الأعياد عند المسلمين أيامٌ معلومةٌ وأوقاتٌ شريفة وكريمة، تمر على الأمة فتتلقاها لقاءً إسلاميًّا؛ حيث تعرف الأمة الإسلامية مغزاها ومرماها وأثرها التهذيبي والتربوي. هكذا كان الجيل الصالح والسلف الرابح في أعيادهم الإسلامية لارتباط هذه الأعياد بما تحبه الأمة وتُجلُّه من ذكريات عِذاب ومواقف إيمانية رائعة، فإذا مر بهذه الأمة الماجدة عيد من أعيادها الكريمة تحركت عواطفها النبيلة، وعلت أخلاقها الكريمة، وانبعثت مشاعرها الفياضة. ومن طبيعة الأعياد أنها تتسم بالبهجة والفرح والسرور وفق ميزان الإسلام المعتدل المنضبط، والمسلم بحكم تربيته الجليلة والنبيلة قاصد ومعتدل في فرحه وسروره؛ حيث إنه من الأمة الوسط، والقرآن يبين هذا الفرح وكيف يكون، فيقول: (إن الله لا يحب الفرحين)؛ أي: الذين لا ينضبطون أو يكثرون الفرح بزخارف الدنيا. وسُمِّي العيد عيداً لعودته وتكراره وكثرة عوائد الله فيه على خلقه. والعيد في الإسلام مظهر من مظاهر الطاعة والقرب والفضل والبذل والسماحة والتجرد لله رب العالمين، وأعيادنا نحن المسلمين رمز حي للتوحيد والتجريد، وفيها مجال خصب للتواد والتواصل والتراحم والتعاطف والتساند والتعاضد، ويقولون: إذا أردت أن تعرف حال أمةٍ من الأمم فانظر إليها في أعيادها. وأعياد المسلمين رمز للطاعة والألفة والرغبة والمحبة، وفيها تظهر أخلاق المسلمين عالية مميزة، يميزها الحب والقرب الصحيح، فالمسلم يتعاهد في أعياده أهله وجيرانه وذوي رحمه ومحبيه، وينشر فضله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. والأعياد الإيجابية هي التي تظهر فيها الأمة متلاحمة متراصَّة متعاونة، لا متقاطعة ولا متباعدة ولا متباينة، فهي متقاربة في القلوب والأبدان. والأعياد السلبية هي المكررة بدون لون ولا طعم ولا عادات نبيلة وأصيلة، ولا موروثات كريمة، شح هنا وإسراف هناك. أعيادنا -نحن المسلمين- أساسها دين متين وخلق كريم وطباع عالية. والأمة اليوم مدعوة وبقوة وحزم وعزم أن تكون في أعيادها أكثر صلابة وقوة وحزماً وعزماً وتلاحماً وتعاضداً ونبلاً وكرماً وعاطفة وبرًّا وإحساناً. والمسلم الذي ربَّاه القرآن وتخرَّج من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم دوماً مميز في طبعه لطيب نبعه وجودة أصله وكرم محتده ومنبته، وأصالة معتقده. كما أن أمة الإسلام مدعوة أيضاً بقوة أن تكون أكثر إشراقاً وضياءً وبهاءً، ولتعم الخيرات، وتكثر البركات، ويجتمع الشمل المشتت والقوى المبعثرة، ترحم الضعيف، وتواسي المحتاج. والمسلم في عيده يرعى الأيتام والأرامل، ويرحم الصغير، ويوقر الكبير، ويستخدم صحته وقواه وماله وقدراته في النفع والرفع، يدخل البهجة والسرور إلى كل مَن حوله، لا يعيش لذاته وملذاته، يسخِّر نعم الله التي أعطاها إياه في طاعته، وفي سبيل نفع أمته. والمسلم حسب تربيته الإيمانية في عيده، بل في دهره كله، أسرع إلى الخير من الريح المرسلة، (ولا يُرَى دائماً إلا محسناً)، هذا ديدنه، وتلك عادته، وهذا طبعه. والمسلم دوماً وفي عيده خاصة يظهر لأمته بمظهر البر والمعروف والإحسان، ولا