بدءاً لابد من الاشارة الى ان شهر رمضان يكتسب صبغة خاصة بالنسبة للمغاربة بالنظر الى قدسيته من جهة واحتفاليته من جهة أخرى. فعموم المغاربة يستقبلون شهر الصيام بإحساس الفرحة والابتهاج، باعتبار انهم لا يؤدون فقط واجباً دينياً بقدر ما يخلقه هذا الشهر الكريم من أجواء تعبدية واحتفالية.. حدثتنا بذلك حرم سفير المملكة المغربية السيدة فايزة السمار التي قالت: تتجلى مظاهر الاستعداد لاستقبال هذا الشهر الكريم في تلك الحركية الدؤوبة التي تشهدها الاسواق والمحلات التجارية بداية من الاسابيع الأخيرة لشهر شعبان، فيزيد الاقبال على محلات بيع التوابل والقطاني والنشويات والفواكه الجافة، وهو تقليد دأبت عليه الاسر المغربية بكل شرائحها الاجتماعية، فالشهر هو مناسبة للالتزام الديني والسمو الروحي، الشيء الذي يقضي بالضرورة بسلوك نظام غذائي يحافظ على التوازن البدني للصائم، فلا غرابة اذاً ان تحرص هذه الاسر على إيلاء عناية خاصة لشهر التوبة والمغفرة والتقوى من خلال التبضع بما يقتضيه المقام. وهي ايضا فسحة تتفنن فيها المرأة المغربية من خلال إعداد وتوليف اصناف من الحلويات والنشويات. وهي لحظة فريدة للذين بلغوا سن الرشد لأداء واجب ديني لاول مرة بكل طواعية والتزام. كما تولي الاسر المغربية عناية خاصة لتدريب الاطفال على الصوم في سن مبكرة، وتحبيب هذا الركن من اركان الإسلام الى نفوسهم البريئة وتشجيعهم على أداء الصلاة في أوقاتها، واصطحابهم احيانا الى المساجد، ويظهر الاطفال في أول يوم يصومون فيه بأزياء تقليدية تنبههم الى اصالة آبائهم وأجدادهم، وغالبا ما يكون ذلك في ليلة السابع والعشرين من الشهر المبارك. وتصف قائلة: وأثناء وقت الصيام يعمل الكل جاهدا على ضبط عقارب ساعته على ايقاع توقيت حياتي جديد يطبعه التسامح والتقوى ولكن ايضا الحيوية والنشاط، فدواليب الإدارات العمومية والخاصة تعتمد التوقيت المستمر، وما تبقى من الوقت يتم تأثيثه بالمطالعة والقراءة والرياضة، وحلقات الدروس الدينية.وحين تصدح المدافع ويعلو صوت المؤذن إيذانا بالإفطار، يلتحق كل افراد الاسرة الواحدة، على إيقاع المسيرة القرآنية او الأناشيد الدينية او الموسيقى الأندلسية او الغرناطية او الملحون او اهازيج جهوية، حول مائدة مزدانة بألوان من المأكولات والحلويات، بدءاً من شوربة «الحريرة» الغنية بمكوناتها الغذائية الى حبات التمر والحليب والبيض واشكال متنوعة من الحلويات يقترن ظهورها بكثرة بشهر الصيام. ويختلف تقديم طعام الافطار حسب جهات المملكة، ففي الوقت الذي تحرص فيه ساكنة بعض المناطق على ان تكون الشوربة مكونة من حساء خفيف، نجد أهالي مناطق أخرى يحرصون على ان تزدان مائدة الافطار بأطباق من السمك تتعدد وتتنوع طرق تحضيرها. كما تحبذ بعض الجهات تناول طعام العشاء مباشرة بعد الافطار، في حين تؤجله عائلات اخرى الى ما بعد اداء صلاة العشاء والتراويح. ولابد من التركيز في هذا الشأن على ظاهرة حميدة هي ان التكافل الاجتماعي بين مختلف فئات المجتمع يصل الى اوجه في شهر رمضان، ذلك ان عدة جمعيات تابعة للمجتمع المدني اخذت على عاتقها منذ سنوات الالتزام بتأمين الإفطار لأعداد كبيرة من العوائل الضعيفة. وتعرف هذه الظاهرة انتشاراً وتنظيماً واسعين سنة بعد أخرى، الى درجة ان بعض الجمعيات تسعى الى تأمين الماكل والمشرب لبعض العائلات طيلة شهر رمضان. ويرعى صاحب الجلالة الملك محمد السادس -حفظه الله - هذه العملية المباركة حيث يتولى بنفسه توزيع مواد تموينية على بعض العوائل المعوزة حثاً من جلالته للموسرين من المواطنين على مؤازرة الضعفاء وإبرازا منه لروح التضامن بين مختلف فئات الشعب المغربي. وتواصل السيدة فايزة حديثها قائلة: وفي ليالي رمضان يستكين الناس الى ابتهالات المساجد وأصوات المؤذنين، وتلاوة القرآن الكريم، بينما يرتاد البعض الآخر الأندية الثقافية او الرياضية او المرافق الترفيهية او يكتفي بالتجوال في فضاءات المدن الرئيسية التي اعتادت بلدياتها إقامة أسواق تجارية خاصة. وتتبادل الاسر المغربية، خاصة بعد صلاة العشاء الزيارات العائلية لتوثيق عرى الترابط فيما بينها والحفاظ على صلة الرحم الموصى بها شرعاً. ولعل روعة العادات المغربية في رمضان تتجسد في ليلة السابع والعشرين من هذا الشهر الكريم حيث تمتاز بإفطار خاص واطباق منفردة، اذ يتم الاقبال بشدة على شراء الدجاج، وتحضير اطباق الحلويات بكثرة استعداداً لاستقبال عيد الفطر. كما تشهد المساجد إحياء تلك الليلة حتى أداء صلاة فجر صباح يوم السابع والعشرين.وعلى صعيد آخر تجدر الاشارة الى ان الإذاعة والتلفزة المغربية تقدمان مساء كل يوم من الشهر الفضيل تلاوة جزء من القرآن الكريم على ان يختم في الليلة التي يهل فيها شهر شوال معلنا انتهاء رمضان وحلول عيد الفطر.ومن العادات الحميدة التي اصبحت سنة متوارثة ومتأصلة ينفرد بها شهر رمضان في المغرب، الدروس الرمضانية الحسنية التي تقام بالقصر الملكي العامر بين صلاتي العصر والمغرب، يحضرها الامراء والوزراء والعلماء وسفراء الدول الإسلامية المعتمدون بالمغرب، ويدعى اليها عدد كبير من علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، لإلقاء ومتابعة تلك الدروس التي يلقي فيها المحاضر درسه بين يدي عاهل المغرب في جو روحاني يسوده الخشوع والتدبر.وفي إطار التحضير لاستقبال عيد الفطر تستنفر الاسر المغربية طاقاتها المادية من اجل تجديد او اعادة ترتيب مساكنها ومحتوياتها وشراء الملابس الجديدة للاطفال بل وحتى للكبار وذلك حتى تعم فرحة العيد الاسرة والأقارب والأصدقاء، وتخلق بذلك الاجواء اللائقة للترحيب بالمهنئين بالعيد السعيد.