تقبل علينا في الأيام القليلة القادمة مواسم عديدة من مواسم الخيرات فغداً يطل يوم عرفة الذي نزل فيه قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) كما قاله عمر. وقيل إن يوم عرفة هو الشاهد والمشهود الذي أقسم الله به في كتابه قال تعالى: (وشاهد ومشهود) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ويباهي بهم ملائكته..) الحديث. وبعد ذلك يأتي يوم النحر وهو يوم الحج الأكبر وهو مرتب على إكمال الحج الذي هو خامس أركان الإسلام. وبعد.. إنها مواسم تتطلب منا وقفات مع النفس لاستغلالها وفي ذات الوقت التساؤل عما ينبغي أن نعمل أو نراعي فيها. وفي هذه العجالة ندعوكم لتحقيقنا لمعرفة ذلك. عرفة السنة والفضل في بداية حديثنا نتطرق لفضل يوم عرفة والسنة فيه للحاج والمقيم, وحول هذا الجانب يحدثنا فضيلة رئيس هيئة محافظة الأسياح الشيخ عبدالله بن راشد الفهيد حيث يقول: قد فاوت الله جل وعلا بين الأيام والليالي والشهور والساعات في الفضل فيوم أفضل من يوم وليلة أفضل من أخرى, وشهر أفضل من شهر وساعة تفضل ساعات ومن الأيام التي فضلها الله تعالى على غيرها يوم عرفة الذي يجتمع فيه المسلمون على عبادة الله في مشعر من مشاعر الله يتمّون النسك. وأوجز الفهيد فضائل يوم عرفة بما يلي: أنه يوم إتمام الدين وإكمال النعمة قال الله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). أنه عيد لأهل الإسلام هو ويوم النحر وأيام التشريق لما روى عقبة مرفوعا: (يوم عرفة ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام( رواه الخمسة لابن ماجه. أنه موقف عظيم، تسكب فيه العبرات، وتقال فيه العثرات وهو أعظم مجامع الدنيا، فإذا فرغ الحاج قلبه، وطهر جوارحه وقوى رجاءه كان ذلك من أسباب قبوله ومغفرة ذنوبه. أنه يوم ترجى فيه إجابة الدعاء ومن آداب الدعاء أن يرفع الحاج يديه، قال ابن عباس (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات يدعو ويداه إلى صدره كاستطعام المسكين) رواه أبو داود. والدعاء في يوم عرفة أفضل من غيره لحديث: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) رواه مالك في الموطأ والترمذي. أنه يشرع صومه لغير الحاج لحديث: (صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفي السنة التي قبله، والسنة التي بعده) رواه مسلم. أما الحاج فإنه لا يستحب له أن يصوم يوم عرفة بعرفة بل يكره لنهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة - رواه أبو داود وصححه الحاكم. ومن فضائله: قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو يتجلى ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ رواه مسلم, وزاد رزين: اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت لهم(. ومنها أنه ما رئي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة, وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام. التكبير من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب الصلوات المكتوبات لقوله تعالى (واذكروا الله في أيام معدودات( والمخاطب بهذا الذكر الحاج وغير الحاج. وعلى الحاج أن يحذر من الاختيال والتعاظم في هذا الموقف وغيره فإنه من مواقع الإجابة؛ ولأن الله لا يحب كل مختال فخور. وأخيراً يتبقى على المسلم أن يحافظ على الأسباب التي يرجى بها العتق وأن يحذر من الذنوب التي تمنع المغفرة في هذا اليوم كالإصرار على الكبائر إذ كيف يطمع العبد بالعتق من النار وقد أصر على معصية الجبار. عيد الأضحى بعد ذلك يأتي يوم النحر وهو (عيد الأضحى) الذي قال الله فيه (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر...) الآية. قال العلماء يوم الحج الأكبر هو يوم النحر, وهو أفضل أيام النحر؛ ولهذا اليوم أعمال مخصوصة يلقي الضوء عليها فضيلة الشيخ محمد بن ابراهيم السبر إمام وخطيب جامع الأميرة موضي السديري بالعريجاء, حيث بين أنه من