الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة لا يكتمل إسلام المسلم متى استطاع إليه سبيلاً إلا به، وفي الحج كثير من الخير والمنافع للدين والدنيا أشار إليها الخالق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله:{لٌيّشًهّدٍوا مّنّافٌعّ لّهٍمً} فما هي المنافع، وأبواب الخير التي تجعل ملايين المسلمين في جميع أنحاء الأرض يتطلعون لهذه الفريضة بكل شوق، ويبذلون كل غال ونفيس لأدائها؟ المؤتمر الأكبر في البداية يقول الدكتور عبدالعزيز بن محمد الربيش عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود - فرع القصيم -: الحمد لله القائل: {وّأّذٌَن فٌي النّاسٌ بٌالًحّجٌَ يّأًتٍوكّ رٌجّالاْ وّعّلّى" كٍلٌَ ضّامٌرُ يّأًتٌينّ مٌن كٍلٌَ فّجَُ عّمٌيقُ لٌيّشًهّدٍوا مّنّافٌعّ لّهٍمً وّيّذًكٍرٍوا اسًمّ اللَّهٌ فٌي أّيَّامُ مَّعًلٍومّاتُ عّلّى" مّا رّزّقّهٍم مٌَنً بّهٌيمّةٌ الأّنًعّامٌ فّكٍلٍوا مٌنًهّا وّأّطًعٌمٍوا البّائٌسّ الفّقٌيرّ} فإن هذه الآيات الكريمات من سورة الحج من الآيات العظيمة التي يستفاد منها في معرفة الأهداف الكبرى لهذه العبادة الجليلة التي تعتبر الركن الخامس من أركان الإسلام، هذا الركن العظيم الذي تجتمع فيه الأمة الإسلامية في مكان واحد، لهدف واحد، تلبية لدعوة الله سبحانه وتعالى {وّأّذٌَن فٌي النّاسٌ بٌالًحّجٌَ} التي خاطب بها ربنا جل ذكره نبيه إبراهيم - عليه السلام - على القول الراجح - وهو قول الجمهور: «أي: وأمرنا إبراهيم أن أذن في الناس بالحج أي: أعلمهم وناد فيهم بالحج». ويضيف د. عبدالعزيز الربيش: والمتأمل في منافع الحج الدنيوية والأخروية لا يكاد يحصيها سواء على مستوى أفراد المسلمين أو الأمة الإسلامية ولو لم يكن فيه إلا فضل الحج لكفى، فالحج من أفضل الأعمال عند الله كما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور» متفق عليه. وبين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة - ويا له من فضل عظيم - كما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» متفق عليه. والحج من أسباب مغفرة الذنوب كما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» متفق عليه. وبعض الحجاج يوفق إلى الخير فيستغل أوقات حجه بما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة سواء كان نفعاً متعدياً أو نفعاً قاصراً نتيجة لتخطيطه المسبق في استغلال أوقات حجه مسترشداً بالوسائل والطرق المعينة على ذلك - وينبغي أن يكون كل حاج كذلك، لأن هذه فرصة قد لا تتحقق له مرة أخرى والمؤمن المدرك الذي يرجو ما عند الله ينبغي له أن يستفيد من الفرص السانحة. لذا نجد الحج فرصة لعمل الخيرات والطاعات والقربات المختلفة فيدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويعلم الجاهل إذا كان ممن قد رزق علماً نافعاً، ويعمل الخير للمسلمين عامة، ويساعد محتاجهم ويرفق بضعيفهم، ويطعم جائعهم، ويرشد ضالهم إلى الطريق المستقيم، كما ينبغي للحاج أن ينهل من معين هذه العبادة الصافية ما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه فلا ينسى الدعاء لنفسه ولأولاده وأهله ولوالديه ولإخوانه المسلمين ولأمته الإسلامية، فإذا لم يستغل الحاج هذه الأوقات الفاضلة وهذه المشاعر المعظمة عند الله فإنه قد فاته خير كثير. ومن منافع الحج على مستوى الأمة الإسلامية: الحج هو المؤتمر الأكبر عند المسلمين في الدنيا يذكرهم وقوفهم بعرفات ومبيتهم بمزدلفة ومنى بيوم يجمع الله فيه الخلائق في الآخرة، فيرجعون إلى ربهم ويتوبون من ذنوبهم ويعزمون على التمسك بكتاب ربهم وسنَّة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم . والحج أيضاً تذكير للأمة الإسلامية بمبادئها العظيمة ومن أهمها «المساواة