منذ أن قررت الولاياتالمتحدةالامريكية والاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي (الناتو) مناقشة مبادرة للاصلاح السياسي والديمقراطي في العالم العربي اطلقوا عليها اسم الشرق الاوسط الكبير واحتل هذا الاسم - الشرق الاوسط الكبير - مساحة رئيسية في الجدال والنقاشات في الاوساط السياسية العربية والعالمية لتتصاعد معه ردود الافعال مع اقتراب موعد مناقشة هذه المبادرة التى أعلن عنها انها ستتم من خلال ثلاث قمم تعقد في شهر يونيو القادم تباعا وهى قمة الدول الصناعية الثماني في اتلانتا وقمة الاتحاد الاوربي ببروكسل وقمة الناتو في استنبول وفيما يترقب الجميع ما تسفر عنه هذه القمم ازاء مشروع الشرق الاوسط الكبير يطغي الحذر ويتنامى الرفض لهذا المشروع الذي يؤكد المراقبون والمحللون السياسيون على انه يحمل أهدافاً ومرامي خطيرة تسعى للسيطرة والهيمنة ويفرض نظماً مغايرة للمفاهيم الراسخة في الوجدان ويعمل على تقسيم العالم العربي وفق الاهواء والمطامع . كما يؤكد المراقبون وخبراء العلاقات الدولية ان مشروع الشرق الاوسط الكبير ينطلق من مزاعم وأقوال واهية لا تتماشى مع الواقع ويحقق أغراض الإدارة الامريكية وينحاز لإسرائيل ويتناسى الحقوق العربية او حتى الوجود العربي ذاته. حول مشروع الشرق الاوسط الكبير استطلعت الجزيرة آراء نخبة من المحللين السياسيين وخبراء الاستراتجية والعلاقات الدولية. مزاعم باطلة يقول الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب السابق ان مشروع الشرق الاوسط الكبير ينطلق من مزاعم فالمشروع يقول انه طالما تزايد عدد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة فإنها ستشهد زيادة في التطرف والارهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة ويخلص الى انه طالما ان الارهاب وليد التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي فان الحاجة ماسة الى تحديث المنطقة دون أن يشير هذا المشروع من قريب او بعيد الى حقوق خمسة ملايين مواطن هم مجموعة الشعب الفلسطيني التى اغتصبت إسرائيل أرضه منذ عام 1948 وحتى الآن وكل ما تريد أمريكا ان تسوقه للمنطقة باطل ويدخل في باب الهيمنة والرغبة في الاستحواذ على المنطقة فنحن جميعا تواقون للتحديث والتغيير ولكن بما يتفق مع ظروفنا وقتاعاتنا الذاتية للتغيير وعبر تاريخنا الطويل لا نرفض أي فكر جديد ولكن شرط أن يتوافق مع ثقافتنا ومرجعياتنا فالمطلوب اعداد مشروع عربي متكامل في مواجهة مشروع الشرق الاوسط الكبير. ويقول الخبير في الشؤون الامريكية الكاتب عاطف الغمري ان هذا المشروع من وجهة نظر أمريكا يتمثل في مشاركة عسكرية كاملة في العراق تحت الادارة الامريكية ثم جهد منسق لمكافحة الارهاب ومواصلة عمليات نزع أسلحة الدمار الشامل والاستعداد لعمليات حفظ سلام جديد في المنطقة وتأمين الحدود وتدريب قوات من المنطقة في مؤسسات حلف الاطلنطي والقيام بتدريبات مشتركة مع دول المنطقة على حفظ السلام وتؤكد وجهة النظر الامريكية على حسب تعبير رامسفيلد وزير الدفاع الامريكي ان هذا المشروع كفيل بإطلاق قوى التغيير الديمقراطي في الشرق الاوسط الكبير وهي عملية بدأت بالفعل بفضل مبادرة الولاياتالمتحدة في ازالة نظامي طالبان في أفغانستان والبعث في العراق ووضعية إسرائيل وسط هذه الاستراتيجية كما يراها رامسفيلد وخاصة في موضوع نزع أسلحة الدمار الشامل أن إسرائيل دولة ديمقراطية صغيرة تحوطها جيران يريدون إلقاءها في البحر في أحيان كثيرة وهى قد رتبت أوضاعها لمنع حدوث ذلك ويعد هذا أول إقرار إمريكي رسمي بامتلاك إسرائيل أسلحة الدمار الشامل لذا فهذا المشروع الجديد يضع إسرائيل في مكان المسيطر والمهمين. كذبة كبرى ويرى الدكتور مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن مشروع الشرق الاوسط الكبير