حين يشعر الرجل بأنه قد آن الآوان لأن يبحث عن الاستقرار في الحياة، ويؤسس امبراطوريته الخاصة، التي يحلم في أن يحكمها بكل النظم التي تدور على مخيلته وهو يتخيل حياته الزوجية مع الغزال - الحلم - الذي يطارد طيفه في النوم واليقظة. وانطلاقاً من هذه التهيئات ينطلق الرجل مع الوجاهة التي أعدها لليوم الموعود، ومنذ لحظة وصوله إلى بيت أنسبائه - باعتبار ما سيكون - يتقمص الرجل الشخصية المثلى التي يتمناها هؤلاء: الرصانة والهدوء، الحديث ما قل منه ودل، ولا ينسى في هذا الحديث كل ما قرأ أو سمع من عبارات ومفردات الوداعة واللطف، أما أسارير وجهه والبهجة التي تعلوه، فحدث ولا حرج. وبمجرد أن تطأ قدم الغزالة كِناسها، وتبدأ رحلة المؤسسة بما تضمه من أحلام وتطلعات، حتى يبدأ الرجل في نزع كثير من الأقنعة التي كانت من لوازم لقاءات ما قبل الزواج. لقد كان يعلم أن زوجته موظفة، وكان يحبب هذا الوضع ويمجده ويمطر المرأة العاملة بوابل من الثناء والإعجاب، ويبدي حيال ذلك كل أنواع التفهم وأشكال الدعم والاستحسان. ولكن حين بلغ المراد، ودانت له البلاد، أصبح عمل زوجته عائقاً دون استمرار الوداد. لذا نراه يقول متحدياً إرادتها: «وش ها الراتب اللي صاجتنا فيه، هما كل اللي تأخذيه ألفين ريال خذي خمسة وفكينا..» مختصراً بكل بساطة متناهية واقعها المهني، ورضاها عن ذاتها ومشاركتها الفاعلة في مجتمعها، في آلافه الثلاثه. وحين تحاول مناقشته يرغي ويزبد، وينقلب الهدوء المصنوع إلى صخب ومرجلة ثائرة. مع أنه حين يكون وقت سداد فواتير الخدمات وما أكثرها تحاسب الشريكة حساباً عسيراً، وتوجه إليها الإنذارات والتهديدات، كما لو أنها هي التي رفعت سقف تلك الفواتير، وكما لو أنها لا تملك في هذه المؤسسة والشراكة أكثر من 10%، بينما كانت تظن أن شراكتها معه في مؤسسة الحياة مناصفة ومتوازنة، بل كم كانت تتغشاها الغبطة وهي تسهم في سداد الفواتير. مرة واحدة يصبح عمل المرأة مشكلة للرجل، ويصبح خروجها إلى عملها عبئاً ثقيلاً يومياً عليه لا يجد الحل إلا في إبقائها في البيت. هداك الله أيها الرجل الزوج، كيف استطعت اختصار الفلاة كلها في كِناس من ذهب صغير، ثم استكثرته على غزالة خلقت مع الهواء بين الأرض والسماء، فأحلته إلى قفص من حديد، لن تطول عليه الأيام حتى يأكله الصدأ.. وتاليتها؟!!