عملية (عقرب الصحراء) التي تقودها الإدارة العسكرية الأمريكية ضد جيوب المقاومة في العراق ربما تكون آخر الحلول في يد الإدارة الأمريكية للسيطرة على الأوضاع الأمنية المتدهورة التي باتت تهدد الوجود الأمريكي هناك الذي فوجئ بالنهوض السريع للمقاومة المسلحة العراقية وتزايد الرفض الشعبي لبقاء القوات الأمريكية بسبب إجراءات الاحتلال التعسفية وما وصف بأنه أخطاء أمريكية في العراق. وطبقا لوجهة نظر كثير من المحللين فقد ظهر إخفاق السياسة الأمريكية وارتباكها في ادارة العراق بوضوح في ملء الفراغ الإداري والامني بعد سقوط نظام صدام حسين فالإدارة الانتقالية المؤقتة التي عينتها واشنطن بقيادة جارنر لم تدم شهرا وفشلت وتم استبدالها بإدارة جديدة برئاسة بريمر الذي ارتكب العديد من الأخطاء التي زادت من سخط العراقيين على الأمريكيين ووسعت من عمليات المقاومة ضدهم، فقد فشل بريمر في الحفاظ على الأمن وأجل الحكومة العراقية الى أجل غير مسمى وحل كل مؤسسات الدولة من وزارات وجيش وأجهزة أمنيه مما زاد الشكوك في نية الولاياتالمتحدة في البقاء في العراق وأدى إلى إثارة غضب الشارع العراقي الذي ضاق ذرعا بممارسات الاحتلال وكانت عمليات المقاومة المسلحة التي وجدت في الشارع العراقي بيئة ملائمة لها وعلى رأسها أعضاء حزب البعث وبقايا النظام السابق. عودة صدام تزايد عمليات المقاومة ضد القوات الأمريكية في العراق أعاد الحديث حول عودة الرئيس العراقي صدام حسين وذهبت بعض التحليلات إلى القول بأن الرئيس المخلوع يقود مقاومة ضد الاحتلال من مخبئه في حين ذهبت تحليلات أخرى الى القول بأن الغموض حول مصير صدام أتاح الفرصة لإطلاق شائعات بعودته وهو ما أثار حمية البعثيين للقيام بعمليات المقاومة ضد جنود الاحتلال. ويقول المراقبون إن البعثيين وأتباع صدام بدأوا عمليات المقاومة مستغلين عودة الوعي للشارع العراقي الذي بدأ يستوعب صدمة ما حدث من انهيار لنظام صدام وحوادث السلب والنهب والقتل والمعاناة والذل تحت الاحتلال وان أعضاء البعث يقفون في خليفة الأحداث متيقظين يرصدون التطورات ويحثون الشعب على المقاومة مستغلين افتقاد الأمن والخدمات ويعقدون المقارنات بين الأحوال في ظل نظام صدام والأحوال الحالية في ظل الاحتلال وينشرون أفكارا من نوع (الأمن والخبز قبل الحرية) ويتحدثون عن مهانة الاحتلال والفقر ويستغلون الهجمات على الجنود الأمريكيين في بغداد للحديث عن تنظيمات سرية لمقاومة الاحتلال ويروجون روايات عن ظهور صدام أو أحد أبنائه أو معاونيه في مكان أو أكثر حتى أن الأمريكيين أنفسهم يصدقون هذه الروايات إلى درجة اعتقالهم الأفراد من عشيرة الديلمي ببغداد بعد شائعة قوية عن وجود صدام لديهم ثم افرج الأمريكيون عنهم بعد 24 ساعة. وتقول مصادر أمريكية انه يبدو أن حزب البعث قرر شن حرب عصابات هدفها نشر الفوضى في العراق مستندا إلى تجربته في العمل السري لسنين طويلة قبل وصوله إلى الحكم في العراق وقالت إن مدينة الفالوجة التي برزت أخيرا كرمز للمقاومة العراقية والعداء للأمريكيين ربما كانت معقلا لنشاط البعثيين وعملياتهم ضد القوات الأمريكية وهو ما دفع القيادة العسكرية الأمريكية الى إرسال فرقة مدرعه لتطهير المدينة من جيوب المقاومة قوامها 4 آلاف جندي بعد أن فشلت فرقة محمولة مكونه من 1200 جندي في هذه المهمة. وأمام تزايد عمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال في أنحاء متفرقة من العراق شنت الإدارة العسكرية الأمريكية حملة عسكرية موسعه ضد من أسمتهم فلول نظام صدام حسين في مناطق الفالوجة وراوة وتكريت ومناطق بلد وهي الحملة التي عرفت ب (عقرب الصحراء) بهدف القضاء على البعثيين وفدائيي صدام الذين اتهموا بارتكاب سلسلة من الهجمات على القوات الأمريكية بعد مقتل 40 جنديا أمريكيا في هجمات وكمائن بالعراق منذ الإطاحة بنظام صدام قبل شهرين على ان السكان المحليين لهذه المناطق التي تستهدفها الحملة الأمريكية يقولون انهم لا يحبون صدام ولا اتباعه ولكن مشاعر الغضب تتزايد داخلهم ضد القوات الأمريكيةالمحتلة وهو ما يؤشر الى وجود غضب شعبي تجاه القوات الأمريكية في هذه المناطق وغيرها في العراق وهو ما أدركه الأمريكيون حين جعلوا عملية (عقرب الصحراء) تتضمن استمالة العراقيين إضافة الى تعقب المقاتلين وان القوات الأمريكية تعتزم توزيع الوقود والغذاء في محاولة لتحسين صورتها أمام السكان الغاضبين ولمواجهة ما وصف بأنه تمرد شعبي ضد الأمريكيين في العراق. تمرد شعبي هناك اعتقاد يسود الإدارة الأمريكية حاليا باحتمال حدوث تمرد شعبي واسع ضد القوات الأمريكية والبريطانية الموجودة في العراق عقب سلسلة من الصدامات المسلحة التي واجهت هذه القوات منذ سقوط نظام صدام حسين في أبريل الماضي فيما عرف بين المحللين والمراقبين بصحوة ما بعد 9 أبريل يوم سقوط تمثال صدام حسين، ويشير المراقبون إلى جملة من المؤشرات على نهوض شعبي سريع وتبلور بيئة عراقية مقاومة ضد الاحتلال بأسرع مما كان يتوقع الأمريكيون. ومن بين هذه المؤشرات التظاهرات الشعبية التي شهدتها معظم المدن العراقية والتي دعت الى رحيل الاحتلال ورفضت أي حكومة أو إدارة مدنية انتقالية تنبثق من إرادة المحتل ولا تعبر عن إرادة الشعب. وإبرز هذه التظاهرات كانت في الناصرية والتي شارك فيها نحو 20 ألفا والنجف التي تظاهر فيها عشرات الآلاف وانتفضت منذ اليوم الأول لدخول القوات الأمريكية إلى المدينة مما اضطرها الى الانسحاب خارجها كتعبير عن رفض الناس للاحتلال ثم حدثت تظاهرة الموصل في شمال العراق ضد قوات الاحتلال الأمريكي التي أطلقت النار على المتظاهرين وكانت التظاهرة الأكبر حشدا في بغداد إثر صلاة الجمعة التي ركزت على وحدة العراق والمطالبة برحيل قوات الاحتلال ثم كانت التظاهرة المليونية في ذكرى أربعين الإمام الحسين في كربلاء التي دعت لرحيل الاحتلال وتشكيل حكومة عراقية وطنية. ويقول المراقبون ان هذه التحركات الشعبية المبكرة تدل على تبلور البيئة الملائمة للمقاومة السياسية والمسلحة ضد الاحتلال وبشكل سريع على غير ما هو متوقع من قبل الأمريكيين الذين وجودا أنفسهم أمام حركة شعبية موحدة توحد كل فئات الشعب وتشكل قوة ضغط كبيرة على الاحتلال وهو ما جعلها تدرك أنها تواجه مصاعب حقيقة وجعلها تطلق النار على المتظاهرين وتقوم بإجراءات تعسفية اظهرتها بصورة المحتل وأسقطت عنها صورة المحرر الذي جاء لتخليص الشعب العراقي من نظام صدام وإشاعة الديمقراطية. ولعل ما زاد الأمر سوءا المعاناة التي زادت على العراقيين من جراء تسريح العمال وزيادة البطالة وتدهور الخدمات وضيق أحوال المعيشة في العراق حتى أن المتظاهرين كانوا يعبرون عن نفسهم بشعارات من قبيل «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق» في إشارة إلى أن نظام صدام برغم كل مساوئه كان أفضل من الاحتلال وممارساته. الأمر الأكثر إثارة لمشاعر العراقيين كان قرار إدارة بريمر بتأجيل تشكيل الحكومة العراقية الوطنية إلى أجل غير مسمى وهو ما اعتبره العراقيون إشارة الى طول فترة الاحتلال وهو ما زاد من ثورتهم وسخطهم على القوات الأمريكية والبريطانية وساعد في زيادة هذه المشاعر قادة الفصائل والعشائر والجماعات المختلفة التي خاب أملها في المشاركة في حكومة عراقية ويقول المراقبون إن قرار تأجيل الحكومة فتح الباب أمام صراعات ضارية على السلطة بين الفصائل العراقية وأمام عمليات عنف ومقاومة للاحتلال الذي يصر على الاستمرار في العراق. ومع استمرار المشكلات حول تشكيل الحكومة العراقية تواجه الإدارة الأمريكية مهمة صعبه تتمثل في لجم توجهات الأكراد الجامحة لإقامة دولتهم المستقلة وفي احتواء التمرد الشائع وسط جماهير الشيعة الذين يمثلون 60% من السكان وبيانات رجال الدين الشيعة التي تدعو العراقيين الى مقاومة الاحتلال وطرد القوات الأمريكية. الجيش المقاوم إلى ذلك ارتكبت الإدارة الأمريكية في العراق عدة أخطاء أصبحت تهدد وجودها ففي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي جورج بوش ان الولاياتالمتحدة وشركاءها سيبقون أطول وقت ممكن في العراق أصدرت السلطات الأمريكية في بغداد بقيادة بول بريمر قرارا بحل القوات المسلحة العراقية ووزارتي الدفاع والإعلام بالإضافة الى عدد من المؤسسات الأمنية التي ساندت نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين وشمل القرار تسريح جميع عناصر الجيش العراقي والحرس الجمهوري فضلا عن مجلس قيادة الثورة العراقية وإلغاء جميع الرتب العسكرية وبلغ عدد المشمولين بالقرار الأمريكي نحو 350 ألف إضافة إلى 400 ألف جندي عراقي بالإضافة إلى ألفي موظف بوزارة الإعلام. وكان حل الجيش العراقي من وجهة نظر كثير من المحللين خطا أمريكا فادحا يكلفها الكثير وتنبأ كثيرون بانضمام كثير من أبناء الجيش المسرحين الى صفوف المقاومة ضد الاحتلال ومع تصاعد عمليات المقاومة وتحولها من المقاومة السياسية المتمثلة في الرفض الشعبي الى المقاومة العسكرية التي بدأت بعمليات محدودة سقط فيها جنود أمريكيون وتصاعدت باستخدام أسلحة ثقيلة وإسقاط طائرات تابعه لقوات الاحتلال برز الحديث عن الجيش العراقي وبدأت أمريكا تتحدث بجدية عن المقاومة العراقية وكيفية مواجهتها. وأشار المراقبون إلى احتمالات وقوف قوات من الجيش العراقي خلف عمليات المقاومة الأخيرة مشيرين الى أن هذا يفسر لغز الجيش العراقي الذي اختفى ليلة سقوط بغداد. والسؤال الذي ربما يثر رعب الأمريكيين في الفترة القادمة بعد تصاعد عمليات المقاومة واستخدامها أسلحة ثقيلة هو أين ذهبت كل هذه القوات والمعدات القتالية للجيش العراقي وهل عادت بعد اختفائها الغامض لتبدأ مقاومة مسلحة ضد القوات الأمريكية والبريطانية؟ يقول المراقبون انه لم تظهر معلومات منذ انتهاء الحرب بأنه تم الاستيلاء على هذه المعدات بكاملها كما انه لم تتم السيطرة على القوات والأفراد ومن ثم فان هذه القوات والمعدات يمكن أن تكون بداية للمقاومة المسلحة ولو بجزء يسير من هذه الإمكانات خاصة وان سلطة الاحتلال قد وفرت لهذه القوات الحافز لكى تعمل فرادى أو جماعات ضدها وذلك حين قررت حل الجيش العراقي وتسريحه وحرمان أفراده من رواتب التقاعد وهو ما يهددهم وأسرهم بالجوع وهو ما لا يدع أمامهم خيارا سوى مقاومة الاحتلال بما لديهم من إمكانيات وخبرات قتالية ويساعدهم في ذلك أرضية شعبية رافضة للاحتلال. الخطورة الحقيقة لهذه المقاومة أنها تأتي في ظل انخفاض الروح المعنوية للجنود الأمريكيين خاصة وان هناك مصادر أمريكية تشير إلى وجود تذمر في صفوف القوات الأمريكية في العراق من أن مهمة إسقاط النظام التي جاءوا من أجلها انتهت من دون ان يتمكنوا من العودة لعائلاتهم بعد ان أسندت إليهم مهام جديدة ليسوا مؤهلين للقيام بها كالحفاظ على الأمن مما يؤثر سلبا على معنويات الجنود الذين يشعرون بأنهم خدعوا، والأخطر من ذلك حسب وجهة نظر المحللين أن استمرار المقاومة على هذا النحو يهدد بانفجارها في شهر يوليو الذي سيكون شهر الحسم بين المقاومة والاحتلال حيث تكون درجة الحرارة فيه في الظل 50 درجة ويكون صبر العراقيين وقتها قد نفد من سوء أوضاعهم المعيشية وهو ما يؤشر الى صيف ساخن ومقاومة دامية لقوات الاحتلال.