إن كل إنسان يبني حياته على قاعدة قوية من الأسس الدينية والتربوية السليمة.. ولا يصل أحد إلى درجة الكمال.. فالكمال لله وحده.. والنفس الإنسانية تحمل جانبين، جانبا مضيئا ظاهرا للجميع.. وجانبا مليئا بالظلال يختفي في أعماق النفس ( ربما أنانية، أو غيرة، أو حركة لا إرادية مثيرة للغرابة، أو ما شابه..). ولان لها نسب بسيطة لا تؤثر على القاعدة السليمة للفرد.. فالروابط العاطفية بين الأشخاص كثيرة ومنوعة منذ الأزل.. مثل الصداقة والعلاقة الزوجية والأخوية وغيرها. ولضمان استمراريتها ونموها يتطلب منا قبول الطرف الآخر كما هو بأسلوبه على أنه كائن مستقل على سجيته.. وهناك مفاهيم خاطئة لدى البعض وهي أن قمة الحميمية هي أن نرغب في معرفة المزيد عن الطرف الآخر (التي لا تمس الأسس) ومحاولة سبر أغوار ذاته والكشف عن أسرارها القابعة في الظلال، وتسليط الضوء عليها.. مما يولد عدم الرضا للطرف الآخر وبالتالي النفور!! وبما اننا اقتنعنا بوجود الظلال القابعة في داخلنا.. فإننا بالطبع سنسمح له بأن يحافظ على مكنوناته النفسية.. إن الكثير من العلاقات الاجتماعية إما يصيبها الفتور او الانقطاع بسبب محاولة كل من الطرفين معرفة الخفايا النفسية للآخر.. التي ليست مقياسا لقوة العاطفة بل حرمان كل منهما لخصوصياته. وإن توجيه الاهتمام للفرعيات وترك الأسس وشدة الفضول، والتركيز على سفاسف الأمور ستؤدي إلى الخلاف، ثم كثرة اللوم، وبالتالي النفور.. ولا ننسى ما قاله الشاعر بشار بن برد: إذا كنت في كل الأمور معاتبا صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه فعش واحدا أو صِلْ أخاك فإنه مقارف (ذنبا) مرة ومجانبه إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت، واي الناس تصفو مشاربه إذن لا بد من وجود مسافة قصيرة، وفواصل بيضاء ذات أهداف سامية حتى لا نخترق الظلال ونسمح للطرف الآخر بالحفاظ على العزلة الخاصة به.. لأن ذلك لن يزيد من روابط الحميمية بل سيسرق سحر الجاذبية وبريقها في العلاقات الجماعية المختلفة.