شرع الله تعالى فريضة الحج على أمة الإسلام لحكم عظيمة وفوائد كثيرة - تكريماً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ورحمة بعباده المؤمنين.. فالحج فريضة شرعية ربانية ومناسبة عمرية سنوية.. إذ إن هذه العبادة تجب على المسلم المستطيع في حياته مرة واحدة.. حيث ينفق المسلم في تلك الرحلة الإيمانية ماله ويبذل جهده ويترك أهله ويتكبد مشاق السفر ومتاعب الحل والترحال، والنزول والانتقال.. ويقبل على هذه المشاعر المقدسة يحدوه الأمل ويسبقه الشوق إلى مكة والحطيم .. وموقف عرفة.. ومبيت مزدلفة.. ولسان حاله يقول: ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم ولا أسلمها إلا يداً بيد وإن الحج من أهم محاضن التقوى الخالصة ومدارس العبودية لله رب العالمين. فتقوى صلة العبد بالله عز وجل، وتتربى فيه النفس البشرية على التقلب في مقامات العبودية ومنازل الخضوع لله وحده لا شريك له، والانكسار بين يديه سبحانه وتعالى.. عسى وعسى من قبل التفرق إلى كل ما يرجو من الخير نلتقي فيجبر مكسور ويقبل تائبٌ ويعتق خطاء ويسعد من شقي ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة وقدوة طيبة.. حيث قام عليه الصلاة والسلام في تلك العبادة الجليلة بأدوار مختلفة ومهام عديدة عظيمة.. إذ انه علم الحجيج وقادهم وأحسن إلى صحابته وإلى أهل بيته.. واعتنى بزوجاته ورعاهن.. وقام وخطب في أمته خطبة الوداع العظيمة، فوعظ وأوصى، وعلم وأرشد.. وترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.. ولفريضة الحج في دين الإسلام مقاصد عظمى ومظاهر كبرى وحكم شتى تظهر لنا في تلك العبادة.. والتي يأتي من أهمها: 1 - تحقيق التوحيد لله تعالى، والعناية به، فالتوحيد أبرز وأهم القضايا الرئيسية التي عمل النبي صلى الله عليه وسلم على تحقيقها والعناية بها. 2 - تعظيم شعائر الله تعالى وإجلالها واحترامها، وحفظ حرماته وصيانتها. قال تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) - الحج 32 -. 3 - توحيد الأمة الإسلامية واجتماعها، ولم شملها، وتحذيرها من الاختلاف والتفرق والفتن والتنازع. 4 - إظهار البراءة من المشركين وتعمد مخالفتهم.. حيث ان دين الإسلام والشرك بالله ضدان لا يجتمعان أبداً. 5 - كثرة الدعاء والتضرع والافتقار لله تعالى والاستكانة له والخشوع والسكينة. 6 - الغضب لله جل وعلا، والتوقف عند حدوده لأن هذا هو غاية التقوى ودليل صدق الإيمان وعلامة كمال العبودية. 7 - الاستكثار من الخير والتزود من التقوى.. وقد حث الله تعالى عليه في قوله: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) - البقرة 197 -. 8 - الزهد في الدنيا بالتعلق بالله جل وعلا والإعراض عما لا ينفع في الآخرة والأولى. 9 - تعليم الناس الخير والفضائل وتربيتهم على الاتباع والانقياد لشرع الله تعالى وأمره الحكيم وذلك بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن. وبهذا العرض الموجز تبرز لنا بعض من الصور المشرقة والشواهد المضيئة في هذا النسك، نتعلم منها شيئاً من حكم الحج ومكانته الكبيرة في دين الإسلام.. وما هي إلا ومضات قليلة من وحي فريضة الحج. نسأل الله لنا ولجميع المسلمين حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً وتجارة لن تبور. والله أعلم.