الطفل عالم مليء بالبراءة والاحداث الجميلة.. بل هو كالنبتة اليانعة تحتاج دائماً لمن يرعاها ويسقيها..وإذا ما اهملت ذبلت ومات جمالها وانتهى بها الاجل الى النسيان، واعجب كثيراً من اولئك الذين يساهمون عمدا في اغتيال الطفولة.. ومما زاد في عجبي شكوى كثير من الامهات مما يتعرض له الابناء من عنف سواء في المدرسة او في البيت او حتى وهو يلعب مع الاتراب ويتعرض الى ردود فعل كثيرة جاءت نتيجة افرازات الاحداث غير السوية.. وها هي ام محمد.. تحتضن بين ذراعيها محمد وتجوب الارض بحثاً عن تفسير لحالته النفسية المتراجعة يوماً بعد يوم.. وقبل ان نعرف مشكلة محمد. ومهما كانت مشكلة محمد.. اجزم ان الام كانت تمتلك زمام الامور قبل ان يقع محمد في فخ الاحداث التي اغتالت براءته الرائعة.. كان عليها التقرب من محمد ومراقبة سلوكه واوقاته التي يقضيها والتغيرات التي تطرأ على شخصيته.. كان يجب ان تدرك ان وراء الانطواء وحالات الهرب التي يمر بها شيئاً عظيماً.. ولكن للاسف الشديد ام محمد لاتتميز بما يتميز به كثير من الامهات اللواتي يستطعن معرفة المجريات من خلال السلوك معتمدة في ذلك على عاطفة الام التي لايساورها شك ولا يخالطها ظنون، لقد انشغلت ام محمد عن محمد بسفاسف الامور وحب الظهور و التوترات التي كانت تصارعها في علاقتها الزوجية حتى بات محمد الطفل البريء يحصد وبال الاحداث المريرة وسلبيات العلاقات القديمة!! اعتقد ان الجميع متلهف لمعرفة مشكلة محمد ذلك الطفل المفع بالاسى.. الذي اخذ تطعيماته ضد كآبة الظروف في وقت مبكر جداً لا يتجاوز الخمس سنوات، كان يتجرع الالم ولا يستطيع ان يعبر عنه إلا بهروبه الدائم من اقرب الاشخاص لديه مستجيرا من الرمضاء بالنار.. محمد يتعرض لتحرشات جنسية قضت على طفولته بشكل واضح في ملامحه التي تعبر عن عمق الاسى وظلم الحدث وهو في حقيقة الحال لا يستطيع ان يفصح عن مأساته خوفاً من البطش ويعتقد محمد مواسيا نفسه ان مثل هذه التحرشات تأتي نتيجة حنان متدفق!! وحينما طرقت والدته جميع الابواب للطب النفسي وقع ابنها فريسة مرة اخرى للادوية والجلسات المعدمة التي حطمت باقي كيانه الصغير.. حتى اصبح الامر بالغ الصعوبة، وفي نهاية المطاف حدثتني الام مستجيرة بان اكلم لها الدكتورة هناء المطلق بما عُهد عنها من قدرة على حل مثل هذه القضايا وتعاطفها مع الطفولة ومساعدتهم. ولكن للاسف الشديد يفقد الاب حاجزاً منيعاً ضد رغبة الام في شفاء ابنها.. خوفاً من العار وخشية الفضيحة.. ماهذه الشكليات الاجتماعية التي تحكم على طفل لم يتجاوز الخامسة بالسكن داخل زنزانة الاحداث وظلم البشرية من اقرب الاقرباء.. واتساءل في ظل الظروف الراهنة وضمن عجلة التنمية التي برزت خلالها مراكز لحقوق الطفل واهتمام المسؤولين والمتخصصين في اعطاء الطفل حقه في الرعاية والاهتمام في كل المجالات الحياتية.. اتساءل هل سيظل الحق متاحاً امام مثل هذا الاب الذي يداري الفضيحة بالظلم العظيم.. ان عيادات الطب النفسي تزدحم بالاطفال الذين وقعوا فريسة التحرشات الجنسية والمشاكل الاجتماعية، الامر الذي ينبئ عن قضايا ازلية وعنف ضد الطفولة منذ بدء البشرية ولاشك ان مثل هذه المشاكل التي يتعرض لها الاطفال هي تعبير واضح عن كبت قاهر جاء نتيجة تجارب قاسية تعرض لها الاخرون في طفولتهم واهملت حتى تحولت الى مرض نفسي بدأ يظهر الآن على شكل اساليب قديمة كانت تمارس معهم في الصغر.. ولو اهمل هذا الامر لتحولت الحياة الى سلسلة من التجارب المتشابهة ينجم عنها اجيال مريضة ومليئة بالعقد والافرازات. اننا وبحزم ننتظر خطوات فاعلة من جهات كثيرة تهتم بالطفولة ان تضع استراتيجيتها في حماية الطفولة من كبت عميق!!