وأنا أفتش في أوراقي القديمة وجدت هذه القصيدة التي رثيت بها الإمام الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ سماحة مفتي المملكة العربية السعودية رحمه الله عند وفاته التي لم أنشرها في حينها ولا أعرف لذلك سبباً غير شعوري بأنها لا ترقى إلى مكانة شيخنا وقدره ولكنني بصفتي أحد طلابه أحسست بوجوب نشرها وإن جاء ذلك متأخراً اعترافاً بفضله ووفاء له. بكتك يا شيخنا الأرياف والمدن والبيد يا من بنا بَرٌّ ومؤتمن كما بكتك بيوت الله خائفةً ألا يُدَّرس فيها الفقه والسنن ألا يدرس فيها حكم ملتنا تلك التي مات فيها الشرك والوثن والعدل حتماً بكى من كان ينصره إذا استبدت بنا الأهواء والفتن يا شيخنا كلنا تبكيك أعيننا حزناً وكل بلادي عمها الحزن يا شيخنا يا إمام الخير في زمني رحلت عنا فأبكى قومك الظعن فيك افتقدنا فتاوى جد نافعةً بها انجلت شبهات وامحى الضغن إذ كنت تمشي على منهاج أحمدنا من صح في نهجه الأرواح والبدن قضيت عمرك للإسلام تنشره فأثمر الحب فينا واِمَّحت إحن وكم شهدناك للتوحيد داعيةً وأنت في كل ما تدعو له فطن وقفت نفسك للتدريس متزراً بالصبر لم يعرك الإعياء والوهن وكنت أستاذ أجيال أنرت لهم درب الهدى فتلاشى الجهل والدرن وكان منهم قضاةٌ أخلصوا عملاً وطبقوا ما اقتضاه الشرع والسنن معاهد العلم قامت أنت رائدها وأنت ساعد من فيها له المنن عبدالعزيز ولن أنسى خليفتهُ كلاهما أعطيا ما ينشد الوطن تلك المعاهد ما أحلى مواردها مياهها عذبة ما شابها الآسن يا شيخنا عشت مشغوفاً بمعرفةٍ بالعلم لم يصطحبك العجز والوسن تمضي بنا نحو ما نرجو الوصول له لم تثنِ همتك الأخطار والمحن حتى تحققت الآمال طيبةً وما سعيت إليه كله حسن يا شيخنا قد رضينا ما تقرره وما تكيل لنا وما لنا تزن وقد عرفناك ذا رأي يجنبنا درب الضلال إذا ما استشرت الفتن غادرتنا ودموع الشعب نازفةً دماً وكل فؤاد حله الشجن حتماً سنبكيك لن ننساك ما خطرت ذكراك أو سمعت أخبارك الأذن وكيف ننساك يا من كنت قدوتنا ما أصعب الصبر لما ضمك الكفن والله إنك باقٍ في ضمائرنا محبب ليس يفني حبَّك الزمن لك الخصال زكيات معطرةً سُرَّت بها أرضنا والشام واليمن زهدت في كل شيء غير واحدة عبادة الله تهواها وتحتضن فيك ابتهالٌ لرب الناس في سحرٍ إذا سجى الليل واشتدت به الدجنُ لم تطلب المال لم تقبل عفونته هيهات هيهات أن يستحسن العفنُ وعشت تنظر للدنيا وزخرفها مخالفاً جلّ من عاشوا ومن دُفِنوا رأيتها جيفة أيضا وتافهه لا يستحق لها أن يدفع الثمنُ فبعتَها واشتريت الأجرَ محتسباً وقلتَ لا أرتضي ما تُنبِتُ الدمنُ خضراء في شكلها لكنَّ مخبرها مرَّ المذاق وفيها يكثر النتنُ هذي الحياةُ وهذا رأي من حسُنت فيه الصفاتُ وتبَّاً للألى فتنوا يا ربنا ارحم إماماً عاش مجتهداً مجاهداً لم يصبْه الضعف والوهنُ يا ربنا اجعل له الفردوس منزلة مع الألى بحمى الرحمن قد أمنوا مع الألى صدقوا مع الألى صلحوا