زملائي الأمريكيين، ربما تكون كميات خطيرة من أسلحة الدمار الشامل موجودة في العراق. ربما لا تكون موجودة. نحن لسنا موقنين. وإذا ما كانت تلك الأسلحة هناك، فربما نكون في حاجة لأسابيع بعد الانتصار العسكري قبل أن نبدأ جهدارئيسيا للعثور عليها وتأمينها. بحلول ذلك الوقت، يمكن أن تكون قد ذهبت- ذلك، إذا ما كانت هناك في الأصل - ربما لأيادي الناس الذين يريدون إلحاق الضرر بنا. وبعد أن ندحر النظام الوحشي للعراق، فسوف يرحب أهل العراق بالقوات الأمريكية كمحررين. ثم ثانية، في غضون أيام، قد يقوم كثيرون منهم بالصياح «أيها الأمريكيون عودوا إلى بلدكم» وبالدعوة لحكومة جديدة يسيطر عليها القادة الدينيون. نحن لا نعلم. كما أننا لا نعلم أيضا مدى الصلات العملية بين صدام حسين والقاعدة - - إذا كانت مثل هذه الصلات موجودة. حتى الآن، أنا أعتقد أن الخطر المحتمل الذي يمثله صدام حسين هو خطر عظيم للغاية وأننا لا يمكننا أن نسمح لما لا نعلم بأن يقف في طريق عمل حاسم. وضوح الرؤية مع هزيمة بغداد، بدأ ضباب ما قبل الحرب في الانقشاع. والآن يبدو أنه لو كانت إدارة بوش أمينة مع الشعب الأمريكي (والعالم)، لكانت تصريحات الحرب مشابهة لما سبق تخيله أعلاه. لكن بدلا عن ذلك قام بوش وفريقه للأمن القومي (الذي يضم عسكريين سابقين جرى نشرهم في «مخابىء» مجالس الخبراء ومراكز القيادة المنشأة) بالإعلان، بشكل قاطع ودون تردد، أن لدى العراق مستويات خطيرة من أسلحة الدمار الشامل، وإنه كان أمرا «عاجلا» - كما قال بوش - العثور على هذه الأسلحة وتدميرها. وهم أيضا تحدثوا عن مولد حكومة ديمقراطية في العراق دون أي اعتراف بالعقبات أو المكائد المحتملة. لكن، يتضح، أن الإدارة لم تكن على المستوى. أكثر من ذلك، إنها لم تكن جاهزة بأي شكل للتعامل مع نتائج الانتصار العسكري. رغم أن بوش والقادة الآخرين المشجعين للحرب قد تحدثوا عن تحرير العراق، إلا أن حجتهم الرئيسية كانت التهديد الذي يمثله صدام حسين. إن سبب كونه خطرا وشيكا - على حد قولهم - هو امتلاكه لهذه الأسلحة البغيضة، واحتمال أن يقوم - كما قال بوش بأنفاس متقطعة - بنقلها في أية لحظة للإرهابيين المعادين لأمريكا. مع ذلك وحين دخلت القوات الأمريكية إلى العراق، تبنت إدارة بوش والبنتاغون إسلوبا يتسم بالكسل والتراخي في تحديد مواقع مثل تلك الأسلحة وتأمينها. بعد أسابيع من سقوط بغداد في 9 أبريل، كانت البنتاغون لا تزال في مسعى تجميع فريق بحث من 1000 خبير للبحث عن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وإشارات عن برنامج أسلحة نووية. لماذا لم يكن مثل هذا الفريق جاهزا للانطلاق في عمله مع بدء الحرب؟ البحث عن الكنز! خلال لقاء صحفي في 17 أبريل الماضي، قال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، «أنا شخصيا، لا أعتقد بأننا سنكتشف أي شيء. أعتقد أن ما سيحدث هو أننا سنعثر على أناس يقومون بإخبارنا عن مكان الأسلحة. إن الأمر ليس مثل لعبة البحث عن كنز، حيث يركض المرء لينظر هنا وهناك على أمل رؤية شيء ما... لم يعثر المفتشون على أي شيء، وأنا أشك في أن نعثر نحن على شيء». تخيل لو أن رامسفيلد قال ذلك قبل الحرب: «إننا نغزو بلدا آخر لإزالة أسلحته للدمار الشامل، لكننا