الأستاذ ثلجي حتى يهز رأسه يمينا وشمالا ويقول لي: (باردون مسيو منصور) وأقول: (باردون ايه؟) ويرد: (أنت عارف.) وأقول: (عارف إيه.) ويستطرد: (مسيو الملاخ قبض مرتبك!) وأبحث عن كمال الملاخ فأجده قد سافر إلى الأسكندرية يصرف مرتبه ومرتبي على حب فاشل، والحل كل شهر هو أن أذهب إلى يوسف بك. ويوسف بك هذا هو أخو كمال الملاخ. رجل أنيق وشيك مثل اللوردات وأقول: يا يوسف بك. ويرد نعم: فأقول: كمال؟ ويرد: ماله؟ واقول: فلوسي! ويرد: عملها تاني؟ وأقول: وسافر إلى الأسكندرية. ويفتح يوسف بك المحفظة ويعطيني مرتبي كل شهر. ولا يجرؤ كمال أن يطلب من يوسف بك جنيها واحداً!. موسى والكمبيوتر كان الأستاذ موسى صبري دقيقا جداً في الحسابات. فلم يحدث أن قدم له الجرسون فاتورة إلا وجلس يقرؤها بعناية شديدة ويخرج القلم ويحسبها مع أنه لن يدفع فقد كنا ضيوفا على حكومة اليابان. وبعد الضرب والقسمة والجمع يبدو الارتياح على وجه موسى صبري ويوقع الفاتورة. وفي يوم كنا في صحبة الرئيس مبارك. وجاء يوم الرحيل من طوكيو وأعطونا الفواتير لنوقع عليها. وكلنا وقعنا دون النظر إلى ما جاء فيها. فلا داعي ما دمنا لن ندفع.. إلا موسى صبري! وبدأ يراجع ويجمع.. ووقف سعيداً منتصراً على أجهزة الكمبيوتر فقد اكتشف خطأ في الجمع الخطأ مؤكد والمبلغ تافه: عشرون ينا. وضحكنا ولكنه أصر على أن يذهب للإدارة وذهب والتفوا وله وانحنوا حوله يتكلمون اليابانية وهو راسخ في موقعه لا يتحرك. وفجأة أعلنوا أن شركة الكمبيوتر تتوجه بالشكر إلى موسى صبري وصدر قرار بتغيير أجهزة الكمبيوتر التي تغلط في كل فاتورة ولا أحد يعرف منذ متى هذا الخطأ مصيبة. كارثة كبرى. وتزاحم الورد في غرفة موسى صبري وتذاكر الدعوة على العشاء والغداء ثم الدعوة الرسمية من الفندق وأن ينزل على الفندق ضيفا لمدة أسبوع، درجة أولى طيران ذهابا وايابا وخطاب شكر للرجل الذي أوقف نزيف الين بغير حق. ثم هدايا متعددة وكاميرا يابانية وقمصان حريرية وساعات على كل صنف ولون! نصيحة إلى المحررين ويقول أنيس: كانت لي تجربة مبكرة فلم أكن أعرف أن أسوأ وقت للحديث أو الخناق أو التظلم عندما يكون مصطفى وعلي معاً فقد حدث أن قدمت استقالتي ونظر مصطفى إلى علي وعرفا أن هناك شكوى وبسرع قرر مصطفى دون تردد ودون أن يعرف أية تفاصيل: استقالتك مقبولة. ومن المملكن أن نبقى أصدقاء! وبعد ساعة وجدت علي أمين يصعد سلم منزلي ويدعوني إلى أن أنزل معه الأن وسوف يعتذر مصطفى ليه واعتذر مصطفى. وكان المقلب الموجع عادة أن ننصح أي محرر إذا كانت له شكوى أن ينتهز فرصة وجود مصطفى وعلي معاً والنتيجة مضمونة فبعد دقائق يخرج المحرر باكياً ويجفف دموعه وهو يكتب استقالته! وإذا جاء ذكر الأستاذ التابعي فإنه الحب لا عقل له وفي السياسة لا قلب له في السياسة كما في الحب فأنت تتعامل مع أشكال وألوان من الكذب والخداع. ولابد أن الأستاذ التابعي كان عواما في محيط السياسة وبحر الحب. وله روايات وبطولات. ولكن من الضروري أن تصدقه وفي السياسة أنت تكذب لتتجمل وفي الحب أن تتجمل لتكذب. وكان التابعي سياسيا في الحب، عاشقا في السياسة. وموسوعة في كل هذه الفنون. وكانت زوجته السيدة هدى التابعي تنافسه في قوة الذاكرة وويل لرجل من امرأة لا تنسى! وعن عبدالحميد رضوان وزير الثقافة، يقول أنيس منصور: كان ابن نكتة ومخترعاً للنكتة وكذلك الشاعر عبدالرحمن صدقي وكان لا يكتفي برواية النكت المصرية أو التاريخية وإنما يحكي نكتاً بالفرنسية والإيطالية وكان يضحك أكثر منا جميعاً. وكان حفني باشا محمود، وقد عرفته في صالون أو جلسات كامل الشناوي وكان يقلد مقالب كامل الشناوي. ولا يهمه إن كانت هذه المقالب مؤلمة أو قاتلة. المهم أن نضحك والمصيبة أنه لا يضحك أو غير قادر على الضحك فقد اتخذت ملامح وجهه شكلا بائسا أو متجهما. والموسيقار محمد عبدالوهاب كان خفيف الدم وله نكت غليظة، وأحيانا يستخدم ألفاظاً نابية وكان كامل الشناوي يصف محمد عبدالوهاب فيقول: إنه لايكذب ولا يقول الحقيقة! أما أم كلثوم فهي أبرع في الحكاية والرواية وأكثر قدرة على صناعة النكت. ونكت أم كلثوم فورية أو تلقائية تخلقها في لحظتها ولا يوجد عازف أو مطرب أو مخرج أو ممثل ليست له نكتة مع أم كلثوم .. قفشة أو تعليق.. يرويه لكل الناس. فنجد أن قفشات أم كلثوم في كل بيت وكل كتاب. ويحكي أنيس في يوم ذهبت مع الصديق كمال الملاخ لزيارة أم كلثوم فهجم علينا كلبها، وأمسك ببنطلون كمال الملاخ. واندهشنا لماذا هو وليس أنا. فضحكت أم كثلوم وقالت: انت عارف أن الكلاب ما بتحبش الكلب الغريب..و غضب كمال الملاخ.. وصالحناه على أم كلثوم ولا تتوقف حكايات أنيس منصور مع الكبار حيث النكتة والقفشة والمواقف الضاحكة في كتابه (عندما يضحك الكبار.)