تبتعد"العملية الديموقراطية"التي عُوّل على أثر وقعها في الأنظمة المستبدة بعد إسقاط صدام، ودفع هذه الأنظمة إلى المصير نفسه، تبتعد من النتائج المنتظرة منها. ومن الصعب اعتبار العراق بعد عامين من التدخل الأميركي مثالاً ناجحاً للديموقراطية يُقتدى به في المنطقة. ... ويحول التدخل الخارجي دون احتذاء المجتمعات العربية بالتغيير الديموقراطي العراقي. ويربط الترويج للديموقراطية بمصالح أميركا الحيوية. وفي حين ينبغي الترويج للديموقراطية بالتوفيق بين ممارسة الضغوط على الدولة المعنية، ومساندة تطور قاعدة اجتماعية للديموقراطية، يعتبر عدد كبير من أعضاء إدارة بوش أن الديموقراطية تفرض قسراً. ولكن الجمع بين نشر الديموقراطية والأهداف السياسية الأميركية يفرغ فكرة الديموقراطية من محتواها. فأصحاب القرار الأميركي مجبرون على التعامل مع ممثلي الأنظمة السلطوية، وهم شركاؤهم في"الحرب على الإرهاب"، الذين يلبون المطالب الأميركية بالإصلاح بإجراء تغييرات طفيفة لا جدوى منها .... وليست الديموقراطية مجرد فكرة، على ما يقدمها الخطاب الأميركي المتداول، بل هي تجذير اجتماعي لنظام سياسي. فوضع العالم العربي يختلف عن وضع أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية في تسعينات القرن الماضي. فالمجتمعات"المدنية"العربية ضعيفة. ويرتبط معظم المثقفين العرب بالأنظمة الحاكمة، ويواجه المثقفون الليبراليون العزلة. وهم يتفادون تأييد الولاياتالمتحدة المنحازة إلى إسرائيل. وهي ساندت أنظمة ديكتاتورية في السابق لتحمي مصالحها. وعلى رغم استناد أميركا في تقويمها سلطوية الأنظمة العربية إلى خلاصات توصل إليها مثقفون عرب، على غرار تلك الواردة في تقريري التنمية العربية في 2002 و2003، يقدم هؤلاء مسألة الكرامة والظلم والهوية على المسائل التي يطرحونها. وتكمن مفارقة العالم العربي في كون معظم المعارضين المطالبين بالديموقراطية إسلاميين. وهذا يعوق محادثات واشنطن مع المعارضة السورية في المنفى. وتقوم الديموقراطية على تعزيز مشاركة المجتمع في القرارات السياسية، ما يؤدي إلى نشوء أنظمة أكثر معاداة لأميركا من الأنظمة الحالية. واتسمت منطقة الشرق الأوسط منذ خمسة عقود بوعي قومي متعدد الأشكال. ويرفض المحللون الأميركيون الاهتمام بما يسمى"الشارع العربي"الذي لم ينتفض يوماً. واعتبر الرأي العام العربي هجوم الأميركيين على أفغانستان ثأراً مشروعاً. وأدى غياب أسلحة الدمار الشامل، وارتجال إعادة بناء الدولة العراقية، والفوضى المستمرة، وتوجيه التهديد إلى سورية وإيران والسعودية، واعتبار الرئيس الاميركي آرييل شارون رجل سلام، والقرب بين إسرائيل وعدد كبير من المحافظين الجدد، والتنديد الأميركي المتراخي بعمليات الجيش الإسرائيلي ضد السلطة الفلسطينية، وعزل ياسر عرفات، وإهمال الملف الفلسطيني، أدت هذه كلها الى رفض الولاياتالمتحدة. فدخلت أميركا في مواجهة مع خليط من المشاعر القومية والإسلامية ومعاداة إسرائيل وأميركا والشعور بالظلم. وعزز عدم اخذ الخطاب الاميركي في الاعتبار الاختلافات الثقافية والسياسية للمجتمعات الشرق الأوسطية في حربه على الإرهاب، التفاوت الثقافي بين الطرفين الغربي والعربي. فيليب دروز - فانسان، إسبري الفرنسية، أيار مايو 2005