لن نعثر على هذه الأسلحة ما لم يقم الناس هناك بإخبارنا عن مكانها». أصر بوش على أن صدام حسين كان يمثل خطرا، جزئيا بسبب أنه كان قريبا من امتلاك أسلحة نووية. رغم ذلك، لم يهتم الجيش الأمريكي بزيارة الموقع النووي الرئيسي في العراق. وقد أشارت صحيفة «واشنطن بوست» في خبر لها نشر قبل الحرب إلى وجود نحو 4000 رطل من اليورانيوم المخصب جزئيا وأكثر من 49 طنا من اليورانيوم الطبيعي، وأيضا السيزيوم المشع والكوبالت والسترونتيوم في مركز البحث النووي العراقي. إن مثل هذه المواد ضرورية بالنسبة لأناس يسعون لتخصيب اليورانيوم وتحويله إلى مادة صالحة كسلاح أو مهتمين فقط ببناء قنبلة قذرة. مع ذلك، أوردت الصحيفة تقريرا جاء فيه، «يعترف مسؤولو وزارة الدفاع بأن حكومة الولاياتالمتحدة ليست لديها أية فكرة ما إن كان بعض المكونات القاتلة قد سرقت من مركز البحث النووي العراقي، إذ إنها - أي الحكومة - لم تبعث بفرق تحقيق لتقديرالموقع. ما تقوم بفعله الآن، وفقا لمسؤولين في البنتاغون والقيادة المركزية الأمريكية. هو أن مجمع المباني الكبير، الواقع على مسافة 11 ميلا جنوببغداد، يتم تركه دون حراسة لعدة أيام وينجح اللصوص في تلمس طريقهم إلى داخله. إلى ذلك أيضا فإن أغلبية المنشآت المشتبه في أنها استخدمت لصنع أو تخزين الأسلحة الكيماوية والبيولوجية لم يجر فحصها. في 28 أبريل قال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير «لقد بدأنا العمل بنحو 150 موقعا (للبحث)، فيما أعتقد، وكنا نستهل البحث في سبع منها. في الواقع، فإن المواقع المتوفرة لدينا نتيجة معلومات استخباراتية يقترب عددها من 1000... لقد نظرنا في العديد منها، لكن لم نعثر على شيء. قبل أيام من ذلك، كانت جوديث ميللر، الصحفية بنيويورك تايمز والملحقة بالجيش في رفقة أحد أربع فرق عسكرية متخصصة تبحث عن أسلحة الدمار الشامل، قد قالت: «إن اثنتين من الفرق المتحركة الأربع التي جرى تخصيصها في الأصل للبحث عن الأسلحة غير التقليدية تم تغيير مهمتهما للتحقيق في جرائم الحرب أو المواقع غير ذات الصلة بالأسلحة». بالتأكيد، لجرائم الحرب أهميتها، لكن أهي أكثر أهمية من العثور على الأسلحة التي تستطيع أن تقتل الآلاف والتي تصادف أنها كانت الأساس للغزو والاحتلال؟ خطاب باول قرب نهاية شهر أبريل، كان مسؤولون بالإدارة يخبرون الصحفيين - في أحاديث ليست للنشر - أن من الممكن ألا يتم العثور على أي من هذه الأسلحة المرعبة. لم يتم حتى تحديد أي شيء في المواقع التي أشار إليها وزير الخارجية في خطابه الحاسم أمام مجلس الأمن الدولي في شهر فبراير. آنذاك كان نحو 150 فقط من مفتشي أسلحة الدمار الشامل الفعليين يعملون داخل العراق - وكان بعضهم يشكي من نقص وسائل الاتصال وأنظمة التشفير. قال الجنرال تومي فرانكس، قائد القوات المتحالفة في الخليج، إن عملية البحث قد تستغرق شهورا وان من المحتمل أن تتضمن «عدة آلاف من المواقع». السيناريو المرعب في أية لحظة، ربما تجد القوات الأمريكية دليلا مقنعا على أسلحة كيماوية أو بيولوجية - سيثير دون شك حماسة وصيحات فرح (أما أخبرناكم بهذا) من مؤيدي الحرب. لكن ذلك لن يكون كافيا. لقد تم شن الحرب - كما قال بوش وآخرون - للحيلولة دون