قرأت في جريدتنا الجزيرة للأستاذ إبراهيم التركي مقالة بليغة موجزة في الإعلامي الإذاعي ماجد الشبل فأحببت أن أعلق عليها فأقول: عرفت الأستاذ ماجد الشبل من خلال شاشة التلفزيون منذ افتتاحه في المملكة في أوائل الثمانينات الهجرية هو والأستاذ سليمان العيسى والأستاذ غالب كامل والأستاذ زهير الأيوبي والأستاذ منير شما، والمخرج ناصر الصقيه والمخرج إبراهيم الحمدان وفي جدة الاستاذان محمد أمين وعمر الخطيب الذي أصبح دكتوراً - ذكرت هذه الأسماء على التمثيل لا الحصر وكان الأستاذ ماجد الشبل يقدم مسابقة مع الطلاب يدخل فيها - لحبه للشعر - مساجلات شعرية وهي أن يأتي أحد الطلاب ببيت آخره ميم - مثلاً - ليأتي الآخر ببيت أوله ميم وهكذا وكان يبتسم لبراءة الصغار - شباب صغار ثانوي وإعدادي - ويسرّ جدّا بحفظهم للشعر وكان يشجع المتحمسين منهم. كما كانت قراءته لنشرة الأخبار مميزة بصوته العذب وقراءته المنسابة فلا كحة ولا نحنحة ولاتقطيع ولا تنتيع ولا خوف ولا وجل، هذه واحدة.. والأخرى: ذكر الأستاذ إبراهيم التركي أن الأستاذ ماجد الشبل أعلمنا أن الزركلي غير «الأعلام».والزركلي هو خير الدين الزركلي شاعر وأديب ومؤرخ سوري الأصل عاش فترة طويلة في المملكة. «والأعلام» كتاب الزركلي المشهور ترجم فيه لأعلام العرب قديماً وحديثاً وما زال مرجعاً للباحثين.وأما - غير الأعلام - الذي ذكره الأستاذ التركي فهو - وإن شئتم - فهي القصيدة المشهورة (للزركلي) التي ذكر منها (التركي) أربعة أبيات وكان الأستاذ الشبل قد قرأها في التلفزيون قراءة جيدة أضفت عليها جمالاً فوق جمالها وأود أن أستعرض هذه القصيدة التي كنتُ درستُ جزءاً كبيراً منها وأنا طالب في الإعدادي في غابر الزمان وسالف العصر والأوان مع تعليقات جدّ موجزة (لعلها تتناسب مع عذوبة القصيدة وجمالها).. 1- العَيْنُ بَعْدَ فِراقِهَا الوَطَناَ لا سَاكِناً ألِفتْ ولا سَكَنَا قلت: ليس لهذه الدرجة فقد يألف الغريب موطنه الجديد ويكون له أصدقاء من السكان الجدد عليه. 2- رَيَّانةٌ بالدَّمْعِ أقْلَقَها أَلاَّ تُحِسَّ كَرَىً وَلاَ وَسَناَ وعلى ذلك فالغريب - أو الوافد - في هم مقيم وبكاء دائم وأرق ملازم. 3- كَانَتْ ترَى فِي كُلِّ سَانِحَةٍ حَسَناً فبَاتتْ لا تَرى حَسَناً وبالعكس فقد رأينا مَنْ ظهر في غير بلده ورأى محاسن بلده ومحاسن غيرها ووصفها، وقد يكون العكس فقد يرى غير الحسن حسناً كما قال أبو الطيب: يُقْضَى عَلَى المْرَءِ فِي أَيَّام مِحْنَتِهِ حَتّى يَرَى حَسَناً مَا لَيْسَ بِالحَسَنِ 4- والقَلْبُ لَوْلاَ أنَّةٌ صَعِدتْ أَنْكَرْتُهُ وَشَكَكْتُ فِيْه أَنَا كلام شعراء، ولا يعرف الإنسان أن له قلباً إلا إذا صار قلبه مقلوباً وفؤاده مفؤوداً. 5- لَيْتَ الذِين أحِبُّهُمْ عَلِمُوا وَهُموُ هُنالِكَ مَا لَقِيْتُ هُنَا وَأَقول: علموا أم لم يعلموا، «فاختلاف النهار والليل ينسي». 