متى لقيت قبولاً.. تعدل العمر كله.. بل تزيد ناديتُ باسمكَ في سرِّي وفي علَني وفي مواسم أفراحي وفي حزَنَي لا شيء إن جاءت الدُّنيا.. أَلذُّ بهِ فيها سوى لحظةٍ تصفو وتُمْتِعُني هذا أنا، تائهٌ أرنو إلى وهَجٍ تبُثُّه جَذوةُ النجوى فيُرشِدُني روحي متى جادت النجوى محلِّقةٌ وإن غفلتُ توالى الهمُّ يُثْقلني ناديتُ في لحظةِ الصفو التي غَمرتْ مشاعري فازدَهى في صفوِها زَمنِي وعند لحظةِ ضعفٍ ألهبتْ كَبِدي أبِيْتُ في غُصصي الحرّى تؤرقني ناديتُ لحظْةَ إثمٍ حالكٍ عَصَفتْ بخافقي وأحالتْني إلى وَهَن ناديتُ لحظةِ إشراقٍ تذوبُ سنى طافَتْ بيَ الكون في إغفاءةِ الوسَنِ ناديتُ والذّنبُ يُغويني ويَتركُني لعَبرةٍ في ظلام الليل تخنُقني ناديتُ والبِرُّ يحميني ويُنقذني من الضَّلال ويُدنيني ويرفعني في كلِّ آونةٍ ناديتُ.. تَحفِزُني بُشرى من الأفُقِ الأعلى تُقرِّبِني ناديتُ في كلِّ صبحٍ قام يفتحُ لي باباً إلى كلِّ معروفٍ ويَبْعثُني ناديتُ في كلِّ ليلٍ قامَ يبسُط لي إلى المناجاةِ آفاقاً ويُطلقني ناديتُ في كلِّ وقتٍ.. لم أملَّ ولم أرَ المناداةَ إلاَّ البِشْرَ يَسْكُنني وكَلّما منحتْني سجدةٌ أملاً في أنَّ طيفَ قبولٍ كاد يُدركني مضيتُ في سَبَحاتٍ.. لامستْ أفقاً أحسُّه مثلَ طلِّ الصُّبح ينعشني مضيتُ والدمعُ في عينيَّ يشفع لي ما كان أرجاهُ في عيني.. وأحوجَني ربّاه هذي شُجَوني كُلُّها جُمِعَت لديك.. جئتك لا أقوى على شَجَن ربّاه هذي حياتي كلُّها عُرِضَتْ عليك.. تقبلُ ما فيها.. وتعذُرني ربّاه ما بُسطت كفِّيْ وما رُفِعَتْ إليك.. إلا وفيضُ الخير يغمرُني ربّاه هذا أنا.. يا ربِّ تعلمُني أنا الجهولُ بنفسي.. وهي تجهلُني كم ليلةٍ رحتُ من خوفي أعنِّفها أبِيتُ أُنكرُ ما تأتي وتُنكرني حتى إذا ما انطوى ليلٌ.. وجاء غدٌ نَمضي.. فأتبعُ دنياها وتتبعني تعاظمَ الذنبُ عندي، وانقضى أجَلٌ وباتَ ما يُفزِعُ الماضين يُفْزِعني أنا المُقِرُّ بأوزاري وما اقْترفتْ يدايَ في هذهِ الدُّنيا فأثقلني أنا المُقِرُّ بتقصيري وما فَتِئتْ نفسي تُسوِّفُ حتى لاحَ لي كَفَني أنا المُقِرُّ، وما استوثقتُ من أحدٍ آوي إليه فيؤويني ويُسعفني إلاَّكَ فانطلق الإحساسُ يهتِفُ من أعماقِ روحي فتسريْ الروحُ في بدني كأنّني قدْ وُلدِتُ الآن.. أو فُتِحت ليَ السماواتُ كي أرقى إلى وطني متى هَمَمْتُ بسيرٍ... لاحَ لي قبسٌ من البِشارةِ يَهديني ويُوصلني فجئتُ يؤنِسُني في كلِّ بارقةٍ بقيةٌ من صدى نجوى تُؤمِّلُني وتُوقِظُ الأملَ الغافي فأتبعُهُ وأوقظُ الألمَ الخافي فيتبُعني تَحُفُّ بي كلَّ حينٍ همسةٌ عذُبتْ تحُثُّني.. كي أُغِذَّ السيرَ.. تدفعُني ونسمةٌ كأذان الفجر مُنْعِشةٌ تَمْضي كما تُوقظُ الأزهارَ... تُوقِظُني فقلتُ هذا نداءٌ مَرَّ في خَلَدِي ثم استقرَّ كهمسِ الصُّبح في أُذُني وصلتَ فابسطْ رجاءً غيرَ مُنكَسرٍ وخُذْ بحبلٍ من الآمالِ لم يَهُن وصلتَ بابَ كريمٍ ليس يَقْصُر عن عفوٍ ،ولا ضاقَ عن بذلٍ وعن مِنَن إن ضنَّ كلُّ وجوه الأرض أو غَضِبُوا على مسيءٍ وباتُوا منه في ضَغَن فأنت تفرحُ إن فرَّ المسيءُ إلى حِماك يرفُلُ في النُّعْمى وفي السَّكَن وإن أقام لَحَوحٌ عند مسألةٍ أحْبَبْتَه.. فاكتسى حُبُّاً.. وَجُودَ غَنِي وإن تأخّر ذو الأوزارِ يَصرِفُه عن السؤال حياءُ الخائفِ الحَزِن فما تأخّر صفحٌ منك أو كرمٌ كأنما كانتِ الأوزارُ لمْ تكُنِ ناديتُ لم يستمْع شكواي من أحدٍ وأنتَ وحدك في نجوايَ تسمعني فجئتُ أهرُبُ من نفسي إليكَ وما شقِيت أو خانني ظنّي وخيَّبني فأنت رغم جُحُود النّفس مُنْقِذُها من البلاءِ.. ومِنْها أنتَ تُنقذني منحتني كلَّ ما أصبو له.. فغدا هذا.. يوسِّع آمالي ويُطمِعُني يفيض بي حسنُ ظنِّى بالكريم.. وما شعْرتُ يوماً بحسنِ الظنِّ يُبعدني بل إنَّ لي من رجائي ما يُثبّتُني وإنّ لي من يقيني ما يُبصِّرني أنّ العظيم حليمٌ ليس يُعجله شأنٌ وأن نداءاتِي ستنفعُني وأنّ لي في الحنايا مِنْ مُراقبتي إنِ ابتعدتُ شُعورٌ باتَ يحرُسُني فَرُحتُ أدعو.. وأدعو.. ليس يَحْجُبُني عن الدُّعاءِ خطايا أو تُثبِّطني وكلَّما نابني التقصيرُ.. أَدْركني من المناجاةِ فيضٌ بات يَغْمرُني أعيش في لذّةِ النجوى.. وما بَرِحَتْ روحي تقيمُ عليها وهي تُتْحِفُني فيها الشِّفاءُ لآلامي متى اقْتحمتْ عليَّ في ليلةٍ جسمي تُمَزِّقني فيها الرجاءُ لأوهامي متى ازدحمتْ عليَّ في كبوةٍ حولي تُشَتِّتني فيها انشراحي.. متى ناجيتُ تُخرِجني من وحشتي هذه النجوى وتُلهمني فيها يقيني بأنّي لا أرى أحداً إلاَّك، تبلُغه النجوى.. ويُشْعِرُني مَنْ ذا الذي ليس تخفى عنه خافيةٌ في الكونِ يُبصر مسراها ويُبصرني مَنْ ذا الذي ليس يُقصي بابُه أحداً يؤويه.. مثلي ويحميني ويعْصِمُني أنا بنجوايَ في نُعمى وفي سَعَةٍ ألفيتُها جنّةً حولي تُظلِّلُني ناديتُ في كلّ أحوالي وأزمِنتي وسارَعتْ لحظاتُ العمرِ تَصحبُني إذا نطقتُ فقد أعيا بمسألتي وإن عَييتُ فمن في الكونِ يفهمني فخلِّ يا ربِّ هذا القلبَ مُنقطعاً إليك ما عاش في سرِّ وفي عَلَن وخلِّ ياربِّ هذا الدمعَ مُنْهمِراًَ ما عشتُ إن أَسْرفَتْ نفسي يذكّرني وخلِّ خاتمتي ياربِّ صالحةً وخلِّ عاقبةَ الحُسنى تُجمِّلُني يا ربِّ وفّقتَ للنجوى وجُدْتَ بها فَجُدْ بعفوٍك يا ذا العرش يُنجِدُني