حملته في أحشائها تسعة أشهر أو تزيد ثم بعد ذلك جاءها الطلق والمخاض واستبشرت به لما رأى نور الدنيا ونسيت بذلك آلام الحمل والوضع وضمته إلى صدرها وأرضعته من ثديها، تسهر الليالي وتحرم نفسها النوم والطعام عندما يحس برشح أو ارتفاع قليل في درجة الحرارة. ومضت الأيام والسنون وست الحبايب ترقبه وتنظر إلى مستقبله، وكأنه لم يخلق سواه على هذه البسيطة، حتى بلغ سن الدراسة وابتدأ المشوار «يا خوفي مسكين ما يعرف شيئاً» كيف يعيش جو المدرسة؟ في الصباح وداع، وما أصعب لحظات الوداع! تحتضنه وتضع يدها على رأسه وكأنه لن يعود لها مرة أخرى: «أخاف يجوع هناك ولا يكفيه العصير والسندوتش، أعطيه خمسة ريالات ليشتري من مطعم المدرسة، أخاف أن يشتمه أحد» وحين يأتي موعد خروج التلاميذ من المدرسة كل شيء في انتظاره، الغداء، غرفة نومه من أجل أن يرتاح، دخل المنزل حاملاً حقيبته تقابله عند الباب وما أجمل لحظات اللقاء «بشّر يا ولدي وشلون المدرسة عساها حلوة» ومرت الأيام حتى انتهى من المرحلة الابتدائية ثم المتوسطة ثم الثانوية وأيضاً الجامعة، وبعد كل مرحلة تفرح بنجاحه وكأنها قد ملكت الدنيا، ثم جاءت الوظيفة، واعتمد على نفسه، وبعد أن بلغت من العمر عتيّاً طلبت منه أن يتزوج ويستقر، فلبى طلبها وتزوج. ليته لم يتزوج، بدأ يتغير، وتتبدل حاله بسبب هذا الزواج، فهذه الزوجة قد تضايقت من وجود أمه أمامها وكثرت الخلافات بينهما، فصارت تدعي أنها قالت وفعلت وأنها لا تحبها ويجب أن نجد حلاً لهذه المشكلة بإبعادها إلى أحد الأقارب، ولكن لا يوجد قريب يستقبلها، فأشارت عليه أن يضعها في لحاف ويرميها في أحد الميادين العامة، وسيأتي أحد ويأخذها لدار الرعاية، فهناك تجد من يتولاها ويرعاها ولن تكون وحيدة، ونعيش بعد ذلك في جو من السعادة، والا يطلقها، فوافق على هذا الرأي، وسمعت الأم ذلك. الأم تألمت لحالها وحملها وارضاعها تألمت على ذلك السهر والتعب وتذكرت قوله تعالى: {وّقّضّى" رّبٍَكّ أّلاَّ تّعًبٍدٍوا إلاَّ إيَّاهٍ وّبٌالًوّالٌدّيًنٌ إحًسّانْا إمَّا البًلٍغّنَّ عٌندّكّ الكٌبّرّ أّحّدٍهٍمّا أّوً كٌلاهٍمّا فّلا تّقٍل لَّهٍمّا أٍفَُ اّلا تّنًهّرًهٍمّا وّقٍل لَّهٍمّا قّوًلاْ كّرٌيمْا ، وّاخًفٌضً لّهٍمّا جّنّاحّ الذٍَلٌَ مٌنّ الرّحًمّةٌ وّقٍل رَّبٌَ ارًحّمًهٍمّا كّمّا رّبَّيّانٌي صّغٌيرْا}. أخي الكريم ما سبق ليس فيلما هوليوديا أو نسجا من الخيال أو في مجتمع غربي غير مسلم، بل هو في بلاد منبع الرسالة وبلاد الحرمين، فيا ترى ما الأسباب التي ادت إلى ان يكون البعض منا كذلك، هل هو البعد عن منهج الله؟ أم هو الانفتاح والتكنولوجيا الحديثة؟ أم غير ذلك؟ تساؤلات أطرحها للإخوة والأخوات للمشاركة في ذلك، لعل الله يبصّر قلوبنا إلى ما فيه خير مجتمعنا. والله من وراء القصد.