بين المسلمين جميعاً» حينما يكونون بلباس واحد في صعيد واحد، وأنهم سواسية لا فرق بينهم عند الله إلا بالتقوى. كما أن فيه تذكيراً للمسلمين بمبدأ الوحدة فيما بينهم حينما لبوا نداء الله الذي رفعه إبراهيم - عليه السلام - وسمعته الخلائق فلبت النداء، وقصدت بيته ومشاعره ترجو ثواب الله العظيم فهذا الاجتماع والتآلف والمحبة يذكرهم بوحدتهم التي يجب أن تكون حتى تذوب معها كل أنواع الاختلاف والتفرق. والحج يذكرهم أيضاً ويدعوهم إلى ترك الأخلاق والأفعال المذمومة السيئة وفتح صفحة جديدة واستبدال تلك الأخلاق والأفعال المشينة بالأخلاق الفاضلة الحسنة التي دعا إليها الإسلام وأكد عليها. وهذا الاجتماع العظيم يذكر الأمة الإسلامية بتدارس مشكلاتها وما تواجهه من أعداء دينها ووضع الحلول المناسبة لمشكلاتها وعوائقها. أعظم أسباب الإجابة من جانبه يقول د. محمد بن عبدالله المحيميد عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم: إنه ينبغي على الحاج وقد تكبد المشاق وأنفق الأموال وأزجى الأوقات أن يحرص على اتخاذ الأسباب المعينة على تحقيق منافع الحج، ولعل من أهمها ما يلي: - التوبة النصوح والتخلص من المظالم، فإن الظلم مرتعه وخيم، وهو آفة الحسنات مهما عظمت، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون من المفلس؟! قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار». أخرجه مسلم - رحمه الله. الخروج بنفقة طيبة، ذلك أن طيب المطعم من أعظم أسباب إجابة الدعاء، قال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - حين سأله أن يدعو الله له ليكون مجاب الدعوة: «يا سعد أطب مطعمك تكن مجاب الدعوة» رواه الطبراني - رحمه الله - وفي المقابل فإن النفقة الحرام من أعظم موانع استجابة الدعاء فقد روى مسلم - رحمه الله - في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟». - الخروج مع الرفقة الصالحة التي تبصر بالدين وتدل على الخير وتعين عليه، وتحذر من الشر وتمنع منه، وتحفظ مجالسها عن اللغو والفسوق، وتعمرها بطاعة الله.. وتثمر مجالستها مغفرة الذنوب ففي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر». اجتناب الرفث والفسوق والجدال والمعاصي قولية كانت أو فعلية، فقد نهى الله عنها يقول سبحانه: {الحّجٍَ أّشًهٍرِ مَّعًلٍومّاتِ فّمّن فّرّضّ فٌيهٌنَّ الحّجَّ فّلا رّفّثّ ولا فٍسٍوقّ ولا جٌدّالّ فٌي الحّجٌَ } وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم - اجتنابها شرطاً لمغفرة الذنوب في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه). - الحرص على الاتيان بأعمال البر من خلال الإحسان إلى الناس بالقول والفعل والرفق بهم، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما بر الحج؟ فقال: بر الحج إطعام الطعام، وطيب الكلام» أخرجه الإمام أحمد والطبراني في الأوسط وقال الهيثمي - رحمه الله - إسناده حسن. - الإخلاص لله بأن يقصد الحاج وجه الله تعالى، قال تعالى: {ومّا أٍمٌرٍوا إلاَّ لٌيّعًبٍدٍوا اللّهّ مٍخًلٌصٌينّ لّهٍ الدٌَينّ حٍنّفّاءّ} فعلى المسلم أن يتجرد من الشرك كبيره وصغيره، فلا يقصد بحجه وكذا سائر عباداته الرياء والسمعة أو مباهاة الاخرين والافتخار عليهم فإن ذلك محبط للأعمال. - المتابعة في تأدية الحج، وكذا سائر العبادات - للنبي صلى الله عليه وسلم - وذلك بأن تؤدى كما أداها النبي صلى الله عليه وسلم فإن العمل مهما تكلف فيه صاحبه ومهما أخلص أو خشع فيه أو أكثر منه إذا لم يكن وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مردود على صاحبه، قال صلى الله عليه وسلم : «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» أخرجه مسلم - رحمه الله - وهذا يستلزم الاستعداد بالعلم الصحيح قبل الشروع في العبادة، امتثالاً لأمر الله تعالى حيث قال: {فّاعًلّمً أّنَّهٍ لا إلّهّ إلاَّ اللَّهٍ واسًتّغًفٌرً لٌذّنًبٌكّ ولٌلًمٍؤًمٌنٌينّ والًمٍؤًمٌنّاتٌ} فيجب على الحاج أن يختزل شيئاً من وقته لتعلم صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم امتثالاً لقوله: (خذوا عني مناسككم) - أخرجه مسلم - رحمه الله، وكم رأينا مع الأسف من الحجاج القادمين من أوطان بعيدة.. حجهم في واد والحج الصحيح في واد آخر. المدرسة التربوية ويرى د. سعد بن تركي الخثلان عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض أنه عندما قال الله عزَّ وجل في محكم كتابه {وأّذٌَن فٌي النَّاسٌ بٌالًحّجٌَ يّأًتٍوكّ رٌجّالاْ وعّلّى" كٍلٌَ ضّامٌرُ يّأًتٌينّ مٌن كٍلٌَ فّجَُ عّمٌيقُ لٌيّشًهّدٍوا مّنّافٌعّ لّهٍمً ويّذًكٍرٍوا ااًمّ اللَّهٌ فٌي أّيَّامُ مَّعًلٍومّاتُ عّلّى" مّا رّزّقّهٍم مٌَنً بّهٌيمّةٌ الأّنًعّامٌ فّكٍلٍوا مٌنًهّا وأّطًعٌمٍوا البّائٌسّ الفّقٌيرّ}، فإنه بين سبحانه وتعالى أن من أبرز حكم مشروعية الحج شهود المنافع العظيمة في الدنيا والآخرة، قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: هي منافع الدنيا والآخرة أما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والتجارة والربح، وتنكير كلمة منافع يشير إلى كثرتها وتفاوت الناس في الحصول عليها، فمن ذلك مغفرة الذنوب، ففي الحديث المتفق عليه، يقول صلى الله عليه وسلم : «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع من حجه كيوم ولدته أمه» وظاهر هذا الحديث على الصفة المذكورة يحصل به التكفير لجميع الذنوب حتى الكبائر، وقال الحافظ بن حجر رحمه الله: ظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات. ويضيف د. الخثلان، ولو لم يكن من منافع الحج إلا هذه المنفعة العظيمة بمغفرة جميع الذنوب لكفى بها شرفاً لهذه العبادة العظيمة، فكيف والحاج يحصل له مع مغفرة الذنوب الثواب والأجر العظيم، والنصوص في بيان فضل الحج وعظيم أجره وثوابه كثيرة، ومن منافعه أيضاً زيارة المسجد الحرام، والطواف بالبيت العتيق، وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم : «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه..» وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من طاف بالبيت وصلى ركعتين كان كعتق رقبة». ومن منافع الحج كذلك الوقوف بالمشاهد، والتعرض لنفحات الخالق جلَّ وعلا ولاسيما يوم عرفة الذي يباهي الله عزَّ وجل بالحجيج فيه ملائكته. والحج مدرسة تربوية عظيمة للمسلم، يتربى فيها على كريم الأخلاق وحسن السجايا فيربي نفسه على قوة الصبر والتحمل، لما يظن فيه من مشقة، ولذلك جعله النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد بالنسبة للمرأة كما أن الحج تربية للنفس على الحلم وكظم الغيظ وحفظ اللسان عن الكلام المحرم والمراء الباطل. ويستطرد د. الخثلان قائلاً: ومن منافع الحج للأمة أن فيه إظهاراً لتميز الإسلام على سائر الأديان ذلك أنه لا يوجد في دين من الأديان أو ملة من الملل حصول مثل هذا الاجتماع بهذا العدد الكبير من جميع أقطار الأرض في مكان واحد وزمان واحد وبلباس واحد، لا فرق بين غنيهم وفقيرهم أو حاكمهم ومحكومهم، وفي هذا ما يلفت النظر إلى عظمة الإسلام الذي جمع كل هؤلاء الناس طواعية بل عن تلهف وشوق لأداء هذه الفريضة الغالية ويدخل في إطار هذه المنافع التقاء المسلمين من كل صوب وحدب، والالتقاء بالعلماء الربانيين، لتصحيح ما قد يكون خاطئاً لدى عامتهم من المفاهيم، هذا بالإضافة إلى منافع الحج الأخرى الدنيوية من تجارة وبيع وشراء وغيرها الكثير من المنافع التي يصعب حصرها. أنواع العبادات أما الشيخ تركي بن محمد اليحيى عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء بالرياض يعدد منافع الحج فيقول: من منافع الحج المنفعة العظيمة للحاج بالأجور العظيمة والحسنات المضاعفة وبتكفير الذنوب والخطايا التي لا يسلم منها بشر وقد ورد لمناسك الحج - مجتمعة ومتفرقة - فضائل كبيرة جداً قلما وردت لغيره من العبادات، وما أكثر الأحاديث الواردة في فضائل يوم عرفة والوقوف في عرفات وما ورد في رمي الجمار والطواف بالبيت والتلبية وإراقة الدم لله والإطعام والسقيا والذكر، وغير ذلك، وفوق هذا كله فالحج المبرور جزاؤه الجنة ويغسل صاحبه من جميع ذنوبه وخطاياه حتى يعود بلا ذنب كيوم ولدته أمه. كما يجتمع في هذه العبادة الجليلة ما لا يجتمع في غيرها من العبادات من الفضيلة، حيث إنها مشتملة على أنواع العبادة كلها: أ - العبادة البدنية: كالطواف والسعي والوقوف والمبيت ورمي الجمار وغيره. ب - العبادة المالية: كنفقة الحج وثمن الهدي علاوة على السقيا والإطعام وغيره. ج - العبادة القولية: كالتلبية والذكر والدعاء والتكبير علاوة على الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإفشاء السلام وغيره. ومن المنافع السلوكية للمسلم في الحج أنه يتربى على جملة من الأخلاق الإسلامية العالية عملياً أثناء الحج، وهي كثيرة جداً.. منها: - التربية على (الصبر) وذلك لما يلاقيه الحاج من المشاق والتعب في أداء المناسك والتربية على «التواضع» حيث يظل كاشف الرأس متجرداً من المخيط مكتفيا بازار ورداء كسائر الناس من كل جنس، ويظل يختلط بالحجاج من كل فئة ومن كل جنسية، لا فرق بين أبيض وأسود، ولا بين عربي ولا أعجمي. كذلك التربية على «التسامح ولين الجانب» وهذا من الأخلاق التي تتطلبها مزاحمة الناس والاختلاط بهم، وذلك في أكثر مناسك الحج. والتربية على «البذل والعطاء»، حيث يجتهد الحاج في بذل الصدقة والسقيا وإطعام الطعام، وحتى الذي لا يجد سعة يتصدق منها فإنه سيؤثر فيه وفي سلوكه ما يشاهده لدى إخوانه من البذل والإنفاق. وهناك أمور أخرى كثيرة بهذا المعنى يدركها من تأمل هذا الباب. المنافع العظيمة ويستمر الشيخ اليحيى في سرد منافع الحج فيقول: ومن المنافع المهمة للأمة في هذه المناسك أنها تزيد من روابط الأخوة الإيمانية بين المسلمين وترسخ مبادئ الولاء والبراء عندهم، حيث إن الحاج الخليجي يلتقي المغربي والعربي بالعجمي والغربي بالشرقي والأبيض بالأسود وهكذا في انسجام ومودة وتآخ عجيب.. وكأنهم أبناء عشيرة واحدة. وحينما يتمثل الحجاج الأدب الإسلامي الرفيع ويسعى بعضهم إلى خدمة بعض والإحسان إلى بعضهم البعض فإن هذا يزيد من رسوخ هذا المفهوم المثالي ويحول المناسك إلى جامعة ورابطة تتلاشى معها فوارق الجنس واللون واللغة والبلد، ولا يبقى غير الرابطة الأنقى والأعلى «رابطة الإسلام». ومن المنافع العظيمة في الحج كذلك: ربط المسلم علمياً وعملياً بسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، والسعي الجاد من الحاج لكي يكون حجه مبروراً يستلزم كثرة السؤال والبحث في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، وهذا بكل تأكيد له أثر كبير على عقيدة المسلم وعلى سلوكه وعلى أقواله وأفعاله كذلك. أما المنافع الدنيوية التي تحصل في الحج فمنها ما يحصل لبعض المسلمين من فرصة التجارة والبيع والشراء والاكتساب، وفي الوقت الذي ينتفع فيه البائع والمتاجر مادياً من عملية المتاجرة والبيع فإن هذا يشكل منفعة أخرى مهمة لعموم الحجاج وهي توفير احتياجات ذلك الجمع الغفير من زوار بيت الله الذين هم بأمس الحاجة إلى تلك الأمور المبيعة من مطعم ومشرب وملبس ومركب ونحو ذلك، كذلك ما يحصل للفقراء والمساكين من الصدقة والإطعام، وكذلك اللحوم الوفيرة التي تحصل بنحر الحجاج للهدي الواجب أو المستحب أو الفدية.