عجيب أمر المغرور المتغطرس، والذي يضيف إليه الكِبر أعاذنا -الله وإياكم منه- أوهاماً تحلق في فكرة المريض وتملؤه عجباً بنفسه، وبقدر مايمنحه هذا الانتفاخ او بالاحرى الورم غير الصحي طبعا، نشوة مزيفة، موحية لخياله السقيم تميزاً فجاً وأخرق، بقدر ماهو بحاجة الى مراجعة اقرب طبيب لعلاج مركب النقص لذي يعاني منه واستئصال هذا الورم الخبيث، وليت الطبيب ينفخ له بطنه كما هي حال رأسه المنفتح، الى حين استكمال العلاج لكي يشعر بالمرارة التي يعاني منها الآخرون جراء الاستحفاف بمشاعرهم، بل وتجريحها، وغالبا مايتم تشبيه المغرور او المتغطرس بالطاووس، وارجو الا يكونوا بذلك قد ظلموا هذا الطائر الجميل، والذي ان صح مايقال عنه، فعلى الاقل فانه يملك ريشا جميلا زاهيا، بينما اخونا سالف الذكر لايملك مايميزه عن غيره سوى هذه الصفة القميئة التي تقلل من قدره عنه ربه وتفقده احترام الناس وتقديرهم، وتجد الصنف من هؤلاء ان تحدث فانه يتحدث من ارنبه انفة وكان الكلمات تخرج من ماكينة صراف آلي، وليست من شخص غير سوى لم يدرك بان التكبر من صفات الخالق العزيز الجبار المكتبر، واي انسان عاقل يشرك نفسه في هذه الصفة فانه بذلك يتجاوز أي تجاوز، نسال الله السلامة والمغفرة من كل ذنب وخطئية قال رسول الهدى عليه افضل الصلاة والتسليم (لا يدخل الجنة من في قلبه ذرة من كبر) وقال الامام علي كرم الله وجهه (عجبت لمن يتكبر وهو يعلم بانه خرج من مخرج البول مرتين)، وتجد الواحد من هؤلاء القلة الشاذة بطىء الكلام بطىء الحركة كأنه احد اسباب اكتشاف المخرجين للحركة البطيئة، في المسلسلات والافلام، وان مد يده ليصافح احدا فبالكاد تلامس اصابعه يد الطرف الاخر وكأنه لمس سلكا كهربائيا مجروحا، وفي واقع الأمر فإن هؤلاء المرضى ليسوا بحاجة الى علاج فقط، بل الى اعادة تأهيل لتقويم سلوكهم المعوج، وما ذلك والله الا من وساوس إبليس اللعين والابتعاد عن تعاليم الدين، والأدهى من ذلك حينما تكون هذه الصفة الدنينة ملتصقة بشخص موكل اليه قضاء مصالح العباد. حينها يتعين عليك تجاوز الحواجز الوهمية من ترسبات شيطانية المنشأ لم تبرح تنخر في خياله المريض، وذا قادك حظك العاثر لمواجهة احدهم فليس لك من حيلة الا التحلي بالصبر، ودائما يتعوذ المسلم من العجب المفضي الى الكبر، وهو اعجاب المرء بنفسه لمجد دنيوي زائل حققه ويبقى حسابه عند ربه {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (38) سورة المدثر، وفي المقابل يشطع نور التواضع الوضاء، والذي يكسب رفعة عند ربه وتتجلي القِيمة القَيِّمة من خلال سلوك نبيل تحفه الاخلاق الفاضلة من كل جانب، فان تحدث فانك تتمنى ان لايسكت، من جمال في العبارة يطرزها سلاسة الاسلوب ورقة المشاعر، وان تحدثت فانه يصغي اليك بكل جوارحه مؤطرا الاحترام في ابهى حلله وهو الذي يستحقه فتجده مطمئنا تغشى السكينة قلبه، هذا القلب الصافي النقي الذي لفظ الوساوس جانبا وطرح الازدراء والاحتقار ارضا، وهو الكيس الفطن يضاف اليه بعد النظر مؤملا على ماسيلقى عند ربه رفعة (من تواضع لله رفعه)، وتجده كذلك كلما ارتفع منصبه وعلا شأنه كلما ازداد تواضعا وقربا من الناس ومحبتهم له، ورعاً وخوفاً وخشية من ان يتسلل العجب فب غفلة الى قلبه، وهذا ان دل فانما يدل على نضوج في الادراك وسلامة في العقل، شغله الشاغل التيسير على العباد ومعاونتهم وقضاء مصالحهم في اريحية تعكس مايتصف به من دماثة الخلق وطيب المعشر لايعرف الاحتقار والازدراء له طريقا، فالنصحية للأول بأن يتقي الله ربه، والدعاء للآخر بالأجر والمثوبة. رزقني الله وإياكم التواضع سلوكاً نبيلاً وخلقاً رفيعاً إنه جواد كريم.