للجار حقوق كثيرة يعرفها الكثير ويتجاهلها الكثير وخاصة في زماننا هذا الذي اصبح يفقد أبسط حقوق الجار وهي الجوار بالمعروف، كثير من الجيران لا يريد من جاره سواء كف الأذى فقط. فالجار الذي لا يرتاح من شرور جاره ليس في الايمان من شيء والاسباب المؤدية الى فقدان حقوق الجوار، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن هذه الأمة تفتن بعدي قالوا يا نبي الله في أي نحو قال: لا يعرف جار حق جاره». وقد أنكر الرسول صلى الله عليه وسلم الايمان على من لا يأمن جاره بوائقه فقال:«والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه»، فبعض المساكن لا يريدها الاشخاص سواء رخيصة أو حتى بالمجان بسبب الجيرة السيئة. وقد ذكر لي أحد الاصدقاء قصة قد حدثت له يقول سكنت في منزل بالايجار وقد أستغربت من رخص ايجاره وبعد فترة من سكني تبين أن جاري ممن يؤذي جيرانه وقد صبرت على أذاه هو وأبنائه وحاولت نصحهم وتبين لهم حقوق الجار ولكن بدون جدوى، فقررت الانتقال إلى منزل آخر في حي آخر ذكره لي بعض الاصدقاء وقال إنه وأرخص من إيجار منزلي فذهبت معه ووجدت المنزل وأعجبني ووجدت أحد ساكني الحي وأخذت أتبادل معه أطراف الحديث وذكرت له أني تركت ذلك الحي بسبب فلان وأبنائه فقال الرجل بتعجب ألا تعلم أن هذا المنزل المقابل للمنزل الذي تريد استئجاره هو أيضاً منزل فلان يسكنه هو وأبناؤه من زوجته الثانية وهم أشد من الايذاء الذي تقول إنك لمسته من أبنائه في الحي الاخر، فاندهشت لذلك، وحمدت ربي أن لم أستأجر وأخسر مرتين. وقد حدثت قصة على زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث إنه أتى رجل للرسول فقال إن لي جارا يؤذني فقال عليه الصلاة والسلام:«انطلق فاخرج متاعك إلى الطريق»، ففعل فاجتمع عليه الناس يقولون ما شأنك فجعل يقول جاري يؤذيني فجعلوا يقولون اللهم ألعنه اللهم اخزه فبلغه ذلك فأتاه فقال أرجع إلى منزلك فوالله لا أوذيك أبداً. ويروى أن رجلا كان جارا لأبي دلف ببغداد فأدركته حاجة وركبة دين فادح حتى احتاج إلى بيع داره، وطلب ثمناً لها ألف دينار فقالوا إن دارك لا تساوي إلا خمسمائة دينار، فقال أجل أبيعها بخمسمائة وأبيع جوارها بخمسمائة أخرى فبلغ ذلك القول أبا دلف فأمر بقضاء دينه ووصله وواساه. وللجار حقوق على جاره كثيرة منها التهنئة والفرح في افراحهم ومواساتهم في اتراحهم وعدم ايذائهم والنصح لهم اذا رأى منهم منكرا ومساعدتهم اذا احتاجوا وعدم افشاء سرهم وعدم التطلع إلى عوراتهم وقضاء حوائجهم واعانة محتاجهم، وقد جاء في المثل:«ابحث عن الجار قبل الدار»، وعن ابن مسعود رضى الله عنه عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«خير الجيران عند الله خيرهم لجاره وخير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه». وحتى الطيور أيضا تفكر في الجار قبل الدار وقد اجرى باحثون دراسة توصلوا خلالها إلى أن الطيور ترصد قبل الانتقال إلى مكان آخر للعيش فيه ما إذا كانت المنطقة الجديدة مأهولة بطيور أخرى، فتراقب الأعشاش وعدد الافراخ بها، وأكد الباحثون في تقرير بإحدى نشرات صحيفة ساينس أن الطيور تترك المنطقة التي يسرق فيها الصغار وتنتقل إلى الأماكن التي يزداد فيها عدد الأفراخ. وقال الباحثون بجامعة بيرن انهم عندما سرقوا طيورا صغيرة من الاعشاش بإحدى المناطق لم تفد اليها طيور جديدة بل تركتها بعض الطيور المقيمة هناك أصلا. وأشارت بلاندين دوليغيز الباحثة في جامعة بيرن إلى أن ذلك يظهر أن عدد الأفراخ من الوسائل التي تستخدمها الطيور لتحديد ما إذا كان مكان ما ملائما للعيش وقالت «أردنا أن نحاكي ما يحدث في الواقع عندما يأتي نقار الخشب أو سنجاب فيأكل صغار الطيور» ولم يهتم فريق البحث بما فعلته الطيور الكبيرة التي فقدت صغارها بل بمجتمع الطيور بأكمله مع تعاقب المواسم. وكثير منا لا يريد ان يذكره جيرانه والناس إلا بالخير دائما وألا يكون في نظرهم «الجار الغثيث» ولا يرد ان يكون ممن لا يأمن جاره بوائقه، وان نكون من المذكورين بالخير دائما.