ورقة انتخابية ضرورية تم إبرازها الآن بعد سقوط كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق حيث بنيت هذه الحرب على كذبة أسلحة الدمار الشامل وقد أكد ديفيد كاى رئيس الفريق الامريكي للتفتيش عن هذه الاسلحة انه لم توجد أسلحة دمار شامل في العراق ولن توجد لو بحثنا عنها خمسين سنة قادمة. ويضيف ان الدعوة الى الشرق الاوسط الكبير جاءت بعد ان تم شن حرب على أساس كذبة وبعد سن قانون الاشتباه الموجه الى العرب والمسلمين والهجوم الضاري على الاسلام والتواطؤ مع استمرار الظلم الإسرائيلي. وعن مدى الاختلاف بين المرشحين الآخرين في سباق الانتخابات الامريكية خاصة المرشح جون كيري الذي يبدو أوفر حظاً في منافسة بوش الابن يقول د.علوى أن كلا الطرفين يعتير الولاياتالمتحدة في حال حرب بسبب الارهاب وكلاهما يشدد على ضرورة تدشين ما يسمى الآن بالثورة في الشؤون العسكرية وهناك اتفاق على مبدأ الحرب الاستباقية والخلاف هنا في طريقة الاعلان عن هذه الحرب وجون كيري وغيره يدعون الى استبدال القوات الامريكية في العراق بقوات عربية اسلامية او دولية ولكن لا يعترضون على سياسة التدخل الامريكي الشامل العسكري وغير العسكري في الشرق الاوسط تحت شعار نشر الديمقراطية. ويرى الدكتور رفعت سيد أحمد رئيس مركز يافا للدراسات ان الولاياتالمتحدة عندما تدس انفها في الشؤون الداخلية للآخرين فانها تقول إنها تفعل ذلك دفاعا عن الحرية والديمقراطية وهو كل ما تقوله الادارات الامريكية السابقه عندما جمعت فيتنام وغزت جرينادا عام 1983 وبينما 1989وغير ذلك الكثير من حالات التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى خلال القرن العشرين. ونادرا ما لجأ الرؤساء الامريكيون الى شعارات غير الديمقراطية ليستندوا إليها في تبرير تصرفاتهم في الخارج وذلك لان الديمقراطية تحظى بشعبية كبيرة لدى الامريكيين الذين يحبون أن يلعبوا دائما دور الملاك والخير وليس الشر . واذا كانت الديمقراطية هي الهدف فقد فشلت الولاياتالمتحدة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن حيث تدخلت في شؤون العالم أكثر من 25 مرة تحت شعارات ترويج الديمقراطية والحرية تدخلت أمريكا في دول جواتيمالا عام 1954ونيكاراجو عامي 1972و 1982 ونيكاراجو عام 1966 لم تظهر أي نظم ديمقراطية. والخلاصة التي يمكن الخروج منها على مدى أكثر من نصف قرن هى ان التدخل الامريكي لم يود الى قيام ديمقراطية وحرية في هذه الدول وافضل تفسير للفشل الامريكي هو ان امريكا تريدها ديمقراطية تفصيل وعلى المقاس فهي تريد اقامة نظام ديمقراطي حر في هذه الدول ولكن بشرط تبني المواقف التي تقف مع المصالح الامريكيةفأمريكا دائما وأبدا تريد منح الآخرين حرية الانحياز الى المصالح الامريكية وليس أي حرية أخرى. من جهة أخرى يرى د.احمد يوسف رئيس مركز الدراسات العربية ان الضعف العربي العام لا يمكن تفسيره بمجرد غياب الديمقراطية ولكن لوجود حالة من الفراغ الاستراتيجي التي تدفع كل متغيرات السياسة الدولية الى النيل منا نحن بحاجة الى بناء استراتيجي يعمل كنقطة اسناد للنظام الاقليمي العربي الواسع ويستطيع ان يتحمل عنه او معه اعباء اللحظة الراهنة بسرعه وفعالية وجوهر هذه المهمة يقوم على منطق اذا ما كانت نتائج احتلال العراق تصب في اتجاه اقليمي جديد لملء الفراغ الذي خلفه ضمور النظام العربي الذي يراده ان يكون (شرق اوسطي) وفي ظل صعوبة الحديث عن إحياء النظام العربي الان في ظل وطأة التحديات وتلاحقها وضغوط عنصر الوقت فلابد من بناء نظام استراتيجي يقوم على تحالف القوى الكبرى في المنطقة والمتصور لهذا النظام الاستراتيجي أن يقوم بالأساس على المحور الثلاثي العربي المصري السوري السعودي صاحب الخبرات العديدة الناجحه في صياغة وتنمية حس اتجاه قومي تجاه القضايا المصيرية.