يوضح فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن زيد الزنيدي الاستاذ بكلية الشريعة بالرياض في هذا الحوار بأن علماء السلف على مر العصور هم الذين اشتهروا ببعث حركة الاجتهاد وخاصة في الأوضاع الثقافية المتكلسة. كما يؤكد د. الزنيدي في حواره مع «الجزيرة» بأن كثيراً مما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان متسق مع الإسلام، وجار على مبادئه في الكرامة الإنسانية والعدالة. ويتطرق د. الزنيدي ايضاً إلى التغرير بفتيان المجتمع وغسل ادمغتهم ليصبحوا محاربين لمجتمعهم، وعن التشويه المتعمد لصورة الإسلام. * دائماً يؤخذ على أهل السنة والجماعة انهم اقفلوا باب الاجتهاد منذ القرن الرابع وان هذا الإقفال هو الذي أدى إلى عدم مواكبتنا لمستجدات العصر ووضع الحلول لها وتحديد الموافق منها، فإلى أى مدى يمكن أن نكون جازمين بصحة تلك المقولة؟ - يحسن بنا حتى لا نقع في ترديد مقولات غير محررة أن نعي امورا: اولها: إن قفل باب الاجتهاد وارى أن التسمية الأولى هي «رفض الاجتهاد» لا تنسب إلى مذهب بعمومه خاصة إذا قصدنا بأهل السنة والجماعة اهل الاثر او من يسمون بالسلف لان العكس هو الحق تاريخيا ذلك أن علماء السلف على مر العصور هم الذين اشتهروا ببعث حركة الاجتهاد وخاصة في الاوضاع الثقافية المتكلسة المتخوفة من الاجتهاد ولهذا كان من التهم التي يشترك فيه غالب هؤلاء الائمة «الدعوة إلى الاجتهاد» وترتيب اللوازم عليها من قبل مناوئيهم مثل التهوين من شأن المذاهب الفقهية ونحوها. ابن تيمية - محمد بن عبدالوهاب، الإمام الشوكاني - صديق خان .. إلخ. والسبب في كون الاجتهاد ركيزة في دعواتهم الإصلاحية هو منهجهم العقدي الذي يقضي ليصبح إيمان المسلم أن يرد كل الاشياء الى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وان العالم القادر على ادراك الحكم من قواعد الشريعة ونصوصها لا يجوز له شرعا ان يعدل عنها الى الافتاء بحكم لمجرد كون آخر قال به، وأعظم منه أن يعرف من هذه الشريعة ما يخالفه ثم يتشبث به. هذا امر وامر آخر هو ان هدف الممانعين للاجتهاد في اول الامر كان والله اعلم يهدف لعلاج مشكلة زمنية تتمثل في الافتقاد الى القدرات العلمية المؤهلة للاجتهاد ورجوع الناس الى طلاب علم قليلي المعرفة بالشريعة، وغير ممتلكين لادوات الاجتهاد مما جعلهم يتخبطون في امور الشرع ويصدرون احكاماً فجة لا تتسق عند التحقيق مع روح الشريعة ومقاصدها وتشريعاتها التي غابت عنهم وكما هو المعتاد خاصة في عصور الضعف أن الفتاوى لا تبقى منشده لظرفها التي اقتضاها وانها تتحول عند الناس الى حكم مطلق وخاصة اذا توافق مع رغبة رجال السياسة حيث يجعلون مقتضاها ماضياً بحكم السياسية لا بمجرد القوة المعنوية، وهذا ما حصل حيث وضعت شروط لكثير من المدارس تقضي بأنه لا يتبوأ منصب التدريس فيها، ولا يتمتع بمزاياها المادية والادبية الا نفى عن نفسه دعوى الاجتهاد، وصار مقلداً لاحد المذاهب وربما حصر بمذهب معين. الامر الثالث: المتعلق بكون عدم الاجتهاد هو السبب في عدم مواكبة المسلمين لمستوى عصرهم اسلامياً: هذا صحيح تماماً وخاصة في العصر الحاضر