الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فإن من أسباب خيرية هذه الأمة أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وهذا بنص القرآن الكريم حيث يقول تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } وقبل هذه الآية بآيات معدودة يأمر الله تعالى هذه الأمة بإقامة هذه الشعيرة حيث يقول تعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ووجوبه على الكفاية بمعنى أنه لابد أن تقوم به جماعة من المسلمين وإلا أثموا جميعاً وجعلوا أنفسهم عرضة لعقاب الله، يقول تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}. أما إذا قام به من يكفي من الأمة فقد أمنت العقاب وحققت الفلاح، كما مر في قوله تعالى {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فسبب كونهم مفلحين، دعوتهم للخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. وقد قال ابن عطية كما في تفسير القرطبي (الإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن طاقه وأمن الضرر على نفسه وعلى المسلمين فإن خاف فينكر بقلبه ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه) وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم (وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين) كما يشير إلى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (الدين النصيحة) كما قال رحمه الله ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف ثم إنه قد يتعين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به الا هو أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. ومهم جداً ان نعرف ما هو المعروف وما هو المنكر حتى نكون على بينة من المقصود بهما وعلى هدى فعندما نُقدم على تحقيق مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا عام في جميع العبارات فالعبد قبل ان يصلي ينبغي عليه ان يعرف شروط وأركان وواجبات الصلاة، وهكذا سائر العبادات فالمعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس وكل ما ندب إليه الشرع من المحسنات ونهي من المقبحات وهو من الصفات الغالبة: أي أمر بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه والمنكر ضد ذلك جميعه. كما عرفه الطبري في تفسيره بقوله (وأصل المعروف كل ما كان معروفاً فعله جميلاً مستحسناً غير مستقبح في أهل الإيمان بالله، وانما سميت طاعة الله معروفاً لأنه مما يعرفه أهل الإيمان ولا يستنكرون فعلها ويستعظمون ركوبها).