ومن البحث يا عزيزي القارىء الكريم ان الاحسان الى المرأة وهي طفلة، والتوصية بها خيرا فيما بعد ذلك، فإن هذا معلوم لكل واحد فضلا عن أننا نريد أن نعطي هذه الكلمة صبغة البحث المجرد، وتبعد بها عن الصفة الخطابية ما أمكن، واذا كان لابد من سياق بعض الآيات والأحاديث فإننا ننزلها تنزيلا علميا على ما ذكرناه من الوضعية الجديدة التي أصبحت للمرأة بعد مجي الإسلام. فمن الآيات القرآنية في التشنيع بعادة الوأد التي كانت منتشرة عند العرب قوله تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً }. وقوله في القضاء على ما بقي لهذه العادة في نفوس القوم من اثر ذميم: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } ومن قوله تعالى في الحض على حسن معاملة الزوجات، {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } ومنه في الوصاية بهن اذا ساءت علاقة الزوجية، مخاطبا الأزواج: {بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } ومنه فيما اذا حصل الفراق قبل الدخول، مرشدا الى ترك أسباب النزاع المادي {وّلا تّنسّوٍا الفّضًلّ بّيًنّكٍمً} وهذه الآية دعوة الى المكارمة لا نظير لها في الحسن ومنه في توعد الذين يستطيلون على كرامة السيدات الفضليات {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، يّوًمّ تّشًهّدٍ عّلّيًهٌمً أّلًسٌنّتٍهٍمً وّأّيًدٌيهٌمً وّأّرًجٍلٍهٍم بٌمّا كّانٍوا يّعًمّلٍونّ، يّوًمّئٌذُ يٍوّفٌَيهٌمٍ اللهٍ دٌينّهٍمٍ الحّقَّ وّيّعًلّمٍونّ أّنَّ اللهّ هٍوّ الحّقٍَ المٍبٌينٍ } وجاء في الاحاديث النبوية بموافقة معاني هذه الآيات، قوله صلى الله عليه وسلم في الحض على تكرمة البنات وعدم تسخطهن «من ابتلي من هذه البنات بشيء، فأحسن اليهن كن له ستراً من النار». وقوله في حسن معاملة الزوجات «خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلي» وقوله في خطبة الوداع «اتقوا الله في النساء، فانكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» وعلى كل حال، فقد جعل الاسلام للمرأة مكانة اجتماعية لم تمكن لها عند العرب، ولا عند غيرهم من الامم، اذ جعلها ربة البيت المسؤولة عن تدبيره، وهي لم تكن فيه الا من سقط المتاع «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالامام راع مسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية ومسؤولة عن رعيتها..»وأعطى الاسلام للمرأة حق حضانة الأولاد دون الرشد وقدمها في ذلك على الرجل وذلك عند مفارقته لأمهم، وفي ذلك من التقدير لعاطفة الامومة، ومن الثقة بكفاية المرأة في هذه المهمة العظيمة مالا يخفى على انها تكون ايضا وصية، فتقوم مقام الموصى في النظر للمحاجير وتدبير شؤونهم المالية وغيرها، فتمت بذلك مسؤوليتها المدنية من جميع الوجوه. محمد بن عبدالعزيز الحلواني