6- ما كُنْت أحْسَبُني مُفارِقَهُمْ حَتَّى تُفاَرِقَ رُوحِيَ البَدَنا صحيح.. وأنا والله كذلك. 7- يَا مَوْطِناً عَبِثَ الزَّمَانُ بهِ منْ ذَا الذَِّي أَغْرَى بِكَ الزَّمَنَا والرَّدُّ: نَعِيْبُ زمانَنا والعَيْبُ فِينا ومَا لِزَمَانِنا عَيْبٌ سِوَانَا 8- قدْ كَانَ لِي بِكَ عَنْ سِوَاكَ غِنَىً لا كَان لِي بِسِوَاكَ عَنْكَ غِنى و(لا كان) هنا دعاء وكان تامة وغنى فاعل. قلت: والأيام قد تضطر الإنسان إلى فعل ما لا يريد أن يفعل. 9- ما كُنْتَ إلا رَوْضةً أُنُفاً كَرُمَتْ وطابَتْ مَغْرِساً وجَنَى والشعراء لا يرون في أوطانهم إلا الروضة والورود وبلاد الشام فيها الرياض والجبال والصحارى - بادية الشام - والروضة الأنُفُ: كنت أظنها حديقة الورود والزهور فإذا هي أرض عشب وحشيش وكلأ لم تُرْعَ - ويا فرحة ما تمت، خدها الخروف وراح. 10- عَطَفُوا عَلَيْكَ فأَوْسَعُوكَ أذَىً وَهُمُو يُسَمُّونَ الأذَى مِنَنَا قلت: آذوه بقصد وبغير قصد. 11- وَحَنَوْا عَلَيْكَ فجرَّدُوا قُضُبَاً مَسْنُونةً وتَقدَّمُوا بِقَنَا والقُضُب ج قضيب وهو السيف القاطع ولم أجد هذا الجمع في المعجم الوسيط بل وجدت القضبان. والقنا جمع قناة وهي عصا الرمح. قال أبو الطيب: كلما أنْبَتَ الزَّمَانُ قَنَاةً رَكَّبَ الْمَرْءُ في الْقَنَاة سِنَانَا والسنان: حديدة الرمح 12- يَا طَائراً غَنَّى عَلَى غُصُنٍ وَالنِّيْلُ يَرْوِي ذَلِكَ الغُصُنا ولم يخبرنا عن الطير الذي غنى ما هو. يا طائراً: طائراً منادى نكرة مقصودة جاز نصبه لأنه وُصِف. 13- زِذْني وَهجْ مَا شِئْتَ مِنْ شجَني إِنْ كُنْت مِثْلي تَعْرُفُ الشَّجَنَا وكنت حفظت بدل (زدني) - (غرّد) ولا مشكلة. والشاعر الحزين جعل غناء الطير حزينا والمسرور يسمع غناء الطير مفرحاً قال أبو العلاء: أَبَكَتْ تِلْكُمُ الْحمَامةُ أم غَنَّتْ عَلَى فَرْعِ غُصْنِهَا المَيَّادِ 14- أذْكَرْتَِنِي مَا كُنْتُ نَاسِيَهُ ولَرُبَّ ذِكْرَى حجدَّدَت حَزَنا قلت: الحديث ذو شجون 15- أذكرتني بَرَدَى وَوَادِيَهُ وَالطَّيْرَ آحَادَاً بِهِ وُثَنَى. ووادي بردي هو ما يسمى الغوطة وعين الفيجة وعين الخضراء - حدائق وعيون بدمشق - وبردى النهر الشهير يمرِ في دمشق. 19- وَأَحِبَّةً أَسْرَرْتُ مِنْ كَلَفِي وَهَوايَ فِيهمْ لاَعِجاً كَمِنا لاعج: شديد. لاعجاً حال منصوبة. 17- لِي ذِكْرَيَاتٌ في رُبُوعِهُمُ هُنَّ الْحياةُ تأَلُّقَاً وَسَنا تَألَقُّاً تمِييز منصوب (ملحوظ) 18- كَمْ ذَا أُغَالِبُهُ فَيُغْلُبُنِي دَمْعٌ إِذَا كَفْكَفْتُهُ هَتَنَا والدمع يفضح المستور. 19- إنَّ الغَرِيبَ مُعَذَّبٌ أَبداً إنْ حلَّ لَمْ يَنْعَمْ وإنْ ظعَنَا والحل؟ ظعن: سافر 20- لَوْ مّثلُوا لِي مَوْطِنْي وَثَناً لَهَمَمْتُ أَعْبُدُ ذَلِكَ الوَثَنَا والحمد لله أن أذهب عنا عبادة الأوثان وخلقنا لعبادة الدَّيّان، والحمد لله أنّ الشاعر همّ ولم يفعل، والحمد لله أنَّ أحداً لم يمثِّلْ له موطنَه وثناً فلم يعبده. وإذا هم العبد بحسنة فلم يفعلها كتبت له حسنة فإذا فعلها كان له عشر أمثالها وإذا هم بسيّئة فلم يفعلها كتبت له حسنة فإن فعلها كتبت عليه سيئة واحدة كما في الحديث الشريف. مع الشكر ل«الجزيرة الصحيفة» وعزيزتي الجزيرة (الصفحة) والقراء الكرام والسلام ختام.