الإسراف مرض اجتماعي خطير، استفحل داؤه بين أفراد مجتمعنا السعودي الطيب حتى أصبح الدواء مستحيلاً أو يكاد.. ومع الأسف الشديد فكلنا مصابون بهذا المرض، لا يكاد ينجو منه أحد.. فكأنما الإسراف مرض معدٍ ينتقل بسرعة الهواء، فالجميع صرعى لجرثومته الخبيثة التي لم تدع بيتاً إلا دخلته ولا جسماً إلا تغلغلت فيه. لكن رغم استفحال هذا المرض وانتشاره الواسع فإن الدواء موجود ولله الحمد.. ولا مانع من الإعلان عنه هنا، لعل بقية الغيورين على مجتمع الوطن ومستقبله يشاركونني نشر هذا الدواء عبر وسائل الإعلام المختلفة لتقرأه العيون وتتدبره العقول وتستفيد منه الشريحة العظمى من أفراد المجتمع.يتمثل هذا الدواء الناجع، بحول الله، في (التوعية) توعية الآخرين بعواقب الإسراف وأضراره الوخيمة على صاحبه، الذي هو بالتأكيد مسلم قبل كل شيء، وقد جعل الله المسرفين إخوانا للشياطين.. وكفى بهذا وصفاً، فهو في غاية القبح. {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} ولقد نهى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في بعض كلامه الشريف عن الإسراف قائلاً : (لا تسرف حتى ولو كنت على نهر جار). ولا يتعارض الإسراف مع مفهوم الكرم.. كما لا يدل الاقتصاد على البخل .. لأن البعض يسرف في مسألة الولائم والعزائم .. حتى إنه ليهدر الكثير من المال لينجو بنفسه من مذمة البخل وليكون في قائمة الكرماء، مثل هذا الشخص الكريم أرهق نفسه، وحملها فوق ما تحتمل، بل إنه أرهق ضيوفه، لأنهم سيجارونه فيفعلون كما فعل تحت مسمى الكرم أو النخوة أو الرجولة. ولو رأينا حال هذا الرجل، وما يحصل دورياً في مجلسه، لاسشفقنا عليه ودعونا له بالهداية والصلاح.. فالأكل بقي أكثره على ما هو عليه، لم تمسه الأيدي، ليذهب في النهاية إلى مكان نستغفر الله من ذكره. .أما الملابس فإسرافنا فيها يدعو إلى الرثاء حقاً خصوصاً لدى اخواتنا النساء.. فكل ثوب جديد تنتهي صلاحيته بمجرد نزعه بعد اللبسة الأولى ليظل قابعاً في الخزانة أو (الدولاب) الدهر كله، لا صاحبته تستفيد منه بلبسه مرة أخرى، ولا الثوب يصل إلى من هو بأمس الحاجة إليه من الفقراء والمعوزين. وفي المركب نجد عند كل بيت ما لا يقل عن ثلاث أو أربع سيارات فارهة، كان بالإمكان الاستغناء عن بعضها، والاكتفاء بما يؤدي الغرض ويقوم بالخدمة أو الاكتفاء بسيارات معقولة الثمن، لكننا ابتلينا بالإسراف ومجاراة الآخرين في المظاهر الخداعة وإن كلفنا ذلك المزيد من الديون والأقساط المرهقة. ولعل الإسراف في الوقت هو أخطر أنواع الإسراف الذي أثر على حياتنا حتى ضاع يومنا كأمسنا .. فلا انتاج ولا ابتكار ولا إنجاز. فأوقاتنا - يا للأسف - مهدرة في القيل والقال وكثرة السؤال وفيما لا ينفع بأي حال من الأحوال. تمضي الساعات والأيام، بل تمضي الشهور والأعوام والواحد منا يعيد ما قال ويكرر اليوم ما فعله بالأمس، وفي النهاية لا فائدة تذكر، ولا نتيجة تلفت النظر. وإني لأخشى أن نسكت فما ننطق جواباً حين يسألنا الرحمن عن العمر فيما أفنيناه وعن الشباب فيما أبليناه؟ إن على كل فرد منا أن يعي مخاطر الإسراف، وأن يرى بعين العقل كيف تؤول عاقبة المسرف في الدنيا والآخرة. وإن أسعد الناس حقاً لهو المعتدل، المقتصد في أموره كلها، إذ جمع بين طيب الحياة الدنيا وبين البشرى الحسنة التي تنتظره في الآخرة. أفلا نحب جميعاً أن نعيش سعداء ونموت بعد ذلك قريري العين، وقد فعلنا في دنيانا ما أمرنا الله به ورسوله واجتنبنا ما نهى الله عنه ورسوله؟ {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}