انه لايمكن للرجل ان يعيش دون اصدقاء في هذه الحياة بل هو الذي يسعى الى تكوين صداقات مع عدد من الناس يجتمع بهم ويجتمعون اليه يزورهم ويزورونه يأنس بهم ويسرون بلقياه، يساعدهم ويساعدونه، وقد قال ابن خلدون «الانسان مدني بطبعه» اي انه بطبيعته يميل الى الناس ويأنس بهم كما قال الشاعر: وما سُمِّي الانسان إلا لأنسه وماسُمِّي القلب إلا أنه يتقلب ويلعب الصديق دوراً مهماً وكبيراً في حياة الانسان في هذه الدنيا بل وفي الآخرة ايضاً وقد ذكر الله عز وجل الصديق في اكثر من موضع في القرآن ومن ذلك قوله تعالى{فّمّا لّنّا مٌن شّافٌعٌينّ وّلا صّدٌيقُ حّمٌيمُ }. قال قتادة يعلمون والله ان الصديق اذا كان صالحاً نفع وان الحميم اذا كان صالحاً شفع، وقوله تعالى {أّوً صّدٌيقٌكٍمً} وقد قرن الله تعالى في هذه الآية الصديق بالقرابة المحصنة الوكيدة. قال ابن عباس «الصديق أوكد من القرابة الا ترى استغاثة الجهنميين {فّمّا لّنّا مٌن شّافٌعٌينّ $ّلا صّدٌيقُ حّمٌيمُ } وفي المثل: أيهم احب اليك، اخوك ام صديقك؟ قال اخي اذا كان صديقي. وكان علي رضي الله عنه يقول: عليكم بالاخوان فإنهم عدة الدنيا وعدة الآخرة، الا تسمع الى قول اهل النار {فّمّا لّنّا مٌن شّافٌعٌينّ وّلا صّدٌيقُ حّمٌيمُ }. ان فن انتقاء الاصدقاء واعطاءهم حقوقهم كاملة غير منقوصة يستحق ان يعنى به علماء الاجتماع والنفس والتربية عناية خاصة وسيجدون نظاماً وافياً متكاملاً في شريعة الاسلام فالنظام الاجتماعي في الاسلام علم عظيم ينظم علاقة الانسان مع نفسه ووالديه وزوجته واولاده واقاربه وجلسائه واصدقائه وجيرانه وضيوفه ويذكر لهم حقوقهم عليه ويوجب عليه اداءها ويحرم عليه التقصير في شيء منها بل ويجعل من كمال الايمان اداءها والتقصير فيها قصور وضعف في الايمان. ان من اهم عوامل نجاح علاقة الصداقة والاخوة ان يهتم الرجل بصفات من يريد مصاحبته وبناء علاقة اخوة معه وقد عني الاسلام كثيراً بعلاقات الاصدقاء والاصحاب والاخوان بل دعا الى التآخي والتوادد والتراحم وبيّن اصناف الاصدقاء ومن تجوز صحبتهم وصداقتهم ومن لا تجوز وبيّن فوائد ومنافع هؤلاء واضرار ومفاسد هؤلاء، ووضع قواعد وطرقاً لاتخاذ الاصدقاء فمن عمل بها نجحت علاقته باصدقائه دون ادنى شك ومن عمل بعكسها ستفشل علاقته باصدقائه ولو بعد حين. يأكل طعامك الا تقي» فعلم الاجتماع كله في هذا الحديث الذي يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بأن لا يصاحب الا مؤمناً. وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً للجليس الصالح والجليس السيىء كحامل المسك ونافخ الكير.. فقد بلغت عناية الاسلام بالصحبة إلا يجالس المؤمن الا الصالحين واهل الخير والمروءة ومكارم الاخلاق والعلم لأنه ينتفع بمجالستهم ويزداد ايمانه وعلمه وعمله الصالح ونهى عن مجالسة اهل الشر لأن الصاحب ساحب ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك «المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل» وفي القول المشهور «قل لي من تصاحب اقل لك من أنت». قال عدي بن زيد: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي اذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردي مع الردي ولابد ان يكون الصديق عاقلاً حكيماً فلا خير في صداقة الحمقى. قال علي رضي الله عنه: فلا تصحب اخا الجهل وإياك وإياه فكم من جاهل اردى حليماً حين آخاه يقاس المرء بالمرء اذا ما المرء ما شاه وللشيء من الشيء مقاييس واشباه وللقلب على القلب دليل حين يلقاه وينبغي ان يكون الصديق حميد الاخلاق وحسن السلوك طيب العشرة يؤثر الخير على الشر ويعين على طاعة الله تعالى ان نسي صديقه ذكّره وان ذكر اعانه لأن سيىء الخلق عدو نفسه فكيف يكون صديق عمره. وقال بعض الادباء: لاتصحب من الناس الا من يكتم سرك ويستر عيبك ويكون معك في النوائب ويؤثرك بالرغائب وينشر حسنتك ويطوي سيئتك فإن لم تجده فلا تصحب الا نفسك.وقد اعتمدت في هذه المقالة على عدة مراجع هي:كيف تكون ناجحاً ومحبوباً لعدنان الطرشة، واخلاقنا لمحمد الجوهري، وأدب الدنيا والدين للماوردي.