الذي تغيرت فيه الحياة تغيراً هائلاً عن الانماط التي صيغ كثير من الفقه القديم في ظلها لكن المشكلة الآن ليست هي «قفل باب الاجتهاد» فهناك الآن دعوة للاجتهاد ولرفض التقليد يشترك فيها عموم اهل العلم والفكر من الطرف الليبرالي الى الطرف المسمى بالسلفي، وهي دعوة تكاد احيانا تتجاوز الحدود المنطقية بأن تفرض على كل فرد ان يجتهد لنفسه، المشكلة الحقيقية هي في نقص الكوادر القادرة على اجتهاد سديد يبنيه صاحبه على فقه راسخ بالشريعة قواعد واحكاماً جزئية وتناسبا بينهما، وعلى وعي عميق متماسك بالواقع الذي يتحرك فيه في خلفياته وظواهره ومؤثراته حتى يكون هذا الاجتهاد محققا هدفين لابد منهما: - تشكيل نمط حياتي «فكري وعملي» يجمع بين كونه اسلاميا وعصريا في الوقت نفسه. - طمأنينة النفس المؤمنة المعاصرة بأنها تحقق دينها وفق هذا النمط الحياتي من جهة، وتعيش عصرها بإنجازه الحضاري المتسارع من جهة اخرى. الحريات والشريعة *الحريات الممنوحة للإنسان في ظل الشريعة الإسلامية كثيرة ومتعددة، غير أن هناك من يحاول تقييد هذه الحريات بتقسيمها الى حرية الرجل وحرية المرأة، ما رأيكم في هذا التقييد، وماهي الحقوق الممنوحة للإنسان بشكل عام؟ - قد يكون تقسيم الحرية إلى حرية رجل وامرأة تقسيما تعليميا تربويا ولا ضير في ذلك، وقد يكون التقسيم واعيا بخطورة التعميم الذي يمارسه المقابل الذي يطلق حرية الإنسان ليقفز على التمايزات التي جعلها الله بين الرجل والمرأة، فمثلا الرجل مباح له أن يكشف رأسه وظهره وصدره وعضديه امام الناس - بشكل عام - اي انه حر في هذا الامر بينما المرأة لا يجوز لها ذلك لانها مأمورة بالستر عن الاجانب. والرجل يسافر وحده، والمرأة لا تسافر الا مع ذي محرم وهكذا فليس التقسيم للحريات مغرضا دائماً. اما حقوق الإنسان في الشريعة ماهي؟ فليس من السهل تفريدها هنا لكني احب ان اشير الى ان مشكلة الامة ان مولودات الصدمة الحضارية مع الغرب جعلت مواقفهم لاتزال مهتزة حتى الآن وما تزال ثنائية الاندماج من جهة والرفض الصارم من جهة اخرى هو الذي يحكم كثيرا من المواقف مما يكون له انعكاس على التعامل مع الحقائق نفسها، لا فقط مع معطيات الغرب. حقوق الإنسان في الإعلان العالمي، الموقف منها انعكس حتى على النظر في حقوق الانسان بمطلقها لدينا. والحق ان كثيرا مما في الإعلان والمواثيق الدولية متسق مع الإسلام، وجار على مبادئه في الكرامة الانسانية والعدالة وان اكثر مما يتناقض مع تلك المعطيات إما تقاليد مجتمعية موروثة ليس لها من الشرع سلطان، او اوضاع سياسية ترى في اعطاء تلك الحقوق زعزعة لسلطتها. ويكفيك دليلا على ذلك محدودية النقاط التي تحفظت عليها المملكة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مما رأت مخالفته للشريعة الإسلامية. تهييج العامة * يستوهم البعض أن في تهييج العامة عن طريق استخدام المنابر مصلحة شرعية ودنيوية.. ما رأيكم بتلك الاقاويل؟ - «تهييج العامة» هذا مصطلح ملغوم لا يحكم عليه الا بتحديد حقيقته، مضمونه. حينما تتهجم صحيفة، او كاتب على حكم من احكام الشرع، او امام من الائمة فيغار الخطيب لحرمات الدين ويرد على الصحيفة. حينما يدعو داع الى فجور فيكشف الخطيب فساد دعوته وخطورتها. حينما يغرر بفتيان المجتمع وتغسل ادمغتهم ليصبحوا محاربين لمجتمعهم ويعبثوا بأمن وطنهم واهلهم، فينصح الخطيب اولياء الامور بالاهتمام بأولادهم وتحذيرهم من الاصدقاء المشبوهين ومتابعتهم في تحولاتهم حذرا عليهم. هل هذه الصور التي يمكن أن يصدق عليهم وصف تهييج عامة مرفوضة، أليست المصالح الشرعية تقتضيها بداهة بل ما معنى الخطابة ان لم تكن هذه!!!! لكن إن كان المقصود تهييج العامة في امر يترتب عليه مفاسد عامة سواء في توتير العلاقة بين الحاكم والشعب، او في خلافات فقهية يتشاد فيها الناس فهذا لا يليق بالخطيب وليس من الحكمة وقد يكون الخطأ مرتدا الى اللجنة التي حكمت بصلاحيته اساساً لكن مثل هذا يبقى شذوذا بين آلاف الخطباء الحكماء المسددين. الحملات المضادة * في ظل التشويه المتعمد لصورة الإسلام والمسلمين ما المحاور الرئيسية التي ترون ضرورة التأكيد عليها من اجل صياغة استراتيجية فعالة لمواجهة الحملات المضادة للاسلام وإيجاد منهج صحيح له ولحضارته؟ - اهم شيء في تصوري ينبغي اتخاذه لتصحيح التصور المشوه عن الإسلام وحضارته. - أن يكون المسلمون على مستوى اسلامهم في ادبهم واخلاقياتهم واسلوبهم الحضاري في التعامل مع الناس مسلمين وغير مسلمين والا فما قيمة كتب وبرامج عن الإسلام وحضارته توجه للغرب «وليتها توجه» والغربيون يعايشون نماذج من العرب والمسلمين سيئي الاخلاق ضعيفي الذوق، متخلفين في طرائق التعامل؟! - ان نمتلك ثقتنا بأنفسنا وبقيمنا وإسلامنا، ان الدونية المفرطة التي يشعر بها بعض المثقفين والسياسيين امام الغرب تعكس لدى الغربي شعورا بفقر هذا المسلم في رصيده الحضاري. - الشعور بالولاء الصادق للاسلام ولاء تتوافق عليه كافة الشرائع علماء ودعاة ومثقفون وسياسيون فمن التناقض المحبط امام الآخر ان يقف المسلمون امامه في حالة تناحر وتنازع وهدم متبادل في الافكار والرؤى والمبادئ. - ايضا فانه من الضروري التوازن في تقديم إسلامنا للآخرين دون اختزال لجانب او جوانب منه نتيجة رد الفعل للمواقف المضادة فإذا كان خطأ تصوير الإسلام بالصورة الدموية الاعتدائية التي يحكمها التشدد والعنف في التعامل مع الآخر مسلم او كافر. فان من الخطأ ان نلغي جوانب العزة والكرامة، والقوة التي ارادها الله لأتباع دينه لتحفظ بها الحقوق وتقام بها العدالة وتشاد عليها الحضارة. اننا حينما نلغي ذلك ونصور الإسلام بأنه دين استسلام وخنوع، ونفصله على مستوى احوالنا النفسية واوضاعنا الراهنة المتردية نسيئ الى الإسلام اولا، والى من نقدم لهم الاسلام ثانيا، والى انفسنا ثالثا، لاننا ننزع الثقة منها لدى الآخرين الذين يدركون خطأ هذا التصور لبداهة وجود الكرامة والعزة والقوة وتمثلاتها في الجهاد والدعوة وإعلاء كلمة الله مما يدركه كل من عنده ادنى المام بالاسلام في تعاليمه او تاريخه. نعم ينبغي ان نبرز هذه القيم السامية في إطارها الحضاري من خلال القيم العليا الحاكمة لها عدلا وإحسانا وبرا وتعاونا على الخير والحق مع كل احد، وهي قيم تلتقي على مضامينها عامة البشرية منظمات وافراد.