لقد ظلت المملكة العربية السعودية ترفل في حلل من الأمن والأمان، على مدى قرن من الزمان، بفضل الله أولاً، ثم بفضل الأسس والدعائم الأمنية والإيمانية، التي أرساها باني هذه المملكة وموحدها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - وقد كان هذا ولا يزال من دواعي فخرنا واعتزازنا نحن المواطنين أبناء هذه المملكة خصوصاً حين تخرج الاحصاءات الأمنية الدولية لتتصدر المملكة العربية السعودية فيها قائمة الدول التي تنعم بالاستقرار الأمني بدرجة غير مسبوقة. وفي تقديري، أن تلاحم وتفاعل الشعب مع ولاة أمره، واستشعار المواطنين السعوديين لما تحققه لهم قياداتهم من خدمات ورعاية على جميع المستويات كان من أهم عوامل تحقيق هذا الاستقرار والهدوء الأمني.. ورغم ما كانت تبثه بعض وسائل الإعلام الحاقدة على المملكة العربية السعودية فلم يكن أحد من أبناء هذا الوطن يلتفت إلى تلك الترهات أو يعيرها انتباهاً لأنهم يلمسون بأيديهم ويرون رأي العين التطورات والانجازات التي تتحقق على أرض هذا الوطن المعطاء، وكيف أنها بلغت مستوى من الرقي الحضاري شهد به الأعداء قبل الأصدقاء. ولكن مما يؤسف له أن تشهد هذه الواحة الآمنة أحداثاً غريبة ودخيلة عليها خلال الأيام الماضية. صحيح أن أنباء الارهاب والتفجيرات تكاد تكون قاسماً مشتركاً في كثير من دول العالم - عربية أو غربية- إلا أن وقوعها على أرض الأمن والأمان أرض الحرمين الشريفين يجعلنا نتوقف قليلاً ونتساءل بل ونسائل أولئك الذين انتهكوا ستر الأمن والأمان في هذا البلد الأمين بقول الله عز وجل {أّّتّسًتّبًدٌلٍونّ الذٌي هٍوّ أّّدًنّى" بّالَّذٌي هٍوّ خّيًرِ}؟؟. كيف تستبدلون الخراب والدمار بنعمة الأمن والاستقرار؟ هل هانت عليكم بلدكم وأبناء بلدكم ممن راحوا ضحية جرمكم واجرامكم؟ ليتكم سمعتم يا من قتلتم أنفسكم وأزهقتم أرواح غيركم من المدنيين الأبرياء قول سماحة المفتي وكبار العلماء في جريمتكم النكراء، إنها جريمة انتحار لقتلكم أنفسكم، وجريمة قتل أنفس أخرى بغير حق، أما الذين قتلوا من غير المسلمين فهم معاهدون جاءوا إلى بلادنا بموجب اتفاقات رسمية مع الجهات المعنية من أجل المصلحة الوطنية، وبالتالي لا يجوز قتلهم أو ارهابهم بل تجب علينا حمايتهم.. وتلك هي تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف التي أخذناها عن أئمة الأعلام على مر العصور والأعوام، وليس عن متطرفي هذا العصر الذين ظهروا بأفكار ارهابية تلبس مسوحاً دينية تريد أن تفرض فكرها الضال المضل على مجتمع مسلم تحكمه شريعة الله بأعظم جناحيها (الكتاب والسنة).