بدأنا في الجزء الأول من الأسبوع قبل الماضي جولة من الموضوعات في حوارنا مع ضيفنا فضيلة قاضي محكمة الأرطاوية سابقاً والمحامي الشيخ عبدالعزيز بن سعود العمار وها نحن عند الوعد باستكمال الشطر الثاني من هذا الحوار القيم والذي نسأل الله أن يأجر فضيلته عليه ويجعل ما أدلى به في ميزان حسناته. ****** الفتور والمستحبات: * الفتور أو الضعف بين عدد من أهل الصلاح والاستقامة ظاهرة مخيفة، فما الأسباب وكيف يرى فضيلتكم العلاج الأمثل؟ - الفتور بين عدد من أهل الاستقامة ليس ظاهرة بل مشكلة فردية تمر ببعض المجتمعات الإسلامية في أفراها مع لزوم الطاعة والابتعاد عن المعاصي كلها وإنما فتور في السنن والمستحبات لكن سرعان ما يرجع إلى ربه ويعود لأنه قد استقام على دين الله- أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل- أما من يتظاهر بالصلاح ثم يفتر وينتكس فهذا يعود لأسباب منها: ضعف الإيمان، عدم الابتعاد عن مجالس السوء السابقة بل الاستمرار في مجالسة أهل الفسق، عدم مجالسة العلماء الربانيين، وفعل بعض المعاصي التي يعاقبه الله سبحانه وتعالى بالانتكاس، وقلة الطاعات وعدم المداومة عليها ونعلم أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء قال تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}. الحجاب والخلاف: * الحجاب والخلاف المزعوم فيه، قضية أثارهاأهل الريب والشهوات، فما رد فضيلتكم على هؤلاء؟ - الرد هو قول الله سبحانه وتعالى {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ} فينبغي للإنسان الحذر من المعاصي، ثم إنه ليس كل مسألة فيها خلاف يؤخذ بالقول الذي تهواه النفس وتميل إليه بل يؤخذ بما دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة والواجب اتباع رأي المحققين من أهل العلم وعدم تتبع سقطات العلماء وفتاواهم التي قد تخالف النصوص الشرعية قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ. إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ. هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ } ثم إن الحجاب لم يختلف علماء المسلمين قديما وحديثاً في وجوبه وأن الواجب على المرأة المسلمة الحجاب ولكن اختلفوا هل الوجه يلزم المرأة أن تحجبه أم لا، وقد دل الكتاب والسنة على وجوب حجاب الوجه وجميع بدن المرأة وجمهور العلماء يريدون حجابه وخالفهم قليل من أهل العلم وعلى هذا فهمه الصحابة والتابعون حتى إنك قد تقرأ في بعض كتب الأدب القديمة ما يشير إلى أن فلانة لم تحجب وجهها ما يجعله محل الاستغراب بين الناس، ومما يدل على أن الحجاب يشمل الوجه مثل غيره من البدن ما جاء عن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق أنها قالت في إحرامها إن إحدانا تكشف عن وجهها وإذا حاذت الرجال سدلت جلبابها على وجهها، وكذلك ما ذكره أهل العلم من أن الخاطب يجوز له النظر إلى وجه مخطوبته فدل على أن الأصل التحريم وكان هو الفرق بين الحرة والأمة. انحراف الصغار: * انحراف صغار السن (الأحداث) ووقوعهم في جرائم تكبر سنهم بكثير، مشكلة بدأت تخرج على سطح الواقع، فأين مكمن الخلل؟ وما الحل؟ - مكن الخلل من أمرين في تربية النشء: أولاً: تربية الوالدين للولد، فالواجب على كل إنسان أن يهتم بتربية من تحت يده من ابن أو بنت أو أخ أو أخت وعدم التساهل في ذلك بل لابد من تربيتهم على التوحيد وعلى الصلاح والاستقامة والخوف من الله سبحانه وأن يكون المربي قدوة صالحة يقتدي به النشء في الطاعات والمسارعة إليها والابتعاد عن المحرمات وأن يختار له الجليس الصالح والمدرسة التي فيها خير في مناهجها ومعلميها وكذلك الحرص على إلحاقه في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وألا يتساهل في ذلك خاصة في إبعاده عن المعاصي وإبعاده عن جليس السوء وأن يحثهم على الأخلاق الحميدة. ثانياً: المجتمع الذي يعيش فيه النشء وخاصة وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة أو من خلال الشبكة المعلوماتية فوسائل الاتصالات الحديثة والإعلام لها دور كبير في توجيه النشء خاصة أن البعض من النشء يعتبر ما يعرض في هذه الوسائل هو القدوة التي يقتدى بها. وقد نشرت وسائل الإعلام أن بعضاً من الأحداث يقلد ما يعرض في وسائل الإعلام فعلى القائمين في وسائل الإعلام الخوف من الله سبحانه وتعالى وأن يكون لإعلامنا الإسلامي الشخصية المستقلة المتبعة لكتاب الله وسنة رسوله والمحافظة على حياء الأمة وعدم عرض ما يفتن الشباب عن دينهم وأخلاقهم والابتعاد عن إخراج صور النساء في وسائل الإعلام. والحل في أمور منها: تربية النشء على كتاب الله وسنة رسوله وتشجيعهم على الالتحاق بالحلقات وتشجيع الحلقات والإكثار من الدروس الشرعية والمحاضرات والندوات المفيدة للعلماء الربانيين. وقف وسائل الإعلام التي تنشر الرذيلة في المجتمع وتحرص على إشاعة الاختلاط في مسلسلاتها وبرامجها وإيقاف خروج المرأة في وسائل الإعلام المرئية، والضرب بيد من حديد على من يستهزئ بشرع الله أو أحكامه في وسائل الإعلام مهما كانت الأعذار أو المبررات. للانتحار أسباب: * الانتحار مشكلة بدأت تزداد بشكل ملحوظ ومخيف فما الأسباب؟ وما دور العلماء والمجتمع ووسائل الإعلام تجاه هذا الأمر؟ - قد كنا نسمع في السابق أن الانتحار كان في بلاد غير المسلمين، ولما استسلم بعض الناس للشيطان بسبب طاعتهم له في كثير من المعاصي أصبحنا نسمع أن هناك من يحاول الانتحار أو ينتحر فالسبب فيما يظهر لي: - كثرة الذنوب والمعاصي مما يجعل العاصي لعبة في يد الشيطان حتى إذا فعل المعصية وارتكب المنكرات والمحرمات صار الشيطان يأمره وهو ينفذ، فيأمره بالبعد عن أهل الطاعة والذكر، وحينئذ يتمكن منه الشيطان فيأمره بالانتحار. ضعف الإيمان عندما أصبح بعض الناس يبتعد عن مجالسة الصالحين أصبح يجالس شياطين الإنس ويغفل عن ذكر الله حتى ضعف إيمانه. تقليد الكفار وهذه مصيبة سببها ضعف الإيمان والإعجاب بهم وكثرة مشاهدتهم والاستمتاع بأخبارهم ومشاهدة وسائل الإعلام التي يستهدف بها الكفار شباب المسلمين ودينهم وأخلاقهم. أما دور العلماء والمجتمع ووسائل الإعلام تجاه هذا الأمر: فالواجب على المجتمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتلك مهمة هذه الأمة المحمدية إذا أردنا أن نبني مجتمعاً سليماً ينكر الانتحار والمعاصي والمخدرات والمسكرات لان العاصي الذي يفقد من ينصحه يستسلم للأفكار الشيطانية التي تقوده إلى كل سوء ولو استمرت المناصحة له إما أن يهديه الله أو يبتعد عن الأفكار الشيطانية. كما أن على العلماء الإكثار من الدروس العلمية والمحاضرات والندوات وتشجيع الحلقات في كل مكان ونشر الكتاب والشريط الإسلامي والعمل على نشرها في كل مكان لأنه إذا كثر العلم الشرعي قلت الذنوب والمعاصي والبدع. هذا من جانب ومن جانب آخر على وسائل الإعلام جميعاً والقائمين عليها تقوى الله سبحانه وتعالى والخوف من عقابه وأن يحذروا من أن ينطبق عليهم وعيد الله: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا}. ثم إذا أردت أن تنظر إلى جهد الإصلاح فانظر إلى ما يقوم به المفسدون تجد الفرق كبيراً وهذا نذير شؤم فإن الأجيال القادمة على خطر إذا لم يتدارك الله الأمة برحمته. خلوة مع الله * مع كثرة الانشغالات للمرء وازدحام الجدول اليومي وصخب الحياة والشارع أليس جديراً بالمرء أن يكون له خلوة بربه يناجيه ويجلو ما بقلبه من هموم دنيوية وأنكاد الحياة؟ - بلى إن الأمر لجدير بالإنسان أن يخصص جزءاً من وقته لمحاسبة نفسه على تقصيرها في أوامر الشرع لأن الغفلة عن ذكر الله قد تسبب للإنسان غفلة توقعه في نار جهنم أو مشابهة الكافرين وهو لا يشعر وقد حذر الله سبحانه وتعالى من ذلك فقال سبحانه:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} وقال سبحانه وتعالى في رد أوليائه على الكفار: {وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} فالواجب على المسلم أن يستعد للقاء الله سبحانه ويكثر من التوبة والاستغفار ومحاسبة النفس والنظر في الموت وما بعده لليوم الآخر وللقاء الله سبحانه وتعالى. لا يعلمها إلا هو: * هناك من يقول ويردد أن تسارع الأحداث وتزايد الفتن وتقارب الزمان والمكان ما هي إلا دلائل نهاية الدنيا واقتراب علامات الساعة الكبرى؟ - علامات الساعة الكبرى ونهاية الدنيا لا يعلم وقتها إلا الله سبحانه وتعالى ولا ينبغي للإنسان أن يقول أن ذلك من نهاية الدنيا لكثرة ما يرى من الفتن والقتل فقد حصل أكثر من ذلك لمن يتصفح تاريخ الأمة فسقوط بغداد وسقوط الأندلس والحروب الصليبية والاستعمار الغربي الحديث على الأمة كلها أحداث حصلت في تاريخ هذه الأمة ومع ذلك يخطئ من يصف هذا بأنه نهاية الدنيا بل بعضهم يضيف أن هذا أوان خروج المهدي فكم من مهدي مزعوم خرج في تاريخ هذه الأمة عندما شاهدوا هذه الفتن ولكن لا تنطبق عليه الصفات الواردة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يعني أن الساعة بعيدة بل إن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة لكن وجود الفتن وكثرتها ليست نهاية الدنيا.. {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} التعامل الأمثل: * أصبح العالم بأسره على بعد لمسة زر من جهاز الكمبيوتر في ظل وجود الشبكة العنكبوتية العالمية للإنترنت فما هو التعامل الأمثل الذي يراه فضيلتكم مع هذه الشبكة؟ - التعامل مع هذه الشبكة ومع كل أمر سواء كان جديداً أو قديما ينبغي أن يكون على أمرين مهمين: الأول الحذر مما فيه من الفساد وذلك بالابتعاد عن شره وحفظ الأمة من شره. الثاني: الاستفادة منه في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ونشر العلم الشرعي وبيان الحق وتوضيحه{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} فهذا التعامل الأمثل الذي أراه. (*) إدارة العلاقات العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.