قال تعالى: {يّرًفّعٌ اللَّهٍ الّذٌينّ آمّنٍوا مٌنكٍمً وّالَّذٌينّ أٍوتٍوا العٌلًمّ دّرّجّاتُ} وقال تعالى: {إنَّ الّذٌينّ آمّنٍوا وّعّمٌلٍوا الصَّالٌحّاتٌ سّيّجًعّلٍ لّهٍمٍ الرَّحًمّنٍ وٍدَْا} (مريم: 96) * كل الدنيا ضاقت في وجهي على سعتها وتمنيت لو أن محدثي كان كاذباً أو مخطئاً، إن من أصعب اللحظات على الإنسان أن ينعى إليه شخص عزيز عليه أثير على نفسه وكيف إذا كان اجمع مع ذلك أن تكون محبة هذا الشخص وتقديره مكان إجماع السواد الأعظم من الناس. لقد كان لوفاة شيخنا ووالدنا الشيخ عبدالرحمن آل فريان العالم الزاهد وقع كبير على نفسي وأن من هول الصدمة لا أكاد أصدق ما سمعته لأنه كان عالماً متميزاً في علمه فقد جمع بين العلم والورع والزهد. لقد كان رحمه الله يتمثل وصية النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أزهد في الدنيا يحبك الله وأزهد فيما عند الناس يحبك الناس). قال تعالى: {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ تّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّتّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ وّتٍؤًمٌنٍونّ بٌاللَّهٌ} (آل عمران: 110) . كان الشيخ رحمه الله لا يكاد يذكر له منكراً صغيراً أو كبيراً خاصاً أو عاماً وسواء كان من فرد أو جماعة إلا بادر بإنكاره وتغييره بما يستطيع وإذا زاره أحد أو اتصل به بشأن منكر من المنكرات فإنه يجد الشيخ متجاوباً معه مستمعا له. وكان دائماً يحث على إحياء هذه الشعيرة ويؤكد على ضرورة التواصي بها. لقد ارتبط اسم الشيخ بالقرآن وكلما رأيت حافظاً للقرآن تذكرت الشيخ وإذا رأيت حلقه لتحفيظ القرآن تذكرت الشيخ وكان حريصاً كل الحرص على هذه الحلقات لا يرد من دعاه لتكريم الحفظة وتشجيعهم ودعمهم مادياً ومعنوياً ولو كان المكان بعيداً وان شق عليه الطريق. أتذكر أن الشيخ كان لديه جولة دعوية في جنوب المملكة وكان موعد عودته يوم الأربعاء فاتصل عليه إمام مسجد من محافظة الخرج وأفاده أن لديهم حفلاً لحفظة القرآن يوم الأربعاء بعد المغرب وطلب من الشيخ الحضور فوافق فعاد الشيخ للرياض يوم الأربعاء بعد العصر وذهب من المطار إلى محافظة الخرج مباشرة ولم ينته الحفل إلا الساعة التاسعة والنصف مساء. وكان الشيخ رغم كبر سنه يقوم بجولة دعوية سنوياً في جازان ونجران وأبها وجميع مناطق المملكة فيقوم بإلقاء المحاضرات في المساجد والدوائر الحكومية ومدارس البنين والبنات وكان لا يرد أي شخص يدعوه إلى محاضرة أو ندوة في أي منطقة من مناطق المملكة. وكان الشيخ حريصاً كل الحرص على عمارة بيوت الله وقد شيد على يديه من المساجد ما لا يحصى فكان الشيخ يبني على حسابه أو يكتب للمحسنين في ذلك. أتذكر موقفاً للشيخ أن أحد الأحياء بحاجة إلى مساجد وتوجد أرض فضاء فاتصل الشيخ بالمالك وعرض عليه ثلاث خيارات: الأول: أن يبني المالك المسجد. الثاني: أن يتبرع بالأرض ويبني الشيخ المسجد. الثالث: أن يشتري الشيخ الأرض ويبني عليها المسجد. لقد نال الشيخ أسمى مراتب الحب من عامة الناس والفقراء والمنقطعين فقد كان بعد الله نصير الضعيف ومأوى المنقطع وعابر السبيل. وكان يتسابق لحبه ونيل رضاه التجار والأغنياء أهل اليسر والثراء لأنه كان يدلهم ويحثهم على عمل الخير وينصحهم إذا أخطأوا ولا يجاملهم على حساب الدين. وفي يوم الخميس 7/7/1424ه ذهب الناس إلى مسجد عتيقة الذي لم يمر عليه مثل هذا الازدحام سواء في صلاة الجمعة أو صلاة العيدين حيث توافد الناس من بعد صلاة الظهر وأقبلت القلوب قبل الأقدام وسالت الدموع وارتبك خط السير وازدحمت الشوارع المحيطة بالجامع فلم نر في ذلك اليوم الجامع إلا رجلاً يبكي أو حزيناً وكنت انظر إلى الناس وما هم فيه من كرب عظيم. فلما صلى الإمام الصلاة على الميت ضج الناس بالبكاء وجادت العيون بالدموع واشتد أزير الصدور فلما انتهى تدافع الناس باتجاه الجنازة وعظم الزحام. وعندما وصلت الجنازة إلى المقبرة وحملت على الأكتاف اشتد الموقف وخشينا على الجنازة من ذلك التدافع المهول والسباق على حمل الجنازة. وكان على كثرة الناس الكل يرغب المشاركة في دفن الشيخ فاستمر دفن الشيخ أكثر من ساعة، وأتذكر قول فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وهي تقول للصحابة (كيف طابت نفوسكم وأنتم تحثون التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم). أتذكر قول الإمام أحمد بن حنبل لأهل البدع (بيننا وبينكم الجنائز). رحمك الله يا من بذلت مالك وجاهك ووقتك لخدمة الإسلام والمسلمين وفتحت بابك وصدرك وقلبك للمحتاجين نسأل الله أن يجمعنا وإياك في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.