وإذا كنا قد أشرنا إلى رأي سماحة المفتي وهيئة كبار العلماء في تلك الأحداث وفي منفذيها من الناحية الشرعية، فإن لخادم الحرمين الشريفين قولاً قوياً بليغاً في هذا الشأن وذلك لدى افتتاحه - حفظه الله- أعمال الدورة الثالثة لمجلس الشورى، حيث أكد - رعاه الله - رفض المملكة العربية السعودية للإرهاب بجميع صوره وأشكاله، وعدم السماح لأي فئة من الارهابيين المنحرفين بأن يمسوا الوطن وسلامة أبنائه والمقيمين فيه، كما لن تسمح المملكة بوجود فكر ضال يشجع الإرهاب ويغذيه حتى عندما يحاول هذا الفكر الضال التظاهر بالتدين، والدين الحنيف من الارهاب وفكر الارهاب براء. وفي حديثه الضافي لجريدة «السياسة» الكويتية، وصف صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني تلك الأعمال الارهابية بأنها «فعل شيطاني ولسعة إبليسية». وإنني بوصفي مسؤولاً في وزارة التربية والتعليم أهيب بأبنائنا وبناتنا طلاب وطالبات المدارس، بل وكل شاب من شباب مملكتنا الحبيبة، ألا يستقوا فكرهم الديني إلا من منابعه الشرعية المعتمدة من أئمتنا وعلمائنا الذين هم أحرص من الحرص على توضيح العقيدة الصحيحة من الكتاب والسنة ونشرها في مرجعيات، تأخذ منها الكتب المدرسية ما يناسب كل مرحلة من الجرعات.. وبالتالي لا يلتفتوا إلى أية أفكار يروج لها بعض المندسين في أوساط الطلاب والطالبات. أما أنتم أيها الزملاء الأعزاء من المعلمين والمعلمات، فلا أحسبكم بحاجة إلى التذكير - ولكن الذكرى تنفع المؤمنين- فإنها أمانة عظمى في أعناقكم لا ينبغي التهاون أو التفريط فيها، فإنكم مسؤولون عنها في الدنيا وفي الآخرة.عليكم أن تتسلحوا بالثقافة الدينية النقية من الكتب المعتمدة وليست المستوردة لتردوا على أية أسئلة أو استفسارات من طلابكم، وتصححوا أي فكر معوج قد يحمله بعض الطلاب أو الطالبات من أي جهة كانت. أما الذين يقولون بقصور المناهج الدراسية، ويشيعون ذلك بين الحين والآخر في بعض وسائل الإعلام، فإنني أقول لهم: صحيح أن المناهج فيها قصور، ولكن الصحيح أيضاً أنه قصور لا يصل إلى هذه الدرجة من السوء التي تجعلنا نجلد الذات ليل نهار في وسائل الإعلام، وإلا فليقولوا لنا كيف تخرج هذا الكم الهائل من قادتنا وكبار العلماء في كل مجال ورجال الفكر بكافة ألوانه؟ ثم كيف يتفوق بعض المبتعثين منا إلى دول الغرب وفي مقدمتها أمريكا على أبناء تلك الدول في بلدانهم وبلغاتهم؟ ألم يتخرجوا في مدارس تسير على هذه المناهج؟ إنني أدعو كل من يهمه أمر المناهج أن يتفضل بزيارة الإدارة العامة للمناهج بالوزارة ليرى بنفسه أنها تضم نخبة بل صفوة على أعلى مستوى من العلم والخبرة. وعلى كل حال، فوزارة التربية والتعليم تسعى دائماً لتطوير المناهج، شأنها في ذلك شأن بقية أجهزة الدولة التي تخضع لعمليات التطوير المستمر، ويؤكد ذلك ما جاء في خطاب خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في مجلس الشورى، أقتطف منه هذه العبارات: «إن المملكة حريصة كل الحرص أن تظل كل شؤونها الداخلية عرضة للمراجعة الذاتية التي لا تستهدف سوى الاصلاح برغم ما يردده المتصيدون في الماء العكر من أن محاولات الاصلاح هي استجابة لضغوط خارجية، والحقيقة التي تعرفونها ويعرفها الشعب السعودي كله هي أن مسيرة الإصلاح لم تنقطع وسوف تستمر بإذن الله». أسأل الله أن يحفظ بلادنا وولاة أمرنا من شر الارهاب والارهابيين، والغلاة المتطرفين، وأن يجعلنا وإياهم من الهداة المهتدين.