تلقى قضية توفير مسكن اقتصادي اهتماماً بالغاً من قبل المختصين في علوم العمارة والتخطيط والهندسة والاقتصاد..، ويحاول كل مختص طرح حلول وأفكار للحصول على المسكن الاقتصادي من وجهة نظره أو من منطلق اختصاصه العلمي، وكثيراً ما نجد مختصاً يشجع مادة بناء معينة أو أسلوب بناء معين ويؤكد ان ذلك هو الحل الاقتصادي الأمثل، ويدلي بأرقام وإحصاءات وتجارب، تشكل في النهاية تأييداً منطقياً وقاطعاً لوجهة نظره، ويأتي بعد ذلك المختص، مختص يخالف المختص الأول، ويدلي هو الآخر بأرقام وإحصاءات تثبت عكس ما قاله مختصنا الأول.. ومختص ثالث يخالف المختص الأول والثاني، ثم يأتي مختص رابع يخالف ويناقض نفسه!!.. وستستمر الخلافات والجدل في قضية توفير مسكن اقتصادي إلى ما شاء الله، لأن موضوع توفير مسكن اقتصادي موضوع معقد أشد التعقيد، نظرا لما يكتنفه من جوانب نفسية واجتماعية وأمنية وسياسية وبيئية وجمالية واقتصادية.. ومن البدهي ان تختلف أفكار وآراء ووجهات نظر المختصين، فكل فتاة بأبيها مغرمة، والمشكلة التي ينبغي للمجتمع الحذر منها هي: ان الكثير من أفكار هؤلاء المختصين تجد من يدعمها ويتبناها رغم قصورها في جوانب عدة.. وكثيرا ما كان أفراد المجتمع مع الأسف فئران تجارب تطبق عليهم أفكار المختصين والمستثمرين، وإن حدث ضرر، أفراد المجتمع هم أول المتضررين!!.. وسؤالي هنا.. ما دامت قضية المسكن الاقتصادي قضية متشعبة وتمس المجتمع بالدرجة الأولى، أين هو دور ومشاركات أفراد المجتمع فيها؟!.. أين هي آراء ووجهات نظر من سيسكنون تلك المساكن؟!.. ما هي احتياجاتهم الفعلية؟!.. وما هي الكماليات التي يعتقد بعض المختصين انها أشياء أساسية؟!.. ما هو ..؟!.. متى، وهل، ولماذا ..؟! هلاّ ساعدتمونا يا أبناء وطننا لننتج لكم مساكن اقتصادية. تحت شعار المسكن الاقتصادي عُقد الملتقى الثاني للهندسة القيمية الذي نظمته الهيئة السعودية للمهندسين، وطرح المختصون العديد من الآراء والأفكار الهادفة للخروج بمسكن اقتصادي، وقد تعهدت في مقال سابق تزويد قراء الجزيرة الأعزاء ببعض الأفكار المعمارية والهندسية التي طُرحت.. وهدفي من ذلك إطلاع المجتمع على آراء ووجهات نظر زملائي المختصين، إيماناً مني بضرورة توعية وتثقيف المجتمع بما يطرحه المختصون، وتأكيداً على أهمية رأي المجتمع ومشاركته في قضية المسكن الاقتصادي، لأن المجتمع هو صاحب القضية، وهو القريب منها، وقد يرى ما لا يراه المختص.. وقد يطرح أفراد المجتمع أفكاراً بسيطة ويكون لها أثر كبير في تقليل تكلفة مساكننا، أو قد تساعد تلك الأفكار المختصين في الخروج بأفكار جيدة تخدم القضية، وكثيرا ما طوّر المختصون أفكار المجتمع وترجموها إلى حلول واقعية وناجحة.. والأمثلة على ذلك كثيرة، ولا داعي لكثرة الكلام «والبربرة» فخلاصة القول: مهم جدا مشاركة المجتمع في قضية الحصول على مسكن اقتصادي.. ومهم جدا تقويم المجتمع لأفكار هؤلاء المختصين ومناقشتها جيدا وتمحيصها قبل تبنيها أو تطبيقها، ولنتذكر ان هدفنا جميعاً في النهاية: الحصول على مسكن اقتصادي.. فأين هو ذلك المسكن الاقتصادي ؟!.. وضح المهندس أيمن بن عمر آل عابد في ورقة البحث التي قدّمها تحت عنوان «العوامل المؤثرة في المسكن الاقتصادي» أن المفهوم العام للمسكن الاقتصادي يتلخص في نقاط عدة، ذكر منها: عدم الإسراف في الفراغات والمساحات، ومراعاة النواحي البيئية والطبيعية أثناء عملية التصميم، والحذر من استخدام بعض مواد البناء التي تؤثر على الإنسان والبيئة، واستخدام مواد البناء المحلية قدر المستطاع.. يقول المهندس آل عابد: «والعمارة المحلية القديمة خير مثال للتعامل مع البيئة والصحة واستغلال المواد الأمثل».. ويقول: «إن غياب البدائل العملية لمواد البناء والاعتماد على مواد معينة في البناء وعدم استخدام المواد المحلية الطبيعية جعل من ارتفاع مواد البناء عائقاً أيضا أمام المسكن الاقتصادي، ولا شك ان ذلك يظهر جلياً من خلال التكاليف الباهظة لمواد البناء».. وفي ختام البحث وضح الباحث أن رسالته التي يسعى إلى تحقيقها هي الخروج بمسكن اقتصادي وتسهيل امتلاكه لكافة أفراد مجتمعنا.. فشكراً له وجزاه الله عنا خير الجزاء. وتحت عنوان «المسكن الاقتصادي من منظور استهلاك الطاقة» دعا المهندس علي بن عثمان الناجم إلى تبني الحلول والمعالجات المعمارية التي تساعد في ترشيد استهلاك الطاقة واقترح استخدام ما يسمى ب «مباني الظل» وهي مبانٍ يتم تصميمها بأسلوب معماري بيئي مدروس، يهدف إلى حماية المسطحات الزجاجية من أشعة الشمس المباشرة، مما يؤدي إلى تخفيف الحمل الحراري على أجهزة التكييف، وبالتالي ترشيد استهلاك الطاقة، ومن ثم الخروج بمسكن اقتصادي من حيث تكلفة تشغيله.. وقد اقترح المهندس الناجم التحول في التخطيط من نظام الوحدات السكنية المفصولة أو المستقلة إلى الأحياء المتضامة Compacted وذلك للحد من المساحات المعرضة للشمس، وأشار إلى دراسة تؤكد ان توفير الطاقة في الأحياء السكنية المتلاصقة تصل الى 27%.. ويشير البحث إلى ارتفاع نسبة استهلاك مساكننا للطاقة.. يقول المهندس الناجم: «إذا علمنا ان فئات الاستهلاك للطاقة الكهربائية في المملكة العربية السعودية هي السكني والتجاري والحكومي والمساجد وإنارة الشوارع والمستشفيات والجمعيات الخيرية والصناعي والزراعي.. فان القطاع السكني يعتبر من أكبر فئات الاستهلاك أو المستهلك الأكبر للطاقة الكهربائية، حيث يعادل استهلاك هذا القطاع وحده بقية الفئات الاستهلالية مجتمعة..». أتمنى ان يتبنى زملائي المعماريون ومخططو المدن الأفكار المعمارية والعمرانية التي تساهم في ترشيد استهلاك الطاقة كالتي تحدث عنها الباحث جزاه الله خيراً. وأما الأستاذ الدكتور عماد وليد شبلاق فقد قدّم بحثاً رائعاً عنوانه «مشاريع الإسكان الخيرية.. ومساكن ذوي الدخل المحدود هل يمكن إدراجها تحت مفهوم المسكن الاقتصادي؟»، ووضح وفقه الله وجود أساليب وممارسات خاطئة يستخدمها البعض لتخفيض التكلفة.. يقول البروفسور شبلاق: «ومن هنا لا بد لنا من وقفة عل ... عفواً أعزائي القراء.. كما ترون لم يعد هناك مساحة كافية لطرح باقي الموضوع.. فلنؤجل الحديث إلى اللقاء القادم.. والى اللقاء .. القادم. فاكس: 4267383 01