الغائبون عن العيد !! للعيد فرحة يستشعرها كل من عرف قدر شهر رمضان المبارك، وحكمة الخالق جل وعلا من فريضة الصوم، وما فيها من تهذيب للنفس، وترويض للشهوات، ولذة الطاعة بالامتثال لأوامر الله سبحانه وتعالى. وهذه الفرحة التي يشترك في الشعور بها كل أبناء الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، ليست فرحة بانقضاء شهر الصيام كما يظن البعض، ولكنها فرحة بالقدرة على صيامه وقيامه، واستبشارا بنيل ثواب الصائمين الطائعين، الذي وعد به الله، والذي لا يخلف وعده. ومثل هذه الفرحة جديرة بأن يحرص كل مسلم أنعم الله عليه بصيام هذا الشهر الفضيل، بل وكل مسلم رخص له في الإفطار لمرض أو غيره من الرخص، لا فرق في ذلك بين كبير وصغير، وغني وفقير، ورجل أو امرأة، فكلنا مطالبون بالمشاركة في هذه الفرحة، وربما لهذا يحرم الصوم في يوم العيد، حتى لا تختلف أحوال المسلمين. وصلاة العيد من أبرز مظاهر هذا المؤتمر الإيماني السعيد، فما أجمل أن تلتقي هذه الأعداد الكبيرة من المسلمين في مكان واحد، يتبادلون التهاني بالعيد، والدعوات بأن يتقبل الله منهم الصيام والقيام، وأن ينفعهم بهذا الشهر الكريم، وربما لهذا أيضا سن أن يصلى العيد في الفضاء خارج البنيان، لإتاحة الفرصة لالتقاء أكبر عدد من المسلمين، وما زكاة الفطر وصدقته إلا ملمح من ملامح هذه الصورة الإيمانية الرائعة، لتتوحد المشاعر، وتتوثق عرى التلاحم بين جميع فئات المجتمع المسلم، فتختفي أي مشاعر سلبية يمكن أن تسيء لروعة هذا المحفل الإيماني. على الرغم من هذه الروحانية والبهجة التي كثيرا ما كانت عاملا وسببا للصلح بين المتخاصمين من أبناء الأمة في هذا اليوم الجميل، ودافعا لمزيد من صلة الأرحام والتعاون على البر والتقوى، نجد للأسف من بين أبناء المسلمين من يرفضون المشاركة في هذه الفرحة، فيسهرون ليلة العيد حتى الصباح في الاستراحات، والمقاهي، أو البر، ويعودون ليناموا، فتفوتهم صلاة العيد، بل وربما نسوا أن يهنئوا آباءهم أو أمهاتهم بالعيد، وبالطبع لم يجدوا وقتا لصلة أرحامهم أو تهنئة أعمامهم وأخوالهم، وجيرانهم، وأمثال هؤلاء هم أنفسهم الذين كانوا قد قضوا ليل الشهر الكريم في السهر في أماكن اللهو، أو أمام شاشات الفضائيات، وقضوا نهاره في النوم بلا عمل، فلم يتذوقوا حلاوة الصيام، ولذة الطاعة، فهان عليهم أن يغيبوا عن احتفال الأمة بالعيد، ولو أنهم ذاقوا متعة الصوم ولذة التعبد لله بالقيام، لحرصوا على أن يشاركوا في فرحة العيد، وشكر الله أن منّ عليهم بنعمة الصيام والقيام. وعلى الرغم من أسفنا على حال هؤلاء ومن على شاكلتهم، إلا أن حزننا أكبر من تجاهل كثير من الآباء والأمهات لهذا الأمر، فلا يحرصون على وجود الأبناء في مثل هذا اليوم، بل وربما شغل هؤلاء الآباء أنفسهم بمجالس الأصدقاء، عن الاستفادة من هذا اليوم الطيب، في تعويد الأبناء على صلة الأرحام، وزيارة الأهل والأحباب. وخلاصة القول: إن فرحة العيد لا تتحقق بالسهر أو الطعام، بل بالطاعة وصلة الأرحام، وكل عام وأنتم بخير. سلمان بن محمد العُمري