يُرَى صبيحة العيد إلا رضيَّ النفس كريم الطبع نبيل الخصال والفعال، طُبع دوماً على الخير ومحبة المسلمين، والميل دوماً إلى الإحسان (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون). وما أحوج المسلمين اليوم إلى التزود من مدرسة أعيادهم، وطبع حياتهم بهذا المنهج السديد الرشيد في وقت قسا طبع الكثير وتبلدت نفوسهم. والمسلم بتربيته المثلى في دهره عامة وفي عيده خاصة يعطي الدليل الأكيد على حسن توجهه وصدق عزيمته، فهو بهذه المواسم الخيرة قد تزوَّد بشحنة إيمانية وروحية وطاقة عاطفية وشعورية حية، كما تزوَّد بتركيز فكري واجتماعي وعاطفي مميز، كما تزوَّد في عيده بجرعة إيمانية شافية ومعافية تزوِّده دوماً بالطاقة الحية وتهديه سواء السبيل. والعيد في بلادنا -مهبط الوحي ومتنزل الرحمات- يُفترض فيه أن يكون مثالاً يُحتذى في النبل والفضل، وأن يكون مثالاً حيًّا لغيرنا في تلاحمنا وتعاضدنا ووحدتنا وتوحيدنا وتوحُّدنا في خصال عديدة وصفات فريدة، ونحن أمة ذات تراث أصيل ونبيل وجميل، كما أننا أمة مختارة ذات أصول وجذور ثابتة ومنابع متدفقة. أعيادنا يجب أن تكون مظهراً ومخبراً وثمرةً من ثمرات إيماننا وصدق عزائمنا وتلاحمنا وتقاربنا في القلوب والأبدان. ولا زال العيد بحمد الله يعطي الدليل الأكيد على ذلك، لكننا نطلب المزيد والتقعيد لهذه المزايا والصفات الفريدة، كما أن العيد يعطي الدليل الأكيد على أننا أمة مختارة مجتباة وأمة وسط ليست ذات شطط، وسط بين المغالي والجافي، وسط في التعامل والسلوك والعبادات، هذه الأمة تتميز بقوة العاطفة وسرعة النجدة وحب الخير، نتميز -نحن المسلمين- بأننا أمة واحدة، نعيش تحت راية واحدة. ولا بد أن تكون قبلة المسلمين ومأوى أفئدة المؤمنين أنموذجاً حيًّا للحياة الرغدة السعيدة، ويفترض فينا ألا نتأثر ونتعثر في أعيادنا وطباعنا الأصيلة، ولا بد أن تكون الرابطة قوية، والصلة متينة، والقلوب رحيمة، والعاطفة كريمة ونبيلة ومميزة. لا بد لهذه البلاد أن تكون المثل الحي البهي للمسلم الحق الذي يريده الإسلام، يمثل خلق الإسلام ومراميه وأهدافه العظام؛ لتكون أعيادنا حقًّا وصدقاً أعياداً بكل ما تحمله هذه الكلمة الطيبة من معنًى. وأعياد المسلمين تضم العديد من اللمحات والنفحات، وكلها تستحق التأمل والالتفات. ومن ذلك، أنهى غيرنا أن يشاركنا فرحتنا ويشاركنا أيضاً في الخير والنعمة، وأن نُرى أمة تشارك وتتنزه عن الفتنة والفرقة وإشاعة الفاحشة وإثارة الشهوة، تتمسك دوماً بالجد والقصد ومكارم الأخلاق ومحامد الفعال. وأمة هذا فعلها جدير بها أن تفرح بعيدها كل الفرحة، وأن تبتهج به غاية البهجة؛ فهي الأمة الرابحة الناجحة. إن الغفلة والعمى لتصاحب أحياناً القوة والنعمة والرخاء، نراها في كل زمان وكل أمة إلا مَن عصمه الله وحماه. والنفس المنحرفة تبطرها القوة وتطغيها النعمة، وما تنفع عظات الماضي ولا عِبَرُهُ إلا مَن تفتح قلبه لإدراك سنن الله التي لا تتخلف ولا تتوقف. وإن طبيعة المؤمن هي طبيعة الأمة المؤمنة، طبيعة الوحدة والتكافل والتضامن في تحقيق الخير ودفع الشر.