عند قراءتي لما ورد في جريدة الجزيرة العدد 2357 وتاريخ 19/4/2003م عن فتوى إماراتية تحرم الدروس الخصوصية، حيث قالت صحيفة إماراتية أمس «إن قاضياً في محكمة أبو ظبي الشرعية أفتى بتحريم الدروس الخصوصية التي تفشت بشكل كبير بين المدرسين العاملين في مدارس وزارة التربية في الإمارات. ونقلت الصحيفة عن المستشار الشيخ محمد بن الصديق قوله: إنه لا يجوز للمدرس المتعاقد مع وزارة التربية والتعليم أو مع المدارس الخاصة إعطاء دروس خصوصية للطلبة. وأوضح أنه لا يجوز للمعلم القيام بتعليم بعض التلاميذ في منزله لما يسببه من ضرر التلاميذ الآخرين، كما أنه يقلل من اهتمام التلميذ بالمدرسة. وأشار إلى أن كل شرط يجوز في المعاملة إذا اشترطه المتعاقدان وجب عليهما الوفاء به مستشهداً بالقول (المؤمنون عند شروطهم)». ذكرني هذا الخبر الموضوع المقلق، فمع قرب الامتحانات ونهاية العام الدراسي ينتعش سوق الدروس الخصوصية السوداء وتكثر الإعلانات في مداخل الأسواق وعند أبواب المكتبات والمطاعم، فتلصق العناوين وبجانبها كلمات تغري مثل «مدرس رياضيات.. متخصص للمراحل الثانوية (ثالث ثانوي)» ويستمر الإعلان مضيفاً «ويدرس الثانوية الإدارية وكافة المستويات - مؤهل تربوي - خبرة طويلة ولديه خبرة لا تقل عن ثلاثين عاما في مجال تخصصه ت.. بيجر.. نقال..». فيبدأ الضغط على ولي الأمر من الأولاد وأمهم بأنهم بحاجة إلى دروس تقوية على الرغم من علمهم بعدم نظاميتها، وأنها تجري بطرقة سرية وأن جشع المدرسين الخصوصيين الذي يعاني منه المحتاجون لا فرار منه فهو «شر لابد منه». فكلما تطل الامتحانات برأسها يبدأ الطالب بالتململ والخوف وأمام هذا يضطر والده للخضوع لرغبته مكرهاً على الرغم مما ستسببه من خسارة مادية على حساب متطلبات الحياة اليومية الأخرى، ومع الأسف أن الكل يجمع على عدم جدواها. ولقد استبشرت خيراً بما قرأته بإحدى الجرائد بتاريخ الخامس من المحرم 1424ه عندما صرح مدير شؤون الطلاب بتعليم المنطقة الشرقية».. بأن هناك تعليمات مشددة من إمارة المنطقة الشرقية تقضي بالتصدي لظاهرة الدروس الخصوصية وقد تم بالفعل محاسبة بعض المعلمين الذين تورطوا فيها وأنهيت عقودهم مع الحرمان من مكافآت نهاية الخدمة..» ولكننا لا نزال نشاهد الكثير من هذه الإعلانات في كل مكان.. ولم نجد من إدارات التعليم أي موقف إيجابي يقضي على مثل هذا العمل السيئ كأن تَفتحَ فصولاً للتقوية في أغلب المدارس.. فحتى الآن لم يبق على الامتحانات سوى أربعة أسابيع. وعلى الرغم من أن إدارة التعليم بالرياض قد أعلنت من خلال ما نشر بجريدة الرياض بعددها 12361 في 15/2/1423ه «حرمان المعلم الذي يمارس الدروس الخصوصية في غير مراكز الخدمات.. وحذرت الإدارة العامة للتعليم بمنطقة الرياض جميع أولياء الأمور من التعامل مع المعلمين الذين يقدمون دروساً خصوصية من غير المتخصصين..» ويجب أن يعي الطالب أن الدروس الخصوصية بمثابة الأدوية المنشطة التي بدأ اللاعبون الرياضيون يستعملونها في الخفاء ولكن سرعان ما اكتشف خطرها فبدأت العقوبات تطبق على من يثبت عليه استعمالها، ولهذا فيجب على الطالب أن يعتمد على نفسه من بداية العام الدراسي وأكيد أنه سيتفوق لو اعتمد من بعد الله على نفسه وتخلى عن الدروس الخصوصية. ومن ناحية أخرى يجب ألا يغيب عن بالنا بلجوئنا إلى الدروس الخصوصية حتى لو مضطرين فإننا نجني على فلذات أكبادنا ونعلمهم التحايل والغش ونقتل فيهم روح المبادرة والاجتهاد ونعودهم على سلوك تربوي خاطئ. فتفشي هذه الظاهرة دليل عجز النظام التعليمي عن تحقيق أبسط المطلوب منه. فلعل التجديد لمعالي الوزير ولعل استبدال اسم الوزارة من وزارة المعارف إلى وزارة للتربية والتعليم أن يكون ذلك حافزاً وبداية صادقة للقضاء على هذا الخطر قبل أن يستفحل ويصعب وقفه وقطع دابره. وهذه جمهورية مصر العربية التي بدأت بالقضاء الجاد على هذه الظاهرة بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الداخلية بملاحقة وعقوبة كل من يثبت عليه امتهان هذه الطريقة.. وقد نشرت جريدة الأهرام بعددها الصادر في 3 فبراير 2002م الموافق 20/11/1424ه وتحت عنوان «شيخ الأزهر حرم الدروس الخصوصية.. والمجلس الأعلى للتعليم جرمها» فقد أكد الدكتور حسين بهاء الدين وزير التربية والتعليم أن الدروس الخصوصية مجرمة بقرارات المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي، وأن شيخ الأزهر أفتى رسمياً بحرمة هذه الدروس باعتبارها خيانة للأمانة وأنه لا تهاون مع مافيا هذه الظاهرة التي تهدم الكيان الاجتماعي في مصر وتهدد مبدأ تكافؤ الفرص بين المصريين..». وفي خبر آخر في العدد نفسه من الأهرام يقول: «أستاذ جامعي يجني 780 ألف دولار من الدروس الخاصة» إن الأجهزة الأمنية كشفت تهرب أستاذ جامعي من تسديد الضرائب المستحقة عليه من نشاطه في الدروس الخصوصية، حيث حقق أرباحاً بلغت ثلاثة ملايين جنيه «780 ألف دولار» خلال ست سنوات.. وأن له نشاطاً واسعاً في مجال الدروس الخصوصية متخلياً عن مبادئ هيئة التدريس وميثاق شرف العمل الجامعي وأصبح جمع المال شغله الشاغل فقط، كما أفادت التحريات قيام الأستاذ الجامعي بإعطاء دروس خصوصية لحوالي 250 طالباً سنوياً، وأجرت هيئة التدريس معه تحقيقاً بهذا الخصوص لكنه لم يتوقف وواصل نشاطه». فهذا يدل على ضعف الشعور بالمسؤولية وتغليب مصالحه العاجلة على المصلحة العامة فكيف نتغاضى عن مثله وهو يستنزف مواردنا ونسكت عنه وهو يزداد جشعاً وشراهة ويزرع في أبنائنا السلبية والاتكالية والفشل والغش، وتزداد الفجوة بين البيت والمدرسة وتنعدم الثقة، فيجب أن نعيد ترميم ما تهدم من جسور بين البيت والمدرسة ونؤكد على أهدافها التربوية والاجتماعية، ونتعاون بالقضاء على الأسباب التي تضطر الطالب للجوء إلى المدرس الخصوصي بتكثيف مراكز دروس التقوية في المدارس القريبة من منازل المحتاجين لها، وكسر الحواجز النفسية بين الطلاب ومدرسيهم. وأخيراً وبمناسبة التشكيل الوزاري الجديد واستبدال مسمى وزارة المعارف بالتربية والتعليم وتجديد الثقة بوزيرها فللمواطنين رجاء ملح وعاجل بأن يتخذ قراراً حاسماً ملزماً ولن يستطيع مهما حاول أن يحققه لوحده ما لم يستعن بالأمن العلني والسري وذلك بالنزول كصاعقة ماحقة على ضعاف النفوس تجتثهم من جذورهم وهم خفافيش الظلام من يدعون بمدرسي «الدروس الخصوصية» وكذا ما يعرف بخدمات الطالب الذين تاجروا بملخصات الدروس من المرحلة الابتدائية وحتى الدراسات العليا الدكتوراه، وهذه قاصمة الظهر. ونجد جريدة عكاظ في عددها 13402 الصادر يوم الأربعاء 6/3/1424ه الموافق 7/5/2003م تقول بالصفحة الأخيرة تحت عنوان «أبحاث للبيع» انتشرت مراكز كتابة الأبحاث والدراسات وبيعها للطلاب والطالبات على مستوى البكالوريوس والماجستير من قبل بعض الوافدين الحاملين لشهادات عليا.. الخطر يهدد مستقبل الوطن العلمي.. من المسؤول عن إنقاذ الوطن من المتاجرين بالعلم؟