انتهت العطلة الصيفية واستعدت المدارس لاستقبال طلابها، فالقدامى منهم يدلفون فصولهم دون غربة وقد ألفوها سابقاً اما الجدد وهم طلاب الصف الاول فهم الغرباء ولاول مرة تطأ اقدامهم بوابة المدرسة ويخطون الخطوة الاولى نحو الفصل ليجدوا عالماً جديداً بنظامه وأفراده ومحتوياته ومرافقه ولعل اهم ما يتعرف عليه طالب الصف الاول هو ذاك المعلم الذي تقع عليه المسؤولية العظيمة في نجاح اللقاء الأول بينه وبين تلاميذه لأن في هذا اللقاء تتحدد العلاقة الجديدة بين المعلم وطلابه فان احسن المعلم ادارة هذا اللقاء مع تلاميذه ووفر المناخ النفسي الطيب الذي يحقق اهداف العملية التربوية فنجد علامات الرضا والقبول له ترتسم على محيا تلاميذه وربح المعلم والطالب صفقة تربوية هي بمثابة حجر الأساس ليستند عليها المعلم في اكمال مهمته الشاقة، حيث ان هذه الصفقة التربوية هي عامل نفسي مهم لدى الطالب الذي انتقل من بيته الى هذه المدرسة الجديدة، حيث سلم الوالدان الى هذا المعلم المربي فلذات اكبادهم وكلهم ثقة واطمئنان بان يكون هذا المربي اهلاً للامانة والمسؤولية التربوية التي يفترض ان يكون لديه الاستعداد والموهبة والتضحية وميل نحو الطفولة وحب أكيد لها فمحبة المربي لتلاميذه مدعاة لمحبة التلاميذ له وهذه المحبة المتبادلة هي اساس كل عمل تربوي ناجح لأن النفس البشرية فطرت على حب من احسن لها، فعالم الطفولة له خصائصه النفسية والاجتماعية والفروق الفردية فان المعلم الذي لديه خبرة في هذه الامور يستطيع على ضوئها فهم المتعلم الصغير ومعرفة ميوله وطبائعه ورغباته واذا عرفنا ان الشخصية هي صفات المرء الذاتية التي تكسب صاحبها محبة الغير واحترامه فان قوة الشخصية لدى المعلم هي براعته في استهواء تلاميذه وامتلاكه لانتباههم واستدراجهم كي يقبلوا عليه والمعلم هو الذي يتم ما بدأته مدرسة البيت على اسس اكثر فاعلية وأرقى أسلوباً وانتقلت اليه مسؤولية اتمام بناء الطالب اجتماعياً وفكرياً وجسدياً ونفسياً وغرس القيم وترسيخ المبادئ وتعميق المفاهيم وصقل المواهب وتنمية القدرات والخبرات وبهذا يعكس المعلم صوراً رائعة ناطقة بالخلق الرفيع والسلوك القويم والعلم العظيم فتنساب في نفوس طلابه يقدمهم للامة رجالاً صالحين وللأوطان بناة يسمون به ويعلون شأنه ويضعونه بالمكانة التي يستحقها والتي كانت وستكون في أول القافلة وعلى قمة الحضارة ويعكس صوراً ابداعية تتشربها عقول طلابه ونفوسهم فيجود للأمة بجهابذة الفكر وأساطين الابداع يعكس لوحات جميلة تصقل أحاسيس طلابه ووجدانهم فيقدم للأمة ايادي الفن الجميل والبيان الساحر ويعكس صوراً للبطولة والاقدام والتضحية والجهاد وتغوص في اعماق طلابه ووجدانهم فاذا هم فرسان الوغى وجنوده يذودون عن الدين والوطن يعكس صوراً للفضيلة والحب والمودة فيتلقفها طلابه فاذا هم شريان الحياة المتدفق بكل معاني الاخاء والسمو لمجتمع تسوده المحبة والتكافل والعفة والشفافية يعكس صوراً للفتوة والاستعلاء فتبحر في اعماق طلابه فتتفجر الطاقات الكامنة في نفوسهم فيذللون الصعاب ويصنعون المعجزات يعكس صوراً للطموح بلا حدود فيستقبلها طلابه يحلقون بها في سماء الاستشراف لمستقبل زاهر وعظيم يعيد للامة فاعليتها ودورها الريادي الحضاري المشرف. إضاءة كتب ابن حبيب لمعلم بنيه قائلاً: فلتكن اول ماتؤدب نفسك فان عينك متعلقة بهم وأعينهم متعلقة بك فالحسن عندهم ما استحسنته والقبح عندهم ما استقبحته.