المسنون في هذا اليوم الاغتسال والتطيب للرجال والخروج لمصلى العيد على أحسن هيئة متزيناً بما يباح متطيباً لابساً أحسن ثيابه تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم. ويكون ذلك دون إسراف ولا مخيلة ولا تزين بما حرم الله عليه من إسبال ولا حلق لحية؛ فهذا أمر محرم ومنهي عنه شرعاً. أما المرأة فيشرع لها الخروج إلى مصلى العيد محتشمة متسترة مبتعدة عن التبرج والسفور والتطيب. وقد روى ابن ابي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين، وقد صح الاغتسال عن بعض السلف من الصحابة والتابعين. وأضاف فضيلته كما يسن التبكير للصلاة ليحصل له الدنو من الإمام وفضل انتظار الصلاة فعن البراء رضي الله عنه قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نُصلي..) قال الحافظ: (هو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها ومن لازمه ألا يُفعل قبلها شيء غيرها فاقتضى ذلك التبكير إليها). كما ينبغي أن يكون الذهاب إلى مصلى العيد مشياً إن تيسر والسنة الصلاة في مصلى العيد لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان هناك عذر من مطر مثلاً فيصلى في المسجد علاوة على أهمية صلاة العيد مع المسلمين واستحباب حضور الخطبة فصلاة العيد متأكدة جداً، والذي رجحه المحققون من العلماء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ان صلاة العيد واجبة لقوله تعالى: (فصلِّ لربك وانحر), ولا تسقط إلا بعذر شرعي. وعلى النساء أن يشهدن العيد مع المسلمين وحتى الحيض ولكن يعتزل الحيّض المصلى. والقول بوجوبها قوي فينبغي حضورها، وسماع الخطبة، وتدبر الحكمة من شرعية هذا العيد, وأنه يوم شكر وعمل صالح. وأضاف السبر: كما يسن مخالفة الطريق بأن يذهب من طريق ويرجع من آخر لما ورد عن جابر رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق(. كما انه يشرع التكبير من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق وهو الثالث عشر من شهر ذي الحجة بالنسبة لأهل الأمصار أما الحاج فيبدأ التكبير بالنسبة له من حين رميه جمرة العقبة، قال تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات) ويُسن جهر الرجال به في المساجد والأسواق والبيوت وأدبار الصلوات إعلاناً بتعظيم الله وإظهاراً لعبادته وشكره. وعن الأضحية وأحكامها بين الشيخ السبر أن الأضحية سنة مؤكدة في حق الموسر، وقال بعضهم كابن تيمية بوجوبها، وقد أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: (فصلّ لربّك وانحر) فيدخل في الآية صلاة العيد، ونحر الأضاحي، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليها، قال ابن عمر - رضي الله عنهما- : أقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي. وبين فضيلته أن ذبح الأضحية يكون بعد صلاة العيد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ومن لم يذبح فليذبح) ووقت الذبح أربعة أيام، يوم النحر وثلاثة أيام التشريق، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل أيام التشريق ذبح). وعن الأكل من الأضحية بين فضيلته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته, كما أن الاجتماع على الطعام من السُنَّة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (جَمْعُ الناس للطعام في العيدين وأيام التشريق سنة وهو من شعائر الإسلام التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم). تنبيهات وملحوظات في عيد الأضحى نتوجه بوقفات يقفها معنا الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن العيادة الداعية قائلاً: إذا أردنا أن يكون ليوم العيد روحانية ومعنى في قلوبنا فعلينا أن نتذكر بعض الأمور, منها: الاعتراف بنعم الله عليك قولاً وفعلاً وأعظمها نعمة الإسلام؛ فلك أن تتخيل أولئك الخلائق الذين يغدون ويروحون وهم لا يدينون بدين وبعضهم يعتقدون ديناً قد نسخ وحرف وأنت تعتنق ديناً قد