يرتبط الرحيل من الدنيا بالشيخوخة ووهن الجسد وملاحقة الأمراض، وأما فقد الشباب فانه يترك حزناً مختلفاً وفراغاً لأن إدراك البشر يرتبط بالنضارة والحيوية التي يضج بها الجسد، وننسى في غفلة أن لكل منا ساعة لا تتقدم ولا تتأخر {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)} [الأعراف: 34]. لقد عمّ الحزن منطقة السودة السياحية، وهي ترى الشاب عمر بن سليمان المديهيم، الفارس الذي كان محلقا في كبد السماء محلقا ليهوي بالمظلة من على ارتفاع سبعين مترا ويرتطم جسده الطري بالتراب، وتنتقل الروح لبارئها. كنت أتأمل واقع الأب المكلوم وهو يرى فلذة كبده يهوي، وقلبه يعتصر ألماً على فراقه، فأيقنت انه الابتلاء من الله تعالى ولا راد لقضائه. نعم لقد اختار الواهب سبحانه وتعالى أن تكون نهاية الابن (عمر) على هذا النحو وهي بمفاجأتها وفجائيتها وتوقيتها تثير فينا لواعج الحزن وكوامن الألم. لقد كنت أتوحد بمشاعر الأب الحنون الذي فقد أكبر أبنائه وقرة عينه، والأم التي غاب حبيبها وضوء بدايات أمومتها. ولعل ما يعزي انه رحمه الله نشأ على طاعة الله، فقد حرص والداه على تربيته على الصالحات من العمل، وعلى حب الخير والتنافس في المعالي والتفوق والسمو بالنفس. أما أخونا المهندس سليمان المديهيم فلقد عرفته طوداً شامخاً في الصبر والاحتساب.. ولعلي أذكر ولا أذكر مقولة الخليفة عمر بن عبدالعزيز الخليفة الراشد «ما انعم الله على عبد بنعمته فانتزعها فعاضه مكانها بالصبر، إلا كان ما عوضه خير مما أخذ منه». وما زلت اردد تأسياً بنبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا (عمر) لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي الرب. {إنَّا لٌلَّهٌ $ّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}. فعسى الله أن يجمعنا في جنته ويتفضل علينا برضوانه، ويظلنا تحت ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله ولا حول ولا قوة إلا بالله.