سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الفوارة» البلدة التي وهبها الملك عبدالعزيز لابن نحيت قبل 80 عاماً آثار الفوارة تدل على قِدم عمارتها في العصور الغابرة
الفوارة تاريخ الآبار والآثار 1 / 6
اشتهرت بكثرة عيونها التي تفور تلقائياً
حلقات كتبها: موسى عتيق الهبيري عبدالله الشبلان النحيت نحرص في حدود الوطن على ان نصحبكم الى جميع أرجاء مملكتنا الغالية وسنعمل على ذلك. وفي حلقات هذا الأسبوع نصحبكم الى الفوارة التابعة لمحافظة بريدة والتي تشتهر بتاريخ عيونها وآبارها.. في حلقة اليوم نتعرف على الموقع وتاريخ النشأة. الموقع تقع الفوارة في الشمال الغربي من منطقة القصيم، وتبعد عن بريدة - مقر امارة منطقة القصيم حوالي 135كم «بخط مستقيم»، أما طول الطريق المعبد فهو 170كم ويمر بها طريق البتراء حائل ماراً بمدينة سميرا. وتقع الفوارة على ضفاف وادٍ كبير ينحدر من جبال الخرشاء والتين وهيفاء وهو أحد فروع وادي الجرير ويسمى باسمها. وتتبع الفوارة ادارياً محافظة بريدة. تسمية الفوارة بفتح الفاء فواو مشددة مفتوحة فألف ثم راء مفتوحة فهاء. الفوارة في اللغة كما ذكرها المنجد في اللغة والإعلام: تعني منبع الماء، وهو عند العامة يختص بما يفور صاعداً. وذكرها الفيروز آبادي في مؤلفه «قاموس المحيط» انها منبع ماء، وهي قرية تقع بجنب الظهران، الظهران هو جبل يقع شمال الفوارة ويسمى الآن السلسلة. وهذا هو اسمها في القديم والحديث لم يتغير منه حرف ولا حركة. الفوارة بصيغة المبالغة من فار من الفوران، وسميت بذلك لأنه كان بها عيون تفور مياهها لكثرتها. ويذكر كبار السن ان الفوارة سميت بهذا الاسم نسبة الى المياه التي كانت تفور من تلقاء نفسها في زمن سابق. الفوارة قديمة الاستيطان منذ القرن الثاني للهجرة، قال الأصمعي: الفوارة: قرية الى جنب الظهران وحذاؤها ماء يقال له المقنعة لبني خشرم من بني عبس. وقال ياقوت: الفوارة بجنب الظهران بها نخيل كثيرة وعيون للسلطان. وقال الإمام لغدة الأصبهاني وهو يتكلم على منازل بني أسد: وقرية يقال لها الفوارة بجنب الظهران بها نخيل كثيرة وعيون للسلطان. قوله نخيل كثيرة وعيون للسلطان يلفت النظر إذ ذكر كثرة النخيل ثم جمعه العيون الذي يدل أكثر من عين. ثم قوله للسلطان أي للدولة أو لمن يتصلون بها صلة النفوذ القوي المستمد من الدولة. وهذا يدل على أهمية الفوارة في ذلك العهد وأهمية عيونها ونخيلها لاسيما إذا عرفنا ان هذه العبارة لم نر من خلعها على غير الفوارة من بلاد القصيم. أما جبل الظهران الذي اقترن ذكره بذكر الفوارة فهو الذي يسمي الآن السلسلة ويقع شمال الفوارة، ويبعد عنها حوالي خمسة أكيال. الفوارة لبني العباس الخلفاء ذكر الإمام لغدة الأصبهاني الفوارة مبينا السلطان الذي كانت له أو الشخص الذي انتقلت اليه فقال وهو يعدد الجبال التي يراها المرء إذا صعد على رامة يتطلع لما حولها فقال: تنظر إذا اشرفت رامة الى خزاز وأبانين وقطن، الى ان قال: وتنظر الى الظهران وهو جبل دون الفوارة ودون الفوارة والنباج «والفوارة قرية لعيسى بن سليمان وهي على طريق المدينة». فذكر أنها لعيسى بن سليمان، وهو عيسى بن سليمان ابن علي بن عبدالله بن عباس وهو من أسرة بني هاشم وخيارهم وكان رجلا عمرانيا ينمي المال وينفقه في استصلاح الأراضي. ومعلوم ان السلطان في وقته كان لبني العباس الخلفاء. وذكر الإمام الحربي ان الفوارة كانت لعيسى بن جعفر مع ان لغدة ومن نقل عنه قالوا: إنها لعيسى بن سليمان وكلاهما من سراة بني العباس ووجهائهم، فدل ذلك على صدق اطلاق القول بأنها للسلطان وان تداولها جماعة من ذوي السلطان أي من الأسرة العباسية الحاكمة في ذلك الوقت. وهذا يدل على الأهمية التي كانت تحظى بها الفوارة. ولكن هل كان في الفوارة عِمارة قبل الإسلام: هذا مالا يستطيع ان ينفيه أو يثبته أحد إلا بعد التنقيب في آثارها، واجراء الحفر الكامل في أنحائها. قال الأستاذ تركي القهيدان في كتابه «القصيم آثار وحضارة» «ويبدو أن الفوارة سُكنت قبل الدولة العباسية، ففي غرب الفوارة آثار قديمة يظهر من خلال الأتربة التي طمرتها بسمك يزيد عن مترين أنها جاهلية، ولا أجزم بذلك إلا بعد التنقيب واجراء دراسات دقيقة». ويقول العبودي: الأظهر أنه كانت فيها عمارة وان جعفر بن سليمان إنما عمرها - إذا كان أول من عمرها أو من كان قبله - إنما أقدموا على عمارتها بسبب ما كانوا يسمعون عن عمارة فيها قديمة، وفيما يتعلق بجعفر بن سليمان على وجه الخصوص نورد مثالاً على ذلك لعمارته للعسكرة احدى القريتين وتعرف الآن باسم «العيارية» قرب مدينة عنيزة فإنه قد عمرها بعد عمران قديم كان مشهورا حتى قيل إنها أي العسكرة كانت من بلاد طسم وجديس، كما أنه قد هجاه بعضهم بالبخل لكونه رجلاً اشتهر بأنه ممن ينمون المال ويعمرون الأرض، فإذا كان هاجيه لم يتجن عليه غير ذلك فإننا نكاد نحكم بأنه قد سمع عن عمارة في الفوارة قديمة وان ذلك قد جعله يأمل أن تعود عمارتها عليه بالمال الوفير. وكذلك على عقبه. وبالفعل قد أصبحت الفوارة لعقبة من بعده، ويدل على ذلك نص وجد مكتوبا على جبل «الكويفر» عند النبهانية التي تقع الى الجنوب من الفوارة ولا تبعد عنها بأكثر من 37 كيلاً وهذا نصه: «اللهم اغفر لموسى بن جعفر ذنبه كله، وارحم من قال آمين». الفوارة تقع على طريق الحاج البصري قال العبودي: الطرق التي تمر بمنطقة القصيم الى مكةالمكرمة كلها قادمة من العراق ولكنها ليست مقتصرة على حاج العراق وإن أوحى الاسم لذلك لأن العراق باب الى مكةالمكرمة يدخل منه من هم وراء العراق، الذين يسكنون في خراسان أو بلاد العجم وبلاد الترك الذين يقيمون فيما وراء النهر أو بعبارة أعم أهل المشرق. ومن أهم الطرق بالنسبة للقصيم هو طريق حاج البصرة الذي هو واحد حتى يصل النباج «الأسياح في الوقت الحاضر» فيصبح طريقين أحدهما حاج البصرة الى مكة وثانيهما حاج البصرة الى المدينة، والطريق الثاني هو الذي يمر بالفوارة. قال الإمام لغدة: وهي على طريق المدينة، يريد لمن يأتي من البصرة الى المدينة، ومن النباج «الأسياح» يفترق الحاج البصري فمن أراد المدينة تيامن من النباج فسار حتى يمر بالفوارة. قال العبودي وهو يشرح كلام الامام الحربي: يعدل الطريق من النباج «الأسياح» فيتيامن الطريق فيصبح الحجاج من ليلتهم ببطن قوٍ «قصيبا» ثم يتجه الطريق الى أثال ثم ينزلون عيون ابن عامر «عيون الجواء» ومن عيون الجواء يسير الطريق غرباً فيترك الحنادر بيده اليمنى أي جهة الشمال ثم يدخل شعيب الفويلق ويمر على جبل الأصبعة الذي كان يسمى قديماً «ساق العُناب» فيتركه على يسراه أي يسرى الحاج ثم يدخل بين جبلي الرحا والرحية، وكان الرحا يسمى قديما «رقداً» ثم على قليب الحمل ثم يمر على هجرة العمودة ويترك جبل العمودة الى يمينه فيمر بالحجرة ثم يصل الفوارة. عيون الفوارة سميت الفوارة بهذا الاسم نسبة الى المياه التي كانت تفور من تلقاء نفسها. اشتهرت الفوارة بالعيون والنخل الكثير في تاريخها في صدر الاسلام، وعلى الأخص في القرن الثاني والقرن الثالث، وانها كانت للسلطان. يقول العبودي: إن بالفوارة عدة عيون بعضها واضح المعالم وبعضها دون ذلك، أما عدد العيون فإن آثارها تدل على أنها بضع عشر عيناً أي ما بين الثلاث عشرة الى الخمس عشرة. وأغلبها تقع في الجهة الغربية الجنوبية من الفوارة مما يحملني على القول بأن الفوارة القديمة بعيونها ومنازلها وقصورها هي الى جهة الغرب من البلدة الحالية، ويفصل بين بلدة الفوارة القديمة والبلدة الحالية مسافة قصيرة جداً. الفوارة بعد عهد العيون بارت أرض الفوارة، وخربت عمارتها، وغارت عيونها، وماتت نخيلها، التي كانت مزدهرة في القرنين الثاني والثالث للهجرة ولكن نتساءل متى حدث هذا؟!. أجاب العبودي صاحب كتاب معجم بلاد القصيم فقال: إننا نقول والأسى يغمر نفوسنا بأننا لا نستطيع ان نجد اجابة على هذا السؤال!، والداعي للأسف ان هذا يحدث في عصور اسلامية دُوِن تاريخ الاسلام فيها في أكثر بلاد المسلمين باستثناء وسط الجزيرة العربية. فمثلاً هل كانت الفوارة عامرة البناء، سارحة العيون وافرة السكان في القرن الخامس الهجري؟ ومهما كانت الاجابة فإننا نتساءل أيضا ما هي الحال بالنسبة اليها في القرون التي تلت ذلك القرن؟؟؟. ولكن أعطانا بصيصاً من الأمل عندما قال: «إن الجواب عندما يعدم في بطون الكتب قد يوجد في بطون الأرض ولكن البحث عنه في باطن الأرض أصعب منه في بطون الكتب، ولذلك نؤجل الحكم عليه الى ما بعد البحث عنه في باطن الأرض». ويضيف العبودي قائلاً: على أن أحد الشيوخ المسنين من أهل الفوارة قال لي: إن أحدهم وجد في بقايا أحد القصور القديمة في الفوارة نقداً عليه كتابة تتضمن ذكر السلطان الغازي ولكنه لا يعرف الشخص ولا يعرف ماذا صنع بذلك النقد. عودة الحياة إلى الفوارة بارت أرض الفوارة واندثر عمرانها، ووقفت عيونها من الجريان، ولكننا لا ندري متى حدث هذا إلا أنه حدث بالفعل فأصبحت الفوارة ماء ترده الأعراب مجرداً من كل عمارة بل هو مجرد حتى من ذكر تلك العيون. واستمرت الفوارة بهذه الحال فلم يفكر أحد في اعادة تعميرها واجراء عيونها واستصلاح أراضيها، وقد يكون السبب عدم معرفة تاريخ الفوارة القديم وأنها كانت عامرة بالمياه والنخيل في القرنين الثاني والثالث للهجرة. الى ان اطلع عليها رجل كثير الاطلاع، ويتبع الآثار فقد قرأ عن الفوارة الكثير والكثير عبر الكتب القديمة التي تكلمت عن عمارة الفوارة وعيونها وموقعها مثل كتاب المناسك وكتاب بلاد العرب وكتاب معجم البلدان، وتتبع الأوصاف من خلال الكتب فذهب في بادئ الأمر الى القرين ثم بعد ذلك اتجه الى الفوارة ووجد ضالته وما كان يبحث عنه ووجد مكان الفوارة مطابقاً لما بين يديه من أوصاف ألا وهو الشيخ العلامة عبدالله بن سليمان بن بليهد «رحمه الله» قاضي الحجاز بمكةالمكرمة. وقام ابن بليهد «رحمه الله» باجراء احدى العيون القديمة وغرس نخلاً وزرع زروعا وبنى قصوراً، ولا تزال آثار قصر ومسجد ابن بليهد قائمة، وسوف يأتي الحديث عن العين التي أجراها ابن بليهد مفصلا ان شاء الله. الفوارة لمزينة من بني سالم من قبيلة حرب وبعدما استتب الأمن في هذه البلاد على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وعم الرخاء سائر أرجائه، ترك الكثير من القبائل حياة التنقل والترحال «البداوة» واستوطنوا الهجر وذلك بتشجيع من الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -. وكانت أول هجرة في القصيم هي مدينة دخنة اتخذوها مزينة من بني سالم من قبيلة حرب هجرة لهم وكان ذلك في عام 1333ه. وفي عام 1344ه أرسل الشيخ عبدالله بن سليمان بن بليهد الى الشيخ حجاب بن نحيت شيخ قبيلة حرب من مزينة من بني سالم ويدعوه أن يسكن في الفوارة، فطلب الشيخ حجاب بن نحيت الفوارة من الملك عبدالعزيز آل سعود فوهبها له ثم نزل الشيخ حجاب بن نحيت على ابن بليهد في الفوارة وكان ذلك في أواخر عام 1344ه. الشيخ حجاب بن نحيت «رحمه الله» وجماعته من بني سالم ممن ساهموا في توحيد هذا الكيان مع الملك عبدالعزيز آل سعود وهم من أول الجنود الذين كانوا مع ركاب موحد هذا الكيان. قال المؤرخ العبيّد: قال لي الشيخ عبدالله بن سليمان بن بليهد حينما كان قاضياً في الفوارة وكان أميرهم الشيخ حجاب بن نحيت من قبائل حرب من بني سالم، بأن الشيخ ونحن في الطائف قال لي: إنه أتاني الشيخ ابن نحيت حينما اشتدت فتنة الدهينة في نجد، فأتاني ابن نحيت في بيتي ومعه اثنا عشر رجلاً من كبار الشخصيات فقال لي: يا شيخ أنا جئتك بهؤلاء الجماعة وقصدي أن يكونوا شهوداً على ما أسألك عنه وعلى ما تجاوبني عليه، حنا يَرِد علينا من الاخوان كتب يقولون حاربوا معنا، وابن سعود تَرِد علينا كتبه ويقول فيها: قوموا معي أنا الذي على حق ومن حاربني فهو على الباطل، وكنا نقرأ الكتب من الطرفين فالتبس علينا أمرنا فلم نتبين من الحق معه حتى نتبعه، ونحن فوضنا أمرنا الى الله ثم اليك لأننا نريد منك حجة لنا عند الله وأن ترشدنا في أمرنا فإنا أتيناك مسترشدين وضالتنا هو الحق وهؤلاء الرؤساء شهود عليَّ بما أقوله وما تقوله لي، فأعطنا ما عندك مما علمك الله اقتداءً بالقرآن والسنة، هل نحن نجاهد ابن سعود أم نجاهد الاخوان؟. قال الشيخ ابن بليهد فقلت له على الفور:«رزق الهدى من للهداية يسأل» فأنا أقول لكم ولا شك عندي فيما أقول: قوموا مع ابن سعود، فهو والله الذي على الحق ومن خرج عن طاعته وحاربه فهو على باطل، وقتاله واجب والله الهادي الى الصواب. فقاموا من عنده قانعين طيبة نفوسهم بما قال لهم: ثم غزوا بسرعة وجهزوا «1800» ذلول، فأغاروا ثلاث غارات في غزية واحدة وكلها يهزمون ويغنمون، وأخلصوا أمرهم لله ثم لعبدالعزيز بن سعود رحمه الله، وهذه من بركات العلم وسؤال أهل العلم». انتهى كلام المؤرخ. بعدما نزل الشيخ حجاب بن محسن بن نحيت شيخ قبيلة حرب ومن معه من جماعته من مزينة من بني سالم في الفوارة وبعدما اتخذوها هجرةً لهم قاموا ببناء المسجد في عام 1345ه وهو من أول الأعمال التي قاموا بها، وكما هو معروف مادة البناء في ذلك الوقت من الطين والتبن المسقوف بحريد النخل وأصبح المسجد يقع في منتصف البلدة محاطاً بالحارات التي وزعت على أفخاذ القبيلة، كل فخذ مستقل لوحده، واستقر أهل الفوارة فيها بعدما استتب الأمن في سائر أرجاء هذا الوطن وإدبار أيام السلب والنهب والقتل والثأر القبلي لغير عودة إن شاء الله. وكل ذلك بفضل من الله ثم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه. ولم يكن المسجد للصلاة فحسب بل كان مكاناً للتعليم حيث بدأ التعليم في الفوارة كغيره من البلدان في ذلك الوقت عن طريق «المطوع» والكتاتيب.