رضيه الله سبحانه وتعالى لعباده, وقد خصك بنعمته بأن أتاح لك فرصة أن بلغك هذا العيد وغيرك قد حرمته يد المنون. تذكر صورة العيد النبوي وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي يوم العيد, وقد شدني ووقفت أمامه بكل خضوع ذلك الحديث الذي يفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضحى بكبشين أملحين الكبش الأول له ولأهل بيته والثاني عمَّن لم يضح من أمته، فصلوات ربي وسلامه عليه لم ينس أولئك القوم الفقراء من أمته. ودعا فضيلته في هذا السياق لاتخاذ الحيطة في الاجتماعات الأسرية الغالبة في العيد وخاصة من الوالدين عن الأطفال؛ فالأم قد تغفل عن أبنائها الصغار وهذا فيه بعض المحاذير, فمنها: قد ينام الطفل في مكان بعيد نتيجة العبث واللعب فقد يصاب بضرر وأمه لا تعلم عنه. كما أن الصغار من طبعهم أنهم لا يقر لهم قرار فهم كثيرو اللعب إذا لم يكونوا تحت المراقبة فقد يعرضون أنفسهم للخطر لأنهم قد يتسلقون مكاناً مرتفعاً أو شبكاً أو غيره فيتعرضون للسقوط, كما ان كثيراً من الاستراحات لا تخلو عادة من الحيوانات أو الطيور والصغار بطبعهم يحبون المغامرة واقتحام المجهول فقد يدخل أحدهم لأحد هذه الحظائر فيصاب بمكروه أو يؤذي هذه الحيوانات أو الطيور وهذا بالطبع منهي عنه. وأضاف: كما أن من الأمور التي يحسن التنبيه لها وهي في نظري مهمة خاصة في هذا اليوم المبارك وتتعلق بالإهمال والمراقبة من ناحية الصغار فقد يحدث نتيجة الاختلاط الطويل خلال يوم العيد بعض السلوكيات الشاذة فإذا كانوا تحت المراقبة قطع الطرق على الشيطان, كما أن من ملامح يوم العيد التزين وهذا قد أباحه الله لنا لكن نلاحظ أن بعض الناس قد يتجاوزون الحد إلى الإسراف المنهي عنه ويكثر في بعض أوساط النساء؛ الأمر الذي يعود على الآخرين بالأسى خاصة الفقراء الذين لا يجدون كفايتهم وهذا قد يزيد مساحة الكراهية بين أفراد العائلة الواحدة، علاوة على أن بعضنا قد تسرقه الفرحة فلا يرى إلا نفسه وأطفاله خاصة إذا كانوا في أحلى زينة, فهناك فئة من الصغار قد تنكسر قلوبهم ونحن لا نفطن لهم؛ إنهم الصغار اليتامى يبحثون بين الناس عمن يعوضهم فرحتهم لأنهم قد فقدوا من يقدم الفرحة لهم في مثل هذا اليوم, وتذكر ابنك الصغير لو كان يبحث عنك يوم العيد ولا يجدك تذرف دمعته وأنت تحت أطباق الثرى قد صرمتك يد المنون. لا يخفى عليك أيها القارئ الكريم ما للشفقة والرحمة باليتيم من فضل قد أعده الله لمن فعل ذلك فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة - قرن بين إصبعيه السبابة والوسطى(؛ فما أجمل ان نزرع الابتسامة ونشيع المحبة لتصفى القلوب يوم العيد. مخالفات ومحاذير هذا من جانب ومن جانب آخر ما الذي ينبغي أن نحذر منه؟ يحدثنا فضيلة الشيخ بسام بن سليمان اليوسف المرشد في الإدارة العامة للتوعية والتوجيه بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائلاً: ان من المخالفات في هذا الوقت: ترك التكبير ليلة العيد وأثناء الخروج من المنازل للمصلى، مع استحباب الجهر بالتكبير ليلة العيد وحال التوجه للمصلى، والتكبير يبدأ من فجر يوم عرفة وحتى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. وكذلك التهاون في حضور صلاة العيد، ومشاركة المسلمين للصلاة والخطبة والدعاء، مع العلم ان بعض أهل العلم يرى وجوب صلاة العيدين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء حتى الحيض بالخروج ومشاركة المسلمين للدعاء. ومن المخالفات أيضاً: منع النساء من حضور صلاة العيد، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، وكان النساء يحضرن صلاة العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم. كما ينبغي البعد عن العجلة بعد الصلاة وعدم سماع الخطبة، وإن كان هذا جائزاً إلا أنه خلاف السنة، ولاسيما حاجة القلوب إلى الوعظ والإرشاد. (*) إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر