بدأت إسرائيل كعادتها وعن طريق كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين بها في ممارسة هوايتها المفضلة وهي تعميق الخلافات الفلسطينية بين كبار القادة والمسؤولين بعد إقرار الهدنة بينها وبين الفلسطينيين. فبعد ان أشار الرئيس الإسرائيلي موشيه كتساف في حوار له اخيرا مع اذاعة الجيش الإسرائيلي في أسلوب مستفز الى انه يمكن منح رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس «أبو مازن» ووزيره لشؤون الأمن، محمد دحلان، شهادة حسن سلوك واعتبارهما عنواناً يمكن التعويل عليه للتقدم الى أمام قام عدد من الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية بتصعيد لهجتها ضد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ووجهت اتهامات جديدة ضده بأنه يحث فصائل المعارضة الفلسطينية بضرورة استئناف الهجمات المسلحة ضد إسرائيل وبالسعي الى الحد من قوة دحلان. إلى ذلك بدت إسرائيل مطمئنة الى ان التطورات على الساحة الفلسطينية لن تدفع ابو مازن الى التخلي عن كرسي رئيس الحكومة. وبعد أقل من يوم على المخاوف الإسرائيلية من احتمال انهيار التفاهمات الأمنية والهدنة، على خلفية استقالة أبو مازن من اللجنة المركزية لحركة فتح وعملية يعبتس الاستشهادية تبدلت لهجة التشاؤم بجرعات تفاؤل ب«نجاح أبو مازن في تجاوز المحنة» وباستمرار المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية والتقدم في المسيرة السلمية على الرغم من التوقعات بحدوث المزيد من الازمات وهو ما قاله وزير الدفاع شاؤول موفاز لصحيفة يديعوت احرونوت أخيرا مضيفاً أن الزخم في الاتصالات مع الفلسطينيين لم ولن يتوقف. وأظهر موفاز- الذي يعتبر أحد أبرز صقور المتشددين في حكومة ارئيل شارون - تصلبه الشديد من مسألة اطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين ورفضه القاطع الافراج عنهم لكنه، في المقابل ألمح الى استعداد الحكومة اعادة النظر في المعايير التي وضعتها لاطلاق الاسرى على نحو يتم فيه شمل معتقلين إداريين من فصائل المعارضة ضمن لائحة الاسرى الذين سيتم اطلاقهم مشترطاً ذلك بتقدم المسيرة التفاوضية. من جهتها نوهت اذاعة الجيش الإسرائيلي بالتغيير الحاصل في تقارير أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حول نهج رئيس الوزراء الفلسطيني، وبعد أسابيع من «التقارير المتضاربة» باتت هذه الاجهزة تجمع على ما تصفه ب«النيات الحقيقية والصادقة» لأبو مازن ورغبته الصادقة في انهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وأن ذلك ينعكس جلياً في الاتصالات مع كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية وفي جهودهم الفعلية على الارض لمنع هجمات مسلحة على أهداف إسرائيلية، هذا علاوة على الجهود المبذولة لوقف «التحريض على العنف ضد إسرائيل» وقرار أبو مازن اقامة مؤسسة للرقابة تتابع مضمون ما تبثه وسائل الإعلام الفلسطينية. الى ذلك تلقت إسرائيل بارتياح ما تصفه إصرار ابو مازن على مواجهة الرئيس الفلسطيني في صراع القوى بينهما، وبحسب القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي فإن أبو مازن أبلغ الادارة الاميركية ان لا نية لديه بالتراجع في هذا الصراع أو «خفض الرأس» أو الانحناء!!! تصعيد الاتهامات لعرفات على الجانب الآخر واستكمالا لمسلسل التصعيد الإسرائيلي ضد الرئيس عرفات نقلت صحيفة «معاريف» في صدر صفحتها الأولى في عددها الاسبوعي الاخير عن جهات استخباراتية إسرائيلية زعمها أن الرئيس عرفات يقوم في الأيام الأخيرة بخطوات حثيثة لافشال أبو مازن وانه بعث برسائل ضمنية الى حركتي حماس والجهاد الاسلامي تضمنت دعوتهما الى استئناف الكفاح المسلح هذا فضلاً عن قيامه بتوسيع صلاحيات مديري المحافظات في مناطق السلطة وتحريض الفلسطينيين على رئيس الوزراء الفلسطيني على خلفية «أسلوبه المتهادن» في ادارة المفاوضات مع إسرائيل وتحديداً في قضية الاسرى. وتتابع الصحيفة ان كبار المسؤولين العسكريين في إسرائيل يصرون على موقفهم القائل بأنه طالما بقي عرفات «في الصورة» فسيكون التقدم في العملية السلمية شبه مستحيل ما يحتم على المستوى السياسي استئناف حملته لاقناع الولاياتالمتحدة واوروبا بضرورة «اخراج عرفات، كلياً، من الصورة»! من جانبة كتب المعلق السياسي في «معاريف» بن كسبيت ان تل أبيب ترى أن «المعركة الثنائية» بين عرفات وأبو مازن تقترب من لحظاتها الحاسمة مشيرة الى ان أبو مازن «الذي وقع في الفخ الذي نصبه له عرفات» يبدو هذه المرة رافضاً «الانحناء والانطواء أو طأطأة الرأس» وانه بات يدرك انه من غير الممكن استبداله « فالمعركة معركة حياة أو موت، والفترة الحالية فترة غموض وانتقال سيعمل على حسمها لمصلحته». مضيفاً أن أبو مازن يتمتع بتأييد عالمي : الولاياتالمتحدة تقف الى جانبه، واوروبا في طريقها الى ذلك وإسرائيل تدعمه ضمنياً والعالم العربي خصوصاً مصر والاردن يدعمه فيما شعب واحد فقط يدعم عرفات، هو الشعب الفلسطيني.. ولذا فانه من غير الواضح حتى الآن فيما إذا كان أبو مازن سينجح في معركته. إلى ذلك قال 73 في المئة من الإسرائيليين ان وقف النار المؤقت الهدنة لم ينهر على رغم الحوادث الأمنية الأخيرة فيما أيد 58 في المائة قرار الحكومة رفض اطلاق سراح غالبية الاسرى الفلسطينيين، وأعرب 50 في المائة عن اعتقادهم بأن شارون يبدي حزماً كافياً في مسألة تطبيق وقف النار والمفاوضات مع الفلسطينيين فيما رأى 25 في المائة أن اداءه يتسم بالتردد، وأعلن 58 في المائة تأييدهم فكرة قيام وفد فلسطيني برئاسة أبو مازن وعضوية دحلان بزيارة الكنيست، ووردت هذه الأرقام في استطلاع للرأي بثته الاذاعة العبرية الرسمية أمس شمل عينة من 507 إسرائيليين، من اليهود والعرب، مع هامش خطأ بنسبة 4 ،5 في المائة. ويكتب الصحفي عمير راففورت في صحيفة معاريف ان أجهزة الأمن الإسرائيلية ومنذ إعلان وقف اطلاق النار قبل اسبوعين، تراقب بحذر باهتمام شديد أعمال عرفات الذي ما زال محاصرا في المقاطعة. ويتضح من التقارير الامنية المختلفة التي تقدمها تلك الاجهزة ان عرفات الذي أيد اعلان وقف اطلاق النار في الأيام الأولى اتخذ موقفا استراتيجيا مغايرا حيث يعمل في الأيام الأخيرة جاهدا ومن وراء الكواليس لافشال جهود أبو مازن ودحلان بالتوصل الى وقف اطلاق حقيقي لاطلاق النار ومتواصل. وبعد هذا الكيل من التحريض والافتراء على الرئيس الفلسطيني يكتب راففورت نقلا عما يسميه بعناصر أمنية رفيعة قولها: طالما بقي عرفات في الصورة فسيكون التقدم في المسار السلمي شبه مستحيل. ثم يضيف، انه وبناء على ذلك بدأت إسرائيل في اقناع الولاياتالمتحدة ودول أوروبية بانه يجب اخراجه من الصورة كليا.