انتقال أسلحة الدمار الشامل العراقية لأفراد ومجموعات يمكن أن تقوم باستخدامها ضد الأمريكيين. غير أن خطة الحرب لم تتضمن أية خطوات لمنع حدوث مثل ذلك الأمر. كان ذلك إهمالا في أداء الواجب. نال اللصوص قصب السبق على الولاياتالمتحدة في الوصول للمنشأة النووية العراقية. إذا كانت لدى العراق أسلحة دمار شامل، وإذا كانت نماذج للقاعدة موجودة في بغداد، وإذا كان هؤلاء الإرهابيون يبحثون عن أسلحة دمار شامل في العراق - وهي الادعاءات الأساسية التي قالت بها الإدارة - فسوف تكون هناك فرصة مواتية قوية في أن يكون السيناريو المرعب الذي استغله بوش وشركاؤه لكسب التأييد لحربهم قد أصبح حقيقة بالفعل. أولويات بلير إن بلير، من جانبه، يبدو وقد سئم عمليا من موضوع أسلحة الدمار الشامل، قال مؤخرا «إن الأولوية لدينا ينبغي أن تكون لتحقيق الاستقرار في البلد، ثم الوضع الإنساني كأولوية أخرى، أما الثالثة - وهذه يمكننا، بل ويتعين علينا، أن نأخذ فيها الوقت الكافي - فهي تأكيد قيامنا بالتحري في شأن أسلحة الدمار الشامل»، أن نأخذ ما يكفينا من الوقت؟ ألم تكن المسألة هي أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا لم تطيقا الانتظار إسبوعا آخر قبل الغزو بسبب أنه كان من الضروري تحييد التهديد الناجم من هذه الأسلحة؟ بالتالي فإنهم يقومون بإخبارنا الآن. لم تكن البنتاغون مهيأة للانطلاق في مهمة بحث مكثف للعثور على الأسلحة وتأمينها، و - بعد الحرب - ليست هناك حاجة للعجلة. وبالمناسبة، ربما لا تكون هناك أسلحة دمار شامل تبرر كل الجهد الذي يمكن إنفاقه. تحقيق الديموقراطية كانت الإدارة أيضا غير مستعدة - ومراوغة - في ما يتعلق بهدف مزعوم آخر للحرب: تحقيق الديمقراطية في العراق. في العديد من المدن، سرعان ما انفض الرقص في الشوارع بعيد الحرب، مع تحرك رجال الدين المسلمين لاستقطاب القوة السياسية. لكن بروز قوة شيعية لم يكن جزءا من خطة بوش الخاصة بالعراق. مرة أخرى، الواشنطن بوست تقول: «مع مطالب الشيعة العراقيين لدور مهيمن في مستقبل العراق، يقول مسؤولو الإدارة إنهم أخفقوا في تقديراتهم للقوة التنظيمية للشيعة وإنهم غير مستعدين لمنع إزدياد المعاداة للأمريكيين، وحكومة أصولية في البلد. «لكن هذا لم يكن حدثا يصعب التنبؤ به. تقول جوديث كيبر، مدير منتدى الشرق الأوسط، «لا يندهش أي شخص له إلمام صغير بالشيعة والعراق مما حدث». وهي تضيف «كان هناك مسؤولون في الدولة على علم بهذا. لكنهم كانوا على المكاتب، وليسوا داخل الغرفة التي أتخذت فيها القرارات». يقول جوزيف ويلسون، آخر سفير بالوكالة في العراق، «كانت لدى الشيعة دائما تطلعات، ولدى رجال الدين قواعد انتخابية، منظمة، منبر، أجندة، طموح ومليشيا مدربة. ماذا تريدون فوق كل هذا؟». واجهت الإدارة تحديا لم تحسب له حساب في «لعبة الحرب». ألم يتذكر أي أحد في دائرة القرار الأمريكي ما حدث في الجزائر في عام 1991؟ ذلك العام الذي فاز فيه حزب يريد إقامة دولة إسلامية في الانتخابات الوطنية، فقام الجيش عندئذ بعمل انقلاب لمنع الحزب من تولي السلطة. ظل المسؤولون الأمريكيون يقولون إن العراقيين أحرار في رسم حكومتهم، مع ذلك أعلن رامسفيلد أن حكومة على النمط الإيراني ليست خيارا. ماذا لو أن غالبية الناخبين أرادوا نموذجا أكثر شبها بإيران مما تريده الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ مهمة صعبة مثل هذه المسائل المعقدة لم يتم تناولها من قبل بوش ومساعديه في خطاباتهم السابقة للحرب والتي رسمت صورة وردية عن آفاق الديمقراطية التي ستنداح من عراق ما بعد الحرب لتغمر الدول الأخرى في المنطقة. كما أنهم لم ينظروا في صعوبات توفير الأمن لعراق ما بعد الحرب. في الواقع، عندما أدلى الجنرال ايريك شينسيكي رئيس هيئة أركان الجيش بشهادته في فبراير قائلا إن المهمة ستتطلب 100000 أو يزيد من الجنود، قام مساعد وزير الدفاع بول وولفويتز بطرده باعتباره «غير دقيق جدا». لكن الحرب أظهرت أن الإدارة والبنتاغون لم تكونا ملتزمتين بالأمن الفعال بعد الحرب. لقد جرى تحطيم المتحف القومي، وانتشر النهب بشكل واسع. لم يبد رامسفيلد حتى كلمة أسف واحدة حول هذه الأحداث. لم يتم أيضا توقع هذه التطورات، حتى من قبل البنتاغون، التي قررت تجاهل مثل هذه الحالات الفوضوية الطارئة. «قبل شهور من غزو العراق» كتبت واشنطن بوست في منتصف أبريل «توقع مخططو الحرب في البنتاغون أن يكون سقوط صدام حسين إيذانا بفترة من الفوضى وانعدام القانون، لكن لأسباب عسكرية، اختاروا قوة بحرية خفيفة للغزو لا يمكن أن يؤمل في قيامها بقمع مثل هذه الاضطرابات عند ظهورها، على نحو ما قال مسؤولو البنتاغون. «هل جرى إبلاغ الرأي العام بأن القوات الأمريكية ستهرع لحراسة وزارة النفط في بغداد وليس العشرات من المستشفيات في المدينة حتى بالرغم من أن بوش وعد في خطاب له قبيل الحرب «سوف نقوم بتوفير العلاج للمرضى»؟ إن مسألة أخرى يخبروننا بها الآن فقط هي كلفة الحرب. قبل الغزو، أطبق مسؤولو الإدارة على شفاههم بإحكام، رافضين حتى الإعلان عن تقديرات تخمينية (كما لو أنهم حتى لم يفكروا في الأمر). في الأسابيع الماضية، تراوحت تقديرات الكلفة لتبلغ في أعلاها 20 بليون دولار في العام، وذلك لسنوات قادمة سيتم البت في عددها مستقبلا. على الرغم من وعد بوش قبل الحرب ب «التزام ثابت» بالعراق، يتحدث مسؤولون أمريكيون عن سحب القوات الأمريكية منه عاجلا وليس آجلا. بالطبع، قد يتعارض ذلك مع رغبة الإدارة في الحصول على حكومة صديقة في العراق. إن عمليات الاحتلال يمكن أن تكون مربكة ومشوشة. لكن هل قيل لنا ذلك قبلا؟ في الواقع. لا. أسلحة كيماوية وبيولوجية طليقة. مواد نووية جاهزة لمن يريدها. عندما يكون لدينا وقت للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل. أولئك الشيعة المتململون. عشرون بليون دولار في العام. لم ترد أي من هذه الأمور في تصريحات بوش السابقة للحرب. يستطيع مساندو الحرب أن يجادلوا بالقول - وسوف يفعلون - إن النتائج كانت تستحق التكاليف والفوضى. في الواقع، لم يعد السفاح صدام حسين موجودا، ما عاد الشعب العراقي لحسن الحظ تحت رحمته. مع ذلك، كان هذا تحريرا بالخداع والتحريف، ورائحة الخداع عالقة في الجو. إنه احتيال عاد بالفائدة، في الوقت الحالي، على العراقيين لكن ذلك قوض الحوار والديمقراطية في الوطن. ومع استمرار تسليط القوة الأمريكية كأولوية لدى بوش وفريقه ينهض سؤال: ما الذي لا يخبروننا به غير ذلك؟ * «ذي نيشان»