في حلقة اليوم نستشرف بدايات الحلم الصناعي الذي عاشته ينبع الصناعية، كما نستعرض الجهود البيئية التي تؤكد ان الصناعة يمكن ان تكون دون اضرار. المشروع الحلم تبلورت فكرة تشييد مدينتي الجبيلوينبع الصناعيتين بهدف الحد من اعتماد المملكة على صادرات الزيت الخام وتطوير مصادرها الطبيعية الحيوية وبالتالي بسط رغد العيش في كافة انحاء المملكة. وقد بدأ الحفل في عهد المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز الذي اعتمد آنذاك خطة تأسيس مدينتي الجبيلوينبع الصناعيتين ثم خلفه الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله الذي ارسى قواعد العمل بموجب مرسوم ملكي يقضي بتأسيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع والمباشرة في تنفيذ هذين المشروعين. وبفضل الجهود الدؤوبة التي بذلها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود من خلال ترؤسه الهيئة الملكية للجبيل وينبع اصبح الحلم واقعاً باكتمال تشييد هذين الصرحين الصناعيين الاقتصاديين. الافتتاح في 27 في ذي الحجة 1399ه استضافت ينبع الصناعية الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله الذي ازاح الستار عن اللوحة التذكارية ايذاناً بافتتاح مشروع ينبع. وفي ذلك الوقت لم يكن هناك ما يشير إلى وجود اعمال تشييد موسعة باستثناء المساكن الأولى وبعض مرافق المساندة الرئيسية، وكانت أعمال ازاحة ونقل التراب تشكل اهم النشاطات آنذاك في وقت كان يجري فيه تشييد عدد من مشاريع التجهيزات الأساسية. وبعد مضي ست سنوات فقط اكتملت بصورة رئيسية المرحلة الأولى من تشييد المنطقة السكنية وكانت خمس صناعات أساسية والعديد من المشاريع المساندة قد باشرت التشغيل وتم بناء مساكن دائمة ومرافق للمنطقة السكنية لخدمة ثلاثين ألف نسمة تقريباً في ذلك الحين. المخطط العام وقع الاختيار على ينبع نظراً لموقعها الجغرافي المميز لتصدير المنتجات البتروكيماوية إلى الاسواق الغربية كما أن تمديد خطوط الانابيب التي تربط ينبع بحقول النفط في المنطقة الشرقية يبرز اهمية ينبع الاستراتيجية كميناء بديل لتصدير الزيت الخام وسوائل الغاز الطبيعي ومشتقاتهما المتكررة. وينص المخطط العام الذي اكتمل اعداده عام 1975م وتحديثه بعد عشر سنوات على تطوير منطقة ساحلية طولية على امتداد «24» كم وتقع المنطقة الصناعية جنوب غربي المنطقة السكنية وتخدمها شبكة منظمة ومتكاملة من التجهيزات الأساسية. تنقسم المنطقة السكنية إلى أربعة عشر حياً ويتوقع أن يصل عدد سكانها إلى «120» ألف نسمة على المدى البعيد. مدينة ينبع الصناعية تقع مدينة ينبع الصناعية على ساحل البحر الأحمر على بعد ثلاثمائة كيلو متر شمال غرب مدينة جدة وتمثل نقطة النهاية الغربية لخطي انابيب الزيت الخام والغاز الطبيعي السائل اللذين يمتدان لمسافة «1200»كم2 تقريباً عبر المملكة من المنطقة الشرقية إلى مدينة ينبع الصناعية في المنطقة الغربية حيث يتم تصدير معظم الزيت إلى الأسواق العالمية ويتم استخدام التعبئة بالاضافة إلى الغاز الطبيعي وقوداً وخامات تغذية في المصافي والصناعات الأخرى القائمة في ينبع. وتحتل المواقع المخصصة للاستعمالات الصناعية حوالي ثلثي مساحة المدينة البالغة «185» كم2 حيث يوجد حالياً في مدينة ينبع الصناعية عشرون مرفقاً للصناعات الهيدروكربونية والبتروكيماوية والمعدنية إلى جانب سبعة وثلاثين مرفقاً للصناعات الخفيفة والمساندة كما يوجد أكثر من عشرين منشأة صناعية في مختلف مراحل التشييد أو التخطيط. التجهيزات الأساسية تم تشييد التجهيزات الأساسية من قبل الهيئة الملكية التي لا تزال تضطلع بمسئولية صيانة هذه التجهيزات وتوسعتها عملياً حتى قيام شركة مرافق التي بدأت القيام بتأمين الخدمات الأساسية والمتمثلة في الكهرباء والمياه بأنواعها في مدينتي الجبيلوينبع الصناعيتين وقد سبق ان صدر قرار مجلس الوزراء بانشائها حيث تبنت الهيئة الملكية انشاء هذه الشركة لتلبية متطلبات التنمية في المرحلة القادمة وتهيئة الخدمات بشكل مستمر حتى تواكب النمو الصناعي الكبير في مجال إنتاج البتروكيماويات ومشتقات البترول وغيرها بحيث تقوم بدور مساند للمهام الأساسية التي تؤديها الهيئة الملكية وفقاً لمرسوم تكوينها ويشترك في تأسيسها الدولة ممثلة في صندوق الاستثمارات العامة والهيئة الملكية للجبيل وينبع وشركة الزيت العربية السعودية «أرامكو السعودية» والشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك» والراغبون من المستفيدين الصناعيين الآخرين. وتتمثل التجهيزات الأساسية الموجودة حالياً في ينبع الصناعية في الطاقة والمياه والتخلص من الفضلات الصلبة والاتصالات والتسوية المبدئية ومجاري صرف مياه الأمطار والطرق. ميناء الملك فهد الصناعي يعتبر ميناء الملك فهد الصناعي أكبر ميناء لتحميل الزيت الخام على ساحل البحر الأحمر ويتكون الميناء من سبع محطات تضم مرفأ وهناك سلسلة من الشعاب المرجانية توفر الحماية الطبيعية لهذا الميناء الذي يمتد خمسة عشر كيلو متراً على طول الساحل ويمكن للميناء أن يستقبل أكبر الناقلات البحرية حتى التي تصل حمولتها إلى خمسمائة ألف طن. كما توجد أربع محطات لاستقبال وشحن المنتجات السائلة ومحطة للشحنات الجافة ومحطة للشحنات العامة والمعبأة في حاويات وأرصفة. الصناعات لقد راعت الهيئة الملكية بالمخطط العام لمدينة ينبع الصناعية منطقة الصناعات الأساسية والاستفادة من موقع المدينة على البحر الأحمر وتمثل دور الهيئة في تأمين المرافق والتجهيزات الأساسية اللازمة لتشغيل الصناعات وتعتبر الصناعات الستة الأساسية القائمة بمدينة ينبع الصناعية هي مكمن الحركة الاقتصادية والتي تتمثل في: معمل أرامكو السعودية ينتج ثلاثمائة وثمانين ألف برميل في اليوم من سوائل الغاز الطبيعي وبدأ تشغيله عام 1982م على مساحة سبعمائة وأحد عشر هكتاراً بتكلفة اجمالية بلغت سبعة آلاف مليون ريال. محطة الزيت الخام «أرامكو السعودية» تبلغ السعة التخزينية للمحطة اثني عشر مليوناً ونصف المليون برميل وبدئ في تشغيلها عام 1981م على مساحة مائة وثمانين هكتاراً بتكلفة اجمالية بلغت أربعة آلاف مليون ريال. شركة أرامكو السعودية (بترومين) لتكرير زيت التشحيم تنتج مليوني برميل في السنة من خامات زيوت التشحيم الأساسية وبدئ في تشغيلها عام 1997م على مساحة اثنين وسبعين هكتاراً بتكلفة اجمالية بلغت ألفاً وستمائة مليون ريال. شركة مصفاة أرامكو السعودية (موبيل) تنتج ثلاثمائة وخمسة وستين ألف برميل في اليوم وبدئ في تشغيلها عام 1981م، وأقيمت على مساحة ثلاثمائة وتسعة وثلاثين هكتاراً وبلغت التكلفة الاجمالية لانشائها سبعة آلاف مليون ريال. مصفاة أرامكو السعودية تنتج مائة وسبعين ألف برميل في اليوم وأقيمت على مساحة خمسمائة وواحد وسبعين هكتاراً وبدئ في تشغيلها عام 1983م وبلغت التكلفة الاجمالية لانشائها أربعة آلاف مليون ريال. الشركة العربية للألياف الصناعية «ابن رشد» تنتج ثلاثمائة وخمسين ألف طن في السنة من مادة حمض الترفثاليك النقي وسبعمائة وخمسة وعشرين ألف طن في السنة من المواد العطرية ومائة وخمسين ألف طن في السنة من ألياف وخيوط ورقائق البوليستر واقيمت على مساحة مائة وسبعين هكتاراً وبدئ في تشغيل البوليستر عام 1995م والمركبات العطرية عام 1999م وتبلغ التكلفة الاجمالية للمشروع أربعة آلاف مليون ومائة مليون ريال. الصناعات الثانوية هناك ما لا يقل عن تسع صناعات ثانوية قائمة هي غالباً ما تستخدم منتجات الصناعات الأساسية كلقيم صناعي وتقوم بتصنيع منتجات وسيطة للبيع أو تدخل في تصنيع منتجات اضافية وهي بذلك ترفع القيمة المضافة لمنتجات الصناعات الأساسية. الصناعات الخفيفة والمساندة اولت الهيئة الملكية اهتماماً بالغاً بالصناعات الخفيفة والمساندة لذلك فقد تم تخصيص ثلاثمائة واحد عشر هكتاراً من المساحة الاجمالية للصناعات الخفيفة والتي تتمثل في اكثر من ثلاثين صناعة وتنتج عدة منتجات هامة كالخرسانة الجاهزة والاسفلتية وتشكيل قضبان الحديد والرافعات واعادة تصنيع الورق المقوى والدهانات اضافة إلى العديد من الصناعات الأخرى. فرص الاستثمار ان توافر مصدر معتمد للمواد الخام يعتبر شرطاً أساسياً لنجاح أي صناعات هيدروكربونية وكيماوية أو معدنية حيث توجد معظم الرواسب المعدنية المعروفة بالدرع العربي بالمنطقة الغربية علي طول الساحل ومنها النحاس وخام الحديد والفوسفات والجبس والذهب ومعادن أخرى متعددة يمكن استغلالها تجارياً تشمل الكاولين والحجر الجيري والرخان والجرانيت والزنك والسيلكا. كما تعتبر الصناعات المنتجة للمنتجات النهائية مستقبلاً منظوراً للاستثمار الصناعي من قبل القطاع الخاص حيث يتم تحويل المنتجات البتروكيماوية والمعدنية من الصناعات الأساسية والثانوية إلى صناعات وسيطة ومواد استهلاكية. وهناك الكثير من فرص الاستثمار المتاحة في مجال توفير البضائع والخدمات الضرورية للمنطقة الصناعية والمنطقة السكنية. الحوافز المشجعة يحظى القطاع الخاص بالعديد من الحوافز التشجيعية للاستثمار الصناعي في ينبع ومن ذلك الاعفاء الضريبي والاعفاء الجمركي والقروض الميسرة وايجارات الاراضي والمنافع المغرية وتشجيع الدولة المنتجات الوطنية والحرية في انتقال رؤوس الأموال. ودعماً لهذه السياسة تقوم الادارة العامة لمشروع الهيئة الملكية بينبع بدعوة القطاع الخاص لزيادة نسبة مشاركته في تنمية وتطوير مدينة ينبع الصناعية من خلال الفرص الاستثمارية التي تم توفيرها في شتى المجالات الصناعية والسكنية والتجارية والترفيهية. المخطط الإرشادي يهدف المخطط إلى تحقيق تكوين مركز للتنمية الصناعية خاصة الصناعات الهيدروكربونية والبتروكيماوية ومعالجة المواد التعدينية وايجاد بيئة سكنية ملائمة وقادرة على جذب العمالة للمدينة وخاصة السعودية منها. وقد وضع المخطط الارشادي الرئيسي لمدينة ينبع الصناعية عام 1977م وقد تبعه بعض التعديلات والدراسات حيث اعدت دراسة للتصميم الحضري عام 1980م كما تم مراجعة المخطط الارشادي عام 1987م وحُدث في عام 2000م نتيجة لعدة متغيرات خارجية ومحلية بهدف تحديد الدور الذي ستلعبه مدينة ينبع الصناعية على مستوى منطقة ينبع وعلى مستوى منطقة المدينةالمنورة وتحديد الطابع العام المستقبلي للمدينة ووضع تصور تخطيطي للواجهة البحرية والكورنيش لتشجيع السياحة وحماية وتحسين وتجميل البيئة الطبيعية. وتحديد العناصر الرئيسية للمنطقة السكنية من الناحية العمرانية والاجتماعية والبيئية. البيئة والتخطيط للمستقبل تعتبر مدينة ينبع الصناعية خير شاهد على إمكانية التوافق والتقارب بين اعمال التطوير الصناعي وبرامج حماية البيئة وذلك بفضل السياسات والبرامج البيئية التي تم وضعها واعتمادها منذ البداية ومن جملتها المحافظة قدر الامكان على نقاوة الهواء وموارد المياه التي عهدتها المنطقة قبل بدء اعمال التشييد وحماية وتحسين المساحات الصحراوية والواجهات الساحلية ومعالجة تجميع الفضلات والمحافظة على التكوين الطبيعي للشعب المرجانية واشجار المانجروف. وقد ساهم التخطيط الجيد والمبكر في تفادي الكثير من المشاكل البيئية الخطيرة التي تحدث في الدول الصناعية الكبرى وكان من أولى ثمرات هذا التخطيط فصل المنطقة السكنية عن المنطقة الصناعية وبناء محطات لمعالجة مياه فضلات الصرف الصحي اتبعتها بمحطة لمعالجة مياه الصرف الصناعي مجهزة بشبكة خطوط تجميع منفصلة مستثمرة المياه المعالجة في اعمال ري الرقعة الخضراء بالمدينة واعادة استخدام الجزء الأكبر في المصانع الجديدة كما تم بناء محطة لمعالجة مياه التوازن للسفن ومردم صحي آمن بعيد عن المنطقة السكنية ألحقت به مجمعاً لاعادة تصنيع السماد من المخلفات العضوية المنزلية. من جهة أخرى قامت الهيئة الملكية باعتماد مجموعة من الأنظمة والمعايير البيئية لتكون الأساس الذي يضمن عدم ارتفاع نسب الملوثات إلى مستويات تؤثر على البيئة وعلى الصحة العامة للمواطنين والمقيمين ولتحقيق التأكد من التزام جميع الصناعات بهذه المعايير والأنظمة اقرت الهيئة برنامج تصريح بيئي يضمن مراجعة شاملة ودقيقة لكل انواع الملوثات المحتملة واتخاذ التوصيات المناسبة حيال اصدار هذا التصريح من عدمه كما ان هناك مجموعة من برامج المراقبة البيئية المستمرة والمتواصلة على مدار الساعة والتي تحدد نسب الملوثات ومصادر الملوثات الطارئة في حالة حدوثها. ولقد لاحظت الهيئة الملكية للجبيل وينبع تعاون الشركات الصناعية العاملة في مدينة ينبع بالالتزام بالمعايير والأنظمة البيئية ولدفع درجات هذا التعاون للامام ولحث الصناعات الجديدة على الالتزام بهذه المعايير اقرت الهيئة جائزة المصنع المثالي التي تمنح على شرف صاحب السمو الملكي أمير منطقة المدينةالمنورة، والهيئة الملكية تسعى لاستمرار برنامج هذه الجائزة وفقاً للتجاوب المنشود من الصناعات. كما أن الهيئة الملكية وحرصاً منها في تعميق المفهوم البيئي قامت بالعديد من البرامج في هذا المجال نخص منها بالذكر انشاء لجنة أصدقاء البيئة داخل جميع مدارس الهيئة بينبع الصناعية وعمل مسابقة بيئية سنوية لجميع مدارس الهيئة بالاضافة إلى العديد من برامج الوعي البيئي المختلفة. ونظراً للإنجازات البيئية التي حققتها الهيئة الملكية فقد حصلت عام 1988م على جائزة البيئة الدولية «ساساكوا» التي منحتها لها الأممالمتحدة تقديراً لجهودها وبرامجها المميزة في هذا الصدد كما حصلت الهيئة على جائزة المنظمة الاقليمية لحماية البيئة البحرية لدول مجلس التعاون والعديد من الجوائز الأخرى، كان آخرها حصول الهيئة الملكية على المركز الأول على مستوى جميع المدن العالمية المشاركة في التصفيات النهائية في المسابقة العالمية «بلدان في طور الازدهار» وعددها 42 دولة وذلك في مجال التخطيط للمستقبل لمدينة ينبع الصناعية والتي تمت فعالياتها في مدينة شتوتجارت بجمهورية المانيا الاتحادية وهذه المسابقة العالمية الوحيدة المتخصصة في ادارة البيئة وتطوير المجتمعات. وقد فازت الهيئة الملكية بالجائزة وذلك ضمن مجموعة المدن المشاركة في المسابقة والتي يتراوح عدد سكانها بين عشرين ألفاً وخمسة وسبعين ألف نسمة حيث حصلت مدينة ينبع الصناعية على درجة الامتياز في كل من مجال عمارة وتشجير البيئة وحماية البيئة والتخطيط للمستقبل بينما حصلت على درجة جيد جداً في كل من مجالي إدارة التراث ومشاركة المجتمع في تطوير المدينة. وتهدف هذه المسابقة إلى تشجيع المدن على ممارسة افضل السبل والطرق والابتكار لتحسين نوعية الحياة داخل مجتمعاتها وتغطي خمسة مواضيع رئيسية في مجال عمارة وتشجير البيئة وحماية البيئة وادارة التراث ومشاركة المجتمع في اعمال تطوير المدن والتخطيط للمستقبل.