في مختلف أنحاء العالم يتم وضع القوانين والانظمة بحيث تأتي منسقة مع المعايير الداخلية والخارجية للبلدان، الداخلية منها حسب المستوى الثقافي والاجتماعي للناس، وما يحقق لهم الاحتياجات المختلفة اولوياتها حسب اولويتها واهميتها بالنسبة لهم، وخارجياً بحسب الشرائع والقوانين التي اتفقت الامم على صلاحيتها واهميتها بالنسبة للإنسانية كلها. والمملكة العربية السعودية التزمت بهذين المعيارين منذ تم توحيدها ووضع اول نظمها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز، بل وتفردت عن غيرها من الدول بكونها اتخذت من الشريعة السماوية منبعا ومستنداً لانظمتها وقوانينها، وهو ما يجعل مصداقية وتأثير تلك الانظمة والقوانين تأتي في درجة اعلى من غيرها، وترتكز الى معايير دينية واخلاقية وتكافلية تجعل فرص نجاحها في التطبيق اكثر من غيرها بكثير. لكن المرء يحار احياناً في فهم بعض النصوص والشروط في هذه الأنظمة، إلى درجة تجعله يقف حائراً امام فهم المغزى الذي وضعت من اجله، والظروف التي سادت او اريد لها ان تسود عند وضعها. في قانون الخدمة المدنية مثلاً، وفي شأن التحصيل العلمي التراكمي للمواطن، ورد شرط أن مواصلة الموظف لتحصيله العلمي يتطلب توفر عدة شروط، وحين تلقي نظرة على تلك الشروط تجدها ممكنة التحقيق في مجملها، إلى أن تصل إلى شرط غريب عجيب يقضي بأن من يرغب في مواصلة تحصيله العلمي من الموظفين الا يتجاوز عمره الاربعين عاماً!! ولست ادري الحكمة وراء ذلك، فالدين يأمرنا ان نطلب العلم من المهد إلى اللحد، وعلماء النفس يؤكدون أن سن الرشد الحقيقي للإنسان يبدأ في الاربعين من عمره. وهل ننسى ما هو اهم من ذلك كله واقدس وهو العبرة والسنة للامة كلها بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ابتعث بشيراً ونذيراً للكون كله في سن الاربعين؟ - ماذا لو ان ذلك الشرط كان قد وضع عندما لم تكن هنالك فرص تخصص كافية لطالبي العلم؟ - ماذا لو ان هذا الذي وصل سن الاربعين دون مواصلة التحصيل العلمي العالي لظروف خاصة ومسئويات مادية واجتماعية اضطر إلى تأجيل ذلك إلى سن الاربعين؟ - ثم ماذا يحدث لانظمتنا الموضوعة من زلزلة لو اننا مددنا ايدينا لنضيف اليها شيئاً من المرونة يتفق ومتطلبات وهموم العصر؟ - ثم هل يُعقل ان توحيد ابواب الطموح فيمن يجدون لديهم القدرة والتفاني فيما تروي لنا كتب التاريخ أن النابغة الذبياني الشاعر الجاهلي المشهور كانت تُضرب له خيمة من الأدم في سوق عكاظ ليحكم بين الشعراء ايهم افضل وكان من هؤلاء الشعراء فطاحل شعر الجاهلية؟ وكانوا يقبلون بحكمه ويجلون رأيه، لانه كان اشعرهم واحكمهم. هذا الشاعر الذي كان حكماً بين رموز عصره، قال أول بيت من الشعر عندما بلغ الاربعين، ولذلك اسموه النابغة وصار اشعر اهل عصره. فهل من يتشبثون بشرط «الاربعين» يقصدون وأد الكثير من النوابغ؟ ام انهم لا يريدون ان يثبتوا خطأ وضع القيود التي اصبحوا اسرى لها منذ أن وضعت، والله وحده يعلم الظرف الذي حتم وضعها على لوائح لاتزال تتحكم في مصائر الكثيرين الذين «ابتلوا بعقدة الاربعين